العودة إلى الجذورلا نزال نحن المسلمين رضينا أم أبينا عالقين في الماضي.
لأننا كلَّما نظرنا إليه رأيناه خيرًا من حاضرنا بكل ما فيه!
من المفارقات العجيبة أن الأرقام العربية (0، 1، 3، .. 9) التي نسميها في الدول العربية اليوم أرقامًا إنجليزية هي في الواقع أرقام عربية أصيلة ابتكرها العرب، في حين أن دول العالم الأخرى تستخدم هذه الأرقام، وتعلم أنها عربية وتسميها بذلك، فمثلًا في الدول الأوروبية والغربية بشكل عام يسمونها (Arabic Numerals) بمعنى الأرقام العربية، وفي الصين يطلقون عليها "ألَبُو شو زه" بمعنى الأرقام العربية أيضًا.
إن الأرقام المستخدمة اليوم في الدول الأوروبية والغربية بشكل عام، وعلى نطاق واسع في جميع قارات العالم (1، 2، 3، .. 9) هي في الأصل أرقام عربية أصيلة، ابتكرها عالم الرياضيات العربي محمد بن موسى الخوارزمي، على طريقة الزوايا، حيث تتدرج من زاوية واحدة ترمز إلى الرقم 1 إلى تسع زوايا بالنسبة إلى الرقم 9، كما أن العرب هم أيضًا من ابتكر الصفر (0)، الذي رمز إليه بدائرة مجوَّفة لأنه عديم الزوايا.
انتقلت الأرقام العربية إلى أوروبا عن طريق البابا سيلفيستر الثاني الذي درس في جامعة القرويين بمدينة فاس في المغرب، وهي أقدم جامعة تم إنشائها في العالم، حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ونقل إليهم الأرقام العربية، وكان ذلك في نهاية الألفية الأولى، ولهذا السبب أطلق عليه الأوروبيون بابا الأرقام، وقد انتشرت الأرقام العربية في جنوب إيطاليا وإسبانيا ثم انتقلت إلى بقية دول أوروبا التي كانت في ذلك الوقت تستخدم الأرقام الرومانية الجامدة (i-ii-iii) التي لا تساعد في إجراء أبسط العمليات الحسابية.
وبشهادة علماء هذه الدول ومفكريها فإن الأرقام العربية تعدّ من أهم إنجازات الفكر العربي وأكثرها عطاءً، وأنها أساس لكل التقدّم العلمي الذي شهده العالم. لقد فتحت الأرقام العربية آفاقًا واسعة أمام العلوم الحديثة، كما أن الثورات الإلكترونية والمعلوماتية والتقنية والرقميّة التي يشهدها العالم اليوم استمدّت زخمها من خصائص الأرقام العربية. وعلوم أخرى عديدة يصعب حصرها، تتعلق بالاتصالات والطيران والفضاء وغيرها، تستمد قوتها من خصائص الأرقام العربية.
أما نحن العرب فلا نزال نتجنَّب استخدامها وننسبها إلى غيرنا، مع أنها من أهم إنجازات فكرنا العربي. ومن المفارقات العجيبة أن الهند التي ابتكرت الأرقام التي تستخدمها دول المشرق العربي اليوم، تركت منذ أمد بعيد أرقامها الأصلية وأصبحت تستخدم الأرقام العربية، بعد ما تبيّن لها أن الثورات الإلكترونية والمعلوماتية والتقنية والرقميّة التي يشهدها العالم اليوم تعتمد بصفة أساسية على خصائص هذه الأرقام العربية، لأنها سهلة الاستعمال والكتابة، ومكوّنة من عشرة أشكال بسيطة وواضحة ولا يمكن الخلط بين رموزها، وصالحة للنظام العشري ولجميع العمليات الحسابية والجبرية والرياضية التي لم يكن ممكنًا القيام بها من دون الأرقام العربية المبسَّطة، كما يمكن تركيب أي عدد منها وهذه الميزة أعطت السبق للأرقام العربية ومكّنتها من التحول إلى أرقام عالمية مستخدمة في جميع أرجاء العالم، وهي في حدّ ذاتها أداة رفيعة من دونها لم تصل الإنسانية إلى ما وصلت إليه من علوم وتطور ورقي وازدهار.
وتراثيًّا كانت الأرقام العربية جزءًا لا يتجزأ من اللغة العربية، وهذه الأرقام موجودة وبوضوح في كل الوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية القديمة، وأهمّها المصحف الشريف.
دعوة إلى العرب: استخدموا الأرقام العربية!يجد المسلمون من غير العرب اليوم صعوبة بالغة في التعرّف إلى أرقام صفحات المصاحف وآياتها التي تتم طباعتها في بعض الدول العربية، ولذلك تجدهم يعمدون إلى هذه المصاحف، ويقومون بإعادة ترقيمها بخط اليد باستخدام الأرقام العربية الأصيلة، حتى يستطيعوا تتبّع صفحاتها وآياتها، كما أن الأرقام الهندية التي نرقِّم بها المصاحف غير مألوفة في دول المغرب العربي، فَهُم لا يزالون متمسّكين باستخدام الأرقام العربية الأصيلة في مدارسهم ومؤسساتهم ومناحي حياتهم جميعها!
هذا القرآن كتاب عربي فلماذا لا نرقِّمه بالأرقام العربية التي يستخدمها العالم كلّه.. إلّا العرب؟! فالقرآن ليس حكرًا على العرب وحدهم، فهو للمسلمين كافة في جميع أرجاء العالم، بل إن عدد المسلمين من غير العرب يفوق كثيرًا عددهم من العرب. والمطَّلع على المخطوطات التاريخية القديمة للمصحف الشريف يلاحظ أنه رُقِّم في صدر الإسلام الأوّل باستخدام الأرقام العربية الأصيلة (0، 1، 2، 3، .. 9)، وهذا هو الواقع الذي يجب أن يكون عليه ترقيم جميع المصاحف اليوم.