5 أسباب دفعتني لحذف حسابي على فيس بوك بشكل نهائيملاحظة: أنا هنا أتحدث عن حذف الحساب وليس تعطيله مؤقّتًا منذ أن أغلقت حسابي على فيس بوك منذ قرابة شهرين، وأنا أفكر كيف سأشرح الدوافع التي جعلتني أتّخذ هذا القرار، لأنني أريد أن أساعد المتردّدين في اتخاذ قرار كهذا وعليّ أن أكون واضحًا ومفصّلاً. هناك الكثير من الأشياء التي قد تُعجبك في فيس بوك، فهو بالأساس مُلتقى للعائلة (خصوصًا للمغتربين) ومصدر للأخبار ومكان لمناقشة الأمور الدراسية مع زملائك ومراسلة أصدقائك وإنجاز بعض الأعمال الجادّة ويمكنه كذلك أن يُساعدك في “قتل الوقت“.
#5 التشتت
عندما نظرت إلى هذه الخصائص بتأنٍّ، اكتشفت على الفور أنها السبب الذي يجعلني أترك فيس بوك، فهذا الخليط من المنشورات المؤلّف من أخبار عالمية وأخرى محلية ثم شخصية ودراسية المرتبة وفق خوارزمية غامضة -لا يبدو أنها تفهم النفس البشرية بقدر ما تفهمهما خوارزميات الإعلانات في فيس بوك- لا يمكن أن يجتمع إلا في فيس بوك، وهو في النهاية يسبب لك مقدارًا من التشتت الذي لا تدرك عواقبه إلا بعد فوات الأوان. ما العلاقة التي تجمع فيديو دعوي مع أغنية لمطرب ما مع كون أصدقائك يأكلون شيئًا ما في مكان ما؟ هل يستطيع عقلك ربط هذه الأحداث التي تقرأها متتالية في سياق ما؟ هل الرابط فعلاً هو العنصر الاجتماعي؟ هل يمكن أن يحدث هذا في الحياة الواقعية؟ أعتقد أن التعرض المستمر لهذا الضغط الذي يسببه تنوع المحتوى الذي تتابعه سيؤثر سلبًا على خلايا دماغك، فإما أن يُفقدها القدرة على ربط أحداث متناسقة، أو أن يجعلها ترى روابط بين أشياء لا يُفترض أن تكون ذات صلة، والنتيجة ستكون تغيرًا في القدرة على التفكير وبالتالي السلوك الذي يخضع له.
#4 النفاق الاجتماعي
فيس بوك ببساطة لم يعد شبكة اجتماعية، بل أصبح واقع الحياة الاجتماعية، فكلّ ما في حياتنا الواقعية ينتهي في نشرة أخبار فيس بوك بل إننا كثيرًا ما نفعل أشياء في حياتنا الواقعية لغرض المشاركة على فيس بوك أو على الأقل يكون ذلك دافعًا من الدوافع. كم مرة التقطت مع أصدقائك صورة جماعية، وكