الدر المرصوف في العشرة بالمعروفعلي محمد عمر السهولي
الحمدُ للهِ الَّذي خلَق الزَّوجَيْن الذَّكر والأُنثى، والصلاة والسلام على رسوله إِمَام الهُدى، وعلى آله وصحْبه ومَن اقْتَفَى أثرَه، وبسُنته اهْتَدى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].
إنَّ أصْدق الحديث كتابُ الله، وخير الهَدْي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل مُحْدَثة بِدعة، وكل بِدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أمَر الأزواج بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف؛ فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقد غفَل كثيرٌ مِن المسلمين عن هذا الأمر العظيم، ولهذه الغفلة أسبابٌ عديدة مِن أعظمها: الجهْل بهذا الأمر الربَّاني؛ وذلك لبُعدهم عن كتاب ربهم، وقِلَّة علمهم بسُنة نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأحببتُ أن أبَيِّن لإخواني هذا الأمر، وما في مخالفته مِن الخطر، فأوردتُ بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفيَّة التي تدلُّ عليه، وتحثُّ على الامتثال به.
وذلك لمَّا طلب مني أخ عزيز، وصديق كريم أن أُسْعِفَه ببعض الأحاديث، والآثار التي تحثُّ الأزواجَ على معاشرة زوجاتهم بالمعروف؛ لينصحَ بها أحد أصدقائه ممَّن أخلَّ بهذا الأمر العظيم.
سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لاَ بُدَّ لِي
مِنَ امْتِثَالِ سُؤْلِه المُمْتَثَلِ
فقمتُ بتلبية طلبه، وكتبتُ هذه الرسالة الصغيرة؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، ورغبةً في نشْر العلم؛ امتثالاً لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَلِّغوا عنِّي ولو آية))[1]، وبَذْلاً للنُّصح للآخرين؛ امتثالاً لقولِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدِّين النصيحة))، قيل: لمَن يا رسولَ الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامتهم))[2]، وحِرْصًا على نفْع المسلمين؛ امتثالاً لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فليفعلْ))[3]، وتذكيرًا للمؤمنين؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].
وقدْ جعلتُ هذه الرِّسالة في ثلاثة مباحِث:
الأول: أوردتُ فيه بعض الآيات القرآنية.
الثاني: أوردتُ فيه بعض الأحاديث النبوية.
الثالث: أوردتُ فيه بعض ما أُثِر عن السَّلف - رضوان الله عليهم - مِن أقوال، وحكايات.
وأسأل اللهَ العظيم أن يكونَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بهذه الوريقات كاتبَها، وقارئَها، وجميعَ المسلمين.
آمين.
فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي
مُعْتَمِدًا عَلَى القَدِيرِ البَاقِي
المبحث الأولالآيات القرآنية قمتُ بذِكْر ثلاث آيات قرآنية من كِتاب الله - تعالى - تَحُثُّ وتأمُر الأزواج بالمعاشَرة بالمعروف، وإليك الآيات مع شرْحها:
1 - قال الله تعالى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، في هذه الآية أَمَر الله تعالى الرِّجال عمومًا، والأزواجَ خصوصًا بِحُسْن معاشرةِ النساء، والمعاشرة: مِن العِشْرَة، وهي: المخالطة، والمعروف: هو ما عَرَّفه وحدَّده الشارع، وأمَر به من التلطُّف مع النساء، والرحمة بهنَّ، وحُسن الخُلُق معهن، وطِيب القول لهن.
ومعنى الآية: صاحبوهنَّ، وعاملوهنَّ بالمعروف مما حَضَّ عليه الشرع، وارتضاه العقلُ مِن الأفعال الحميدة، والأقوال الحسَنة، بأن تُلاطفوهنَّ في المقال، وتتَجَمَّلُوا معهنَّ في الفعال.
قال ابنُ كثير في تفسيره (2/242): "﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي: طَيِّبُوا أقوالكم لهنَّ، وحَسِّنُوا أفعالكم وهَيْئَاتِكُم بحسب قُدرتكم، كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت مثله".
