الإسلام مش كوكاكولا..
في وقت سابق، وكنت لا زلت طفلاً. كانت إعلانات "كوكاكولا" واضحة ومباشرة. كلمة واحدة تكرر ثلاث مرات.. "اشرب، اشرب، اشرب، كوكاكولا"..
هذه الأيام، الإعلانات ليست مباشرة لهذا الحد. كوكاكولا، وغيرها من الشركات العالمية، تفضل الترويج لمنتجها عبر ربطه بقيم ومشاعر. "اتجنن"، "افتح تفرح"، "شجع".. وهكذا.. كلها أمور لطيفة، بعيدة عن الأمر المباشر.. اشرب!.
والإسلام، الذي هو دين، جاء من عند الله. يراه البعض منافساً لشركات المياة الغازية. بحاجة إلى تسويق ودعاية. وللأسف.. فإن أساليبهم ما زالت واقفة عند مرحلة "اشرب اشرب اشرب"..
(٢)
كان الله واضحاً. عندما أعلن أن "محمد"، عليه الصلاة والسلام، هو آخر الأنبياء والرسل، وهو وحده، صاحب الحق الحصري في نقل تعاليم دين الإسلام من الله إلى البشر.
البعض، بعد وفاة النبي الكريم، وجد أن هذا الدين أعظم من أن يكون له نبي واحد. لكنها مشكلة. لا يمكن توفير أنبياء جدد بعد الإعلان الإلهي الصريح بأن "محمد" كان الآخير.
إن كانت صفة النبي غير متاحة، يمكن للبعض أن يعمل لدى الدين "مدير تسويق". مسئول عن ترويج العلامة (التي ستصبح حينها تجارية دون شك)..
والإسلام، لدى مدراء التسويق، يوصف دائماً باعتباره "أكثر من مجرد دين". وهذه نكتة سخيفة، نكتة تسبب البكاء. كيف يمكن لدين أن يكون أكثر من مجرد دين؟!. هل وجود دين في خانة "المجرد دين" أمر سيء؟!.. يعني هل يمكن لمسلم أن يشعر بالإهانة لو وصف أحدهم الإسلام بكونه مجرد دين. دين فحسب؟!. على اعتبار أن "دين"، هي كلمة غير كافية لوصف تعاليم الرب إلى البشر؟!. ما الناقص في كلمة "دين" بحيث نزايد عليها للتأكيد أن ديننا ليس كأي دين، دين غير عادي، دين استثنائي، أكثر من مجرد دين على عكس باقي الأديان التي هي مجرد أديان؟.. ما هذا العبث؟..
المذهل، أن الأشياء التي تمت إضافتها تدريجياً إلى الدين، جعلته يبدو كسلعة. تباع وتشترى. بل أن الكلمات التي تم ابتكارها وخلقها لاحقاً، وإلصاقها عنوة بالإسلام، هي في الأصل كلمات تجارية مباشرة.
تأمل مثلاً كلمة مثل "المشروع الإسلامي". ما الذي تعنيه تحديداً كلمة مشروع؟!. وإن كانت مهمة جداً كما يعتقد البعض، لماذا لم تظهر في قرآن أو سنة؟!. هل كان النبي الكريم ليغفل عن أمر هام مثل "المشروع الإسلامي"؟!. بالتأكيد لا.. وبالتأكيد أيضاً، أن كلمة مثل "المشروع"، هي كلمة قادمة من عالم التجارة، حيث المكسب والخسارة. كون الدين تحول إلى مشروع، هذا يعني أن هناك إمكانية لنجاحه أو خسارته، في مواجهة مشروعات أخرى.
الله، عندما أرسل رسالته بدين الإسلام، لم يخبرنا عن أن هناك مسابقة بين الأديان لاختيار الدين الأجمل والأفضل. هذه مسألة احتفظ بها الله تعالى لنفسه وبنفسه. لم يطلب منا تحسين صورة الدين، لم يأمرنا بجمع نقاط أعلى في مبارة أمام الأديان الأخرى. فقط، أمرنا، بأن نكون مسلمين، وهي مسألة ليست سهلة بالمناسبة.
(٣)
فجأة، أصبحت هناك حاجة ملحة لإثبات أن كل شيء موجود في الإسلام. كل الإكتشافات العلمية المدهشة مذكورة في القرآن، كل ما سيحدث في المستقبل يمكن توقعه من أرقام الآيات وكلمات الأحاديث النبوية.
ما الذي يثبته هذا؟. أن الإسلام دين جميل؟، وما المفيد من التأكيد على جمال الدين؟، ما الذي سيحدث لاحقاً؟.. يحقق مزيداً من المبيعات مثلاً، ينضم له عملاء جدد؟..