وقال الغزالي في الإحياء (2/43): "والمعاشرة بالمعروف تكون بِحُسْن الخُلُق معها، وكف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلْم عن طيشها وغضبها؛ اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كانتْ أزواجه تراجعْنَه الكلام؛ بل أن يَزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة، والمزاح والملاعبة، فهي التي تُطَيِّب قلوبَ النساء، وقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمزح معهنَّ".
ثم ختَم الله الآية الكريمة بقوله:
﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ ليُبَيِّن أنَّه لا يصحُّ للرجال أن يسترسلوا في كراهية النِّساء إن عرضت لهم أسبابُ الكراهية، بل عليهم أن يُغَلِّبُوا النظرَ إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكارِه.
فمعنى الآية: إن وُجِد سببُ سوء المعاشَرة - وهو: الكراهية - فكرهتم صحبتهنَّ وإمساكهن، فتثبَّتوا ولا تتعجَّلوا في مفارقتهن بالطلاق، فإنَّه عسى أن تكرهوا شيئًا، ويجعل الله لكم في الصبر عليه خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخِرة.
فجَعل الله العشرة بالمعروف فريضةً على الرجال حتى في حالةِ كراهية الزوج لزوجته، وجعَل للزوج في ذلك خيرًا كثيرًا.
2 - قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
وفي هذه الآية يُبَيِّن الله تعالى أنَّ مِن آياته العظيمة أن جَعَل بين الزوجين المودَّةَ والرحمة، وبيَّن أن النكاح مبنيٌّ على هذه الأصول: السكن، والمودَّة، والرحمة.
فقال: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾، والسكينة: الطمأنينة، والأُنس، والاستقرار؛ أي: لتألفوا بها، وتطمئِنُّوا إليها، فجعَل الله المرأة سكنًا للرجل يأوي إليها، ويطمئن بها، ويستقر عندَها، فبيَّن أنَّ البيوت ينبغي أن تُبْنَى على الطمأنينة والسكينة، وهو ما يؤدِّي إلى الاستِقْرار في الحياةِ الزوجية.
ثم قال سبحانه:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾، فبيَّن في هذه الآية أنَّ العلاقة بيْن الرجل وزوجه مبنيةٌ على المحبَّة، والمودة، والأُلْفة، فإنِ انتفى الحبُّ فلتكن العلاقة مبنيَّة على الرَّحْمة بها، والعطف عليها؛ لأنَّها الحلقة الأضعَف، وقد حرَّج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علينا حقَّها بقوله:
((إني أُحَرِّج عليكم حقَّ الضعيفين: اليتيم، والمرأة))[4]، وهذه الآية تؤكِّد ما أفادتْه الآية الأولى: بأنَّه إن كَرِه الرَّجلُ المرأةَ، وانتهتْ علاقة الحُبِّ والوُدِّ بينهما، فلا يُفارقها، بل يُعاملها بالرحمة، والرأفة، والشفقة، وهو المعروف الذي ذَكَرَه في الآية الأولى؛ ولِذَا قال ابن عباس في تفسير الآية: "المودَّة: حبُّ الرجل امرأته، والرحمةُ: شفقتُه عليها أن يصيبَها بسوء"[5]، وذلك إنِ انتفت المحبَّة، وحلَّت مكانها الكراهية.
3 - قال الله تعالى:
﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
يُؤكِّد الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآية أنَّ للمرأة على زوجها حقوقًا كما أنَّ له عليها حقوقًا، فعليه أن يُوَفِّي لها حقوقَها بالمعروف الذي ترضاه الطباعُ السليمة، ووافق ما شرَعه الله، فلا يستوفي حقوقَه منها، ويظلمها حقوقَها، فالمعنى: وللنساء على الرجال مثلُ ما للرجال على النساء، فليؤدِّ كل واحد منهما إلى الآخَر ما يجب عليه بالمعروف.
وقدْ قال ابن عباس: "إني لأتزيَّن لامرأتي كما أُحِبُّ أن تتزين لي؛ لأنَّ الله قال:
﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]"[6].
المبحث الثانيالأحاديث النبويةوهذه سِتَّة أحاديث مِن كلام النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُبَيِّن لك عظمَ هذا الأمر، وتُحذِّرك من خَطَر مخالفته:
1- عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِهَ منها خُلقًا، رَضِيَ منها آخر - أو قال: غيرَه))[7]، والفرك: هو البُغض بين الزوجين، ومعنى الحديث: لا يَنبغي للزوج أن يُبْغِض زوجتَه بغضًا يحمله على فراقها؛ لأنَّه إن وجد فيها خُلُقًا يكرهه، وجد فيها خُلُقًا آخرَ يرضاه منها، فعليه أن يغفرَ سيئها لحُسْنها، ويَتَغَاضَى عمَّا يكره لِمَا يحب منها.
وفي الحديثِ إخبارٌ بأنَّ المؤمنة لا يُتَصَوَّر فيها اجتماعُ كلِّ القبائح؛ بحيث يبغضها الزوجُ بغضًا كليًّا، ولا يَحْمَد فيها شيئًا أصلاً، بل فيها مِن الخصال الحميدة ما يَرضاه زوجُها، وفيه إشارة إلى أنَّه ينبغي للزوج أن يبحَث في زوجته عمَّا يُرْضِيه عنها، وألا يُنَقِّب عن المساوئ التي تحمله على كُرهها.
وفيه إشارةٌ أيضًا إلى أن الصَّاحب لا يوجد بدون عيْب، فإنْ أراد الشخص صاحبًا بريئًا من العيب بقِي بلا صاحِب، ولله دَرُّ القائل:
أُعَاتِبُ كُلَّ ذِي حَسَبٍ وَدِينٍ
وَلاَ أَرْضَى مُعَاتَبَةَ الرَّفِيقِ
وَأُغْمِضُ لِلصَّدِيقِ عَنِ المَسَاوِي
مَخَافَةَ أَنْ أَعِيشَ بِلاَ صَدِيقِ
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم))[8].
في هذا الحديث يُبَيِّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ مَن كَمُل إيمانه هو من حَسُن خُلُقُه مع جميع الناس، ثم بيَّن أن خير الناس من كان خيرُه لزوجته خاصَّة، وذلك بأن يُعَامِلَها بالحسنى، ويصبر على أخلاقها، ويكُفَّ الأذى عنها، قال الحسنُ البصري: "حقيقة حُسن الخلق: بذْلُ المعروف، وكفُّ الأذى، وطلاقة الوجه"، وقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرَ الناس؛ ولهذا كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ الناس معاشرةً لأزواجه، فإنه قد صحَّ عنه أنه قال:
((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))[9].
وفي هذا الحديثِ يَحُثُّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأزواجَ على حسن معاشرةِ زوجاتهم، وحُسن صحابتهنَّ، والتَّرفُّق بهن، وأنَّ مَن فعل هذا فهو مِن خير الناس، ومَن خالفه فهو شرُّ الناس، وقد كانتِ العرَب تقول:
(مَن لا خير فيه لأهله، فلا خيرَ فيه للناس).
3- عن سَمُرة بن جُندب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ المرأة خُلِقَت مِن ضلع، فإن أَقَمْتَها كَسَرْتَها، فَدارِها تَعِشْ بها))[10]، فالمرأة خُلِقَت من ضِلع، وفي رواية: ((مِن ضِلع أعوج))[11]؛ أي: إنَّ خَلْقَها فيه اعوجاج، وكذلك خُلُقُها، فلا يتهيأ لك الانتفاعُ بها إلا بالصبر على اعوجاج خُلُقِها، كما جاء في رواية مسلم:
((لن تستقيمَ لك على طريقة، فإنِ استمتعتَ بها استمتعتَ وبها عِوج))[12]، فإن أردتَ تقويمَها وإصلاحَها، فلن تستطيعَ إلى ذلك سبيلاً، إلا بطلاقها وكسْر جناحها، كما في رواية مسلم المتقدمة: ((وإن ذهبتَ تُقِيمها كسرتَها، وكَسْرُها طلاقها))، فلا يمكن العيشُ معها إلا بمداراتها؛ لذلك قال: ((فدَارِها تَعِش معها))، والمداراة: الملاطَفة والملاينة؛ أي: لاطِفْها ولايِنْها وجامِلْها، فبذلك تبلُغ مرادك منها مِن الاستمتاع، وحسن العِشْرة.