راقب منتديات الإنترنت، وتابع الشائعات والأخبار عن "دخول ممثل شهير إلى الإسلام"، راجع التعليقات، هذا الهوس غير لائق تماماً إن كنا نتحدث عن "دين". هو مناسب لتشجيع فريق كرة قدم، أو متابعة صعود أسهم شركة في سوق المال. لا توجد بورصة للأديان، وإن وجدت يوماً ما. فما أعلمه عن الإسلام أنه كدين، مجرد دين، لا مكان له فيها على الإطلاق.
فجأة. أصبحت "الألتراس" نظرية عامة تصلح لتكرارها مع كل شيء. روابط مشجعي فرق كرة القدم، انتقلت لتشجيع الأديان. ولعلك تلاحظ. أنه في زمن ماضي، قبل ابتكار روابط التشجيع، كان المشجع العادي لا يزال جميلاً ورائعاً. كانت هناك كلمات سهلة مثل "أهلاوي"، "زملكاوي"، وهكذا.. هذه الكلمات فقدت قيمتها مع أوصاف أكثر تعقيداً، "ألتراس أهلاوي"، "ألتراس وايت نايتس"، بحيث أصبحت فكرة كونك مجرد مشجع غير صالحة.
هذا تماماً ما حدث سابقاً مع كلمة "مسلم". صفة بسيطة وسهلة، لكنها "مجرد صفة" في نظر مدراء تسويق الدين. وهي غير كافية، بحيث يتم ابتكار كلمات جديدة مثل "مسلم ملتزم"، الذي هو دون شك مسلم + شيء آخر مجهول!. وبالتأكيد فإن "مسلم ملتزم" هو شخص يحظى بمرتبة أعلى من مجرد "مسلم"، عميل مميز لدى المشروع الإسلامي، يحظى بامتيازات أكبر وصلاحيات أوسع!.
في اللغة، كلمة مسلم على وزن "مفعل"، والتي تعني تحويل الدين إلى أفعال وممارسات مباشرة. ملتزم على وزن "مفتعل".. الفعل غير كافي في نظر مدراء التسويق، هو بحاجة إلى مزيد من الافتعال!.
ثم، يضاف حرف الياء إلى نهاية اسم الدين، بحيث يصبح جزءاً أصيلاً فيه. فتتحول كلمة "اسلام"، إلى "اسلامي" و"اسلامية". فتجد : "الشركة الإسلامية"، "المدرسة الإسلامية"، "الحزب الإسلامي"، "القناة الإسلامية".. وهكذا.. دون أن يكون هناك معنى حقيقي لكل هذا. فكلمة "اسلام"، لم تكن تعاني من أي خلل أو نقص بحيث تحتاج إلى إضافة.. الله كان قادراً على الإضافة من عنده. هو أعلى وأعلم. لكن السادة مدراء تسويق الدين، الذين رفضوا مبكراً الإيمان بالإسلام باعتباره مجرد دين، أضافوا عليه، فتحوا باب التطوير والتعديل، بما تلزمه عملية الترويج، للوصول لأكبر قدر من العملاء الجدد، وتحقيق أعلى نسب مبيعات.
(٤)
الإسلام ليس في حاجة إلى تسويق. الدين ليس سلعة. السلع عادة محل شك وبحاجة إلى تجريب. الشركات مضطرة لإبتكار عروض وخصومات للترويج لمنتجاتها. اشتري اثنين بسعر واحد. ادخل السحب تكسب سيارة. هذه أمور لا يمكن استخدامها مع دين نعتقد حقاً أنه جاء من عند الله.
الدين ليس نادي رياضي، لا توجد أسهم باسمه في البورصة. لا يحتاج إلى إعلانات. هو وحده كما هو، كامل مكتمل، الله يرعاه، يحفظه، والمطلوب، فقط، أمر يبدو في غاية السهولة، أن يبدو كل مسلم، في حد ذاته، أفضل صورة للدين وجماله وروعته. هذا إن كان الجمال والروعة من الصفات التي يجوز أن نصف بها دين.
توقفوا عن المبالغة. الدين مجرد دين، وكونه أكثر من ذلك، فهذه ليست ميزة، بل اعتقاد بأن ما أرسله الله لم يكن كافياً منذ البداية، بحيث يحتاج إلى مزيد من الإضافات والتحسينات.
الإسلام ليس كوكاكولا. غير قابل للاستهلاك. لا يقدم اسمه راعياً لفاعليات وأحداث وأفراد. هو وحده، في مكان منفصل تماماً، غير خاضع للمنافسة، لا توجد به وظيفة لمدير تسويق.