فهذا الحديثُ الشريف يحُثُّنا على مُجامَلَة النساء ومُلايَنَتِهِنَّ، والصبر على أذاهن وتَضَجُّرِهِنَّ، والصحبة معهنَّ بالمداراة، وحُسْن الخلق، وسَعة النفْس، وتمام الشفقة.
4- عنِ الحسن البصريِّ - رحمه الله تعالى -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((إنَّ الله سائلٌ كلَّ راع عما استرعاه؛ حَفِظ أم ضَيَّع، حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيته))[13]، الراعي هو: الحافظ، المُؤْتَمَن، المُلْتَزِم صلاح ما قام عليه، وفي هذا الحديثِ يُوَضِّح النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - سيُحَاسِب كلَّ شخص تولَّى أمر بعضِ المسلمين، وأكَّد بأنه سيُسأل عنهم، وعن حِفْظه لهم، وخصَّ بذلك الرَّجُل مع أهل بيتِه مِن زوجه وولده، وأنَّه سيُسأل عنهم؛ هل حفِظ حقوقَهم، أم ظلمهم، وفرَّط فيهم، وقدْ أمرَنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإعدادِ الجواب للسؤال، فقال: ((فأعدُّوا للمسألة جوابًا))، قالوا: وما جوابها؟ قال: ((أعمالُ البِر))[14]، وبيَّن لنا أنَّ الجواب يكون بالعمل بقوله: ((أعمال البر))، وهي: أعمال الخير مِن: حسن الخُلُق، وحِفظ الحقوق، والمعاشَرة بالمعروف.
5- عن معاويةَ بن حَيْدَة - رضي الله عنه - قال: "قلت: يا رسولَ الله، ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ قال:
((أن تُطعِمها إذا طَعِمتَ، وتكسوَها إذا اكتسيتَ، ولا تضرِب الوجهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تهْجُر إلا في البيت))[15].
في هذا الحديث يُبَيِّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حقوقَ المرأة على زوجها، وذكَر منها: وجوب النفقة عليها، وكسوتها، وهذا واجبٌ بإجماع علماء المسلمين، وفيه مِن اللطائف ندب واستحباب أكْل الرجل الطعامَ مع زوْجته، وألاَّ يترفَّع عليها بأكْله وحده وهي تنظر إليه، وذكَر منها: عدم الضَّرْب، وعدم الهجر إلا في البيت فقط، وعدم التقبيح؛ أي: لا يقول لها قولاً قبيحًا، ولا يَشْتمها؛ لأنَّه من سوءِ العِشرة، وقلة الأدب، وقد عبَّر بالوجه عن الذات، فالنهيُ عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه، وغيره مِن ذاتها، وصفاتها، فشمِل اللعن، والشَّتْم، والهجْر، وسوء العِشرة، وغير ذلك.
6- عنِ العِرباضِ بن سارية - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
((إنَّ الرجلَ إذا سقَى امرأته مِن الماء أُجِر))، قال: فأتيتُ امرأتي فسقيتُها، وحدثتُها بما سمعتُ مِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[16].
وهذا الحديثُ مِن أروع ما قرأتُ في معاملة الزوج لزوجته، فانظرْ إلى هذا الصحابي الجليل الّذي تربَّى على يدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما سَمِع الحديث من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قام بتطبيقه على الفور؛ حرصًا على الأجر؛ واتباعًا لهدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي هو خيرُ هَدْي، فجاء إلى امرأتِه فسقاها أولاً، ثم أخْبَرها بما أخْبَر به النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعَمِل بما عَلِم، ثم عَلَّم أهله.
المبحث الثالثالآثار الواردة عن السلَفوهذه بعضُ الآثار عن الصحابة، والتابعين، والسَّلف الكِرام - رحمهم الله - تَحُثُّ على معاشرة الزوجة بالمعروف:
1- قال عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: "يَنبغي للرجل أن يكونَ في أهله مِثل الصبي، فإذا الْتَمسوا ما عندَه وجدوه رجلاً"[17].
يُبيِّن الخليفةُ الراشد الثاني عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - ما يجب أن يكونَ عليه الرجل في بيته، وما يجب أن يُعامِل به أهله، وذلك بأن يكونَ بينهم كالصبي يلهو معهم ويلعب، ويفعل كلَّ ما يطلبونه - ما لم يكن معصية - فإذا احتاجوا إليه في ردِّ صائِل، أو دفْع مجرِم وجدوه رجلاً يُدافِع وينافح عنهم، ويحميهم عندَ الملمَّات.
2- أخذ أبو غرزة - رضي الله عنه - بِيَد ابن الأرقم - رضي الله عنه - وأدْخَله على امرأتِه، فقال لها: "أتُبْغِضينني؟"، قالت: "نعم"، فقال له ابنُ الأرقم: "ما حمَلَك على ما فعلت؟"، قال: "كثرتْ عليَّ مقالة الناس"، فأتى ابنُ الأرقم عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - فأخبَره، فأرْسل إلى أبي غرزة، فقال له: "ما حمَلَك على ما فعلت؟"، قال: "كثرتْ عليَّ مقالةُ الناس"، فأرسل إلى امرأتِه، فجاءتْ ومعها عمَّة مُنكرة، فقالت: "إنْ سألك فقولي: استحلفني فكرهتُ أن أكْذِب"، فقال لها عمر: "ما حمَلَك على ما قلت"، قالت: "إنَّه استحلفني فكرهتُ أن أكْذِب"، فقال عمر: "بلى، فلتكذبْ إحداكُنَّ ولتجمل، فليس كلُّ البيوت تُبْنَى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام"[18].
يُبَيِّن الخليفةُ الراشد عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - في كلامه هذا أنَّ العلاقة بيْن الزوجين لا تقوم على الحبِّ فقط، فإذا كَرِه الرجل امرأتَه طلَّقها وفارَقَها، بل تكون العلاقةُ مبنيَّة - عند انتِفاء الحب - على الرحمة، والشَّفَقة، والأخلاق الحَسَنة، فبعد أن عاش الرجلُ مع زوجتِه زمنًا، ثم يرَى منها ما يكرهه يترُكها ويُفارِقها! فأين أخلاقُ الإسلام، والمعاشَرة بالمعروف، والقِيم الحسَنة؟
وكأنَّ عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - أخَذ هذا المعنى مِن قوله - تعالى -:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، كما بيَّن عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّ هذا مِن الأمور التي يجوز فيها الكذِبُ، قال الزُّهري: "لا يحلُّ الكَذِبُ إلا في ثلاث: الحرْب، والإصلاح بيْن الناس، وحديث الرَّجل امرأتَه، وحديث المرأة زوجَها"[19].
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/38):
"يحتمل أن يكون فيما يُخبِر به كلُّ واحد منهما الآخر ما له فيه مِن المحبَّة والاغتِباط، وإنْ كان كذبًا لما فيه مِن الإصلاح، ودوام الأُلْفة".
3- قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظليُّ: أتيتُ محمَّدَ بن الحنفيَّة فخرَج إلَيَّ في ملحفة حمراء ولحيته تقطُر من الغالية، فقلت: "ما هذا؟"، قال: "إنَّ هذه الملحفة ألقتْها عليَّ امرأتي ودهنتني بالطِّيب، وإنهنَّ يشتهين منَّا ما نشتهيه منهنَّ"[20].
فانظرْ إلى ابن الحنفيَّة - رحمه الله تعالى - كيف يعامل زوجتَه، ويتجمَّل لها، ويُبَيِّن أنَّ المرأة تشتهي من الرَّجُل ما يشتهيه الرَّجُل منها، فيعاملها كما يحبُّ أن تعاملَه هي، ولا يرَى في ذلك أيَّة غضاضة، وهو كقول ابن عبَّاس - رضي الله عنه -: "إنِّي لأتزيَّن لامرأتي كما أحبُّ أن تتزيَّن لي"، فالمرأة تُريد من الزوجِ كما يُريد الزوج منها في التجمُّل، والتزيُّن، وحُسْن الخلق، والمعاشرة بالمعروف.
والظن بك أخي في الله، الامتثال لهذه الآيات القرآنية، والاستجابة لهذه الأحاديث النبويَّة، كما فعَل الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - والسَّلَف الصالِح - رحمهم الله تعالى.
هذا ما جمعتُه لك أخي مِن كلام الله تعالى، وكلام رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلام السَّلَف الصالِح مِن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - والتابعين من بعْدهم - رحمهم الله - ولو استقصيتُ كلَّ الآيات، والأحاديث الواردة في هذا الباب لطالَ المقام، وكَثُر الكلام، ولكن في هذا القَدْر كفاية لمَن امتثل أمر الله - عزَّ وجلَّ - واتَّبَع هدْي نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسار على نهْج السَّلَف الصالح - رحمهم الله تعالى.
هذا ما تَهيَّأَ إعداده، وتيسَّر إيراده، فإنْ أصبت ففضل من المنَّان، وإن أخطأتُ فمِن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بَرِيئان، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسَلين، وآله وصحْبه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب: الأنبياء، باب: ما ذُكِر عن بني إسرائيل، رقم: (3274) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: الإيمان: باب: بيان أن الدِّين النصيحة، رقم: (55) من حديث تميم الداري - رضي الله عنه.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: السلام، باب: استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، رقم: (2199) من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: كان لي خالٌ يَرْقي من العقرب، فنهَى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الرقى، فأتاه، فقال: "يا رسولَ الله، إنك نهيتَ عن الرقى، وأنا أرْقي من العقرب..."، فذكره.
[4] صحيح: أخرَجه النسائي في سننه: كتاب: عشرة النساء، باب: حق المرأة على زوجها، رقم: (9149)، وابن ماجه في سننه: كتاب: الأدب، باب: حق اليتيم، رقم: (3678)، والحاكم في "المستدرك": كتاب: الإيمان، رقم: (211): كلهم من طرق عن: محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هُرَيرَة - رضي الله عنه - به، وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرْط مسلم"، ووافقه الذهبي، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: (1015)، ومعنى أُحَرِّج: أُحَرِّم، وأُضَيِّق، وأُشَدِّد عليكم في أخْذ حقهما، وظلمهما.
[5]ذكره القرطبي في تفسيره (14/17).
[6] حسن: أخرجه الطبري في تفسيره (4/532)، وابن أبي شيبة في "المصنف": كتاب: الطلاق، باب: ما قالوا في قوله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾، رقم (19263): كلاهما مِن طرق عن وكيع، حدَّثَنا بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - به، وهذا إسناد حسن: وكيعٌ هو ابن الجراح الرُّؤاسي أحدُ الأئمة الأعلام - كما قال الذهبي في "الكاشف" (2/350)، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص: 581): "ثقة حافِظ عابد"، وبشير بن سلمان هو: أبو إسماعيل النهدي، ذَكَره ابن حبان في "الثقات" (6/98)، وقال الحافظ في "التقريب" (ص: 125): "ثِقة يُغرِب"، وعكرمة هو: أبو عبدالله مولى ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/229) فقال: "كان عكرمةُ مِن علماء الناس في زمانه بالقرآن".
[7] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، رقم: (1469).
[8] صحيح: أخرَجه الترمذيُّ في سننه: كتاب: الرضاع، باب: حق المرأة على زوْجها، رقم: (1162)، وقال: (حسن صحيح)، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" برقم: (284).
[9] صحيح: أخرجه الترمذيُّ في سننه: كتاب: المناقب، باب: فضل أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رقم: (3895)، وابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان: كتاب: النكاح، باب: معاشرة الزَّوجين، رقم: (4177): كلاهما من طُرق عن: محمد بن يوسف: حدَّثَنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - به، وقال الترمذي: (حسن غريب صحيح)، وصحَّحه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" برقم: (285).
[10] صحيح: أخرجه أحمد في مسنده: مسند الكوفيين، رقم: (20105)، وابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان: كتاب: النكاح، باب: معاشرة الزوجين، رقم: (4178) والحاكم في "المستدرك": كتاب: البر والصلة، رقم: (7333): كلهم من طرق عن: عَوْف، عن أبِي رَجاء، عن سَمُرَة بْن جُنْدُب - رضي الله عنه - به، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرْط الشيخين)، ووافقه الذهبي، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" برقم: (1944).
[11] صحيح: أخرَجه الحاكم في "المستدرك": كتاب: البر والصلة، رقم: (7334) من حديث أبي هُرَيرَة - رضي الله عنه - وقال الحاكم: (إسنادُه صحيحٌ على شرْط مسلم)، ووافقه الذهبي.
[12] أخرجه في صحيحه: كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، رقم: (1468) من حديث أبي هُرَيرَة - رضي الله عنه -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المرأة خُلِقتْ مِن ضلع لن تستقيمَ لك على طريقةٍ فإنِ استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عوج، وإن ذهبتَ تُقيمها كسرتَها، وكسْرُها طلاقها)).
[13] مرسل صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان: كتاب: السير، باب: في الخلافة والإمارة، رقم: (4493): من طريق قتادة، عن الحسن البصري، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو مرسَل، فالحسن البصري تابعي لم يُدرِك النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث صحَّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم: (1636).
[14] حسن: أخْرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"، رقم (3576)، وابنُ عديٍّ في "الكامل في ضعفاء الرجال" (1/312): كلاهما من طُرق عن: زكريا بن يحيى الخزاز: حدَّثَنا إسماعيل بن عبَّاد: حدَّثَنا سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول: فالأمير راعٍ ومسؤول عن رعِيَّته، والرجل راعٍ ومسؤول عن زوجتِه وما ملكتْ يمينه، فاتَّقوا الله وما ملَكتْ أيمانكم، والمرأة راعيةٌ لحق زوجها ومسؤولة عن مالِه، وكلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول، فأعدُّوا لتلك المسائل جوابًا ...))، وعزاه الهيثمي للطبراني في "مجمع الزوائد" (5/374)، وقال: "رجاله رجال الصحيح"، وقال ابنُ حجر في "فتح الباري" (4/297): (أخرجه ابن عدي، والطبراني، وسندُه حسن).
[15] صحيح: أخرَجه أبو داود في سننه: كتاب: النِّكاح، باب: حق المرأة على زوْجها، رقم (2142)، والنَّسائي في سننه: كتاب: عشرة النساء، باب: تحريم ضرْب الوجه في الأدب، رقم (9171)، والحاكم في "المستدرك": كتاب: النِّكاح، رقم (2764)، كلُّهم من طرق عن: أبي قَزَعَة الباهلي، عن حكيمِ بن معاوية، عن أبيه - رضي الله عنه - به، وقال الحاكمُ: (صحيح الإسناد)، ووافَقه الذهبي، وصحَّحه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (7/97).
[16] حسن: أخْرَجه أحمد في مسنده: مسند الشاميين، رقم (17195)، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" برقم: (1963).
[17] ضعيف: أخْرَجه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (19/331)، قال: "أخبَرَنا أبو القاسم الحسيني: أخبَرنا رشأ بن نظيف: أخبَرنا الحسنُ بن إسماعيل: حدَّثَنا أحمد بن مروان: حدَّثَنا إبراهيم بن شوقي الهمداني: حدَّثَنا أبو حذيفة، عن الثوري، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي، عن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - به.
قلت: أبو القاسم الحسيني هو: عليُّ بن إبراهيم النسيب، قال الذهبي في "السير" (19/358): "كان صدرًا معظمًا، وثقةً محدِّثًا، من أهل السنة والجماعة، والأثَر والرِّواية، كلُّ أحد يُثني عليه"، ورشأ بن نظيف هو: أبو الحسن المقرئ، قال ابنُ عساكر في "تاريخ بغداد" (18/149): (كان ثِقةً مأمونًا)، وقال ابن الجوزي في "غاية النهاية" (1/282): (ثقة حاذق)، والحسن بن إسماعيل هو: أبو محمَّد الضراب، قال الذهبي في "السير" (16/541): (الظاهر مِن حاله أنه ثِقة، صاحِب حديث، ومعرفته متوسِّطة)، وأحمد بن مرْوان هو: أبو بكر الدِّينَوري، قال ابن حجر في "لسان الميزان" (1/309): (اتَّهمه الدارقطني ومشَّاه غيرُه، قال الدارقطني في "غرائب مالك": هو عندي ممَّن كان يضَع الحديث)، ودازيل هو: أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الهمداني المعروف بابن دازيل، قال الذهبي في "السير" (13/185): (الإمام الحافظ الثِّقة العابد)، وقال ابنُ الجوزي في "غاية النهاية" (1/10): (ثِقة كبير مشهور)، وقال ابن حجر في "لسان الميزان" (1/48): (ما علمتُ أحدًا طعَن فيه)، وأبو حذيفة هو: موسى بن مسعود النَّهْدي، قال الذهبيُّ في "الكاشف" (2/308): (صدوق يُصحِّف)، وقال الحافظُ في "التقريب" (554): "صدوق سيِّئ الحِفظ وكان يُصحِّف)، والثوري هو: أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، قال ابن حجر في "التقريب" (244): "ثِقة، حافِظ، فقيه، عابِد، إمام، حُجَّة"، وأبوه هو: سعيد بن مسروق الثوري، قال الذهبيُّ في "الكاشف" (1/444): (ثقة)، وكذلك قال الحافظ في "التقريب" (241)، وإبراهيم التيمي هو: أبو أسماء إبراهيم بن يَزيد بن شريك، قال ابن حجر في "التقريب" (95): "ثِقة إلا أنَّه يُرسِل ويُدلّس"، وهذا إسناد ضعيف، عِلَّته: أحمد بن مرْوان الدينَوري اتَّهمه الدارقطني بوضْع الحديث، كما أنَّه مُرْسل، فإبراهيم التيمي لم يُدْرِك عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بل لم يدرك مَن مات بعدَه بسنواتٍ طوال، قال الذهبيُّ في "الميزان" (1/74): "لم يسمعْ من عائشة ولا حفصة"، وعائشة - رضي الله عنها - تُوفِّيت سنة 58 هـ، وعمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - تُوفي سنة 23هـ؛ لكن لعلَّه يصلح للاستشهاد به مع الآيات والأحاديث السابِقة.
[18] ضعيف: أخرجَه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار"، رقم (236) قال: حدَّثَني أحمد بن المقدام العِجْلي: حدَّثَنا يَزيدُ بن هارون: حدَّثَنا سفيانُ بن حسين، عن الزُّهري، عن ابن عزرة [هكذا في "تهذيب الآثار"].
وفي "كنز العمال" (16/555): أبو غرزة - رضي الله عنه - به.
وأحمد بن المقدام هو: أبو الأشعث العِجلي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/32)، وقال الذهبي في "الميزان" (1/185): "أحدُ الأثبات المسندين"، وقال ابن حجر في التقريب (2/85): "صدوقٌ صاحِب حديث"، ويزيد بن هارون هو: أبو خالد الواسطي السُّلَمي، قال الذهبي في "الكاشف" (2/391): "أحدُ الأعلام، وثَّقَه أحمد بن حنبل، وابن معين"، وقال ابن حجر في "التقريب" (1/606): "ثِقة مُتقِن عابد"، وسفيان بن حسين هو: أبو محمَّد السُّلَمي، ذكَرَه ابن حِبَّان في "الثقات" (6/404)، وقال: "روايته عن الزُّهري فيها تخاليطُ يجب أن يُجانَب، وهو ثِقة في غير حديثِ الزهري"، وقال ابن حجر في "التقريب" (1/244): "ثِقة في غير الزهري باتِّفاقهم"، وهذا مِن روايته عن الزهري، فالحديثُ ضعيف لهذا؛ ولعلَّه يصلحُ للاستشهاد والاستئناس به.
[19] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: البر والصلة، باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه، رقم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها.
[20] ذكره القرطبي في "تفسيره" (5/97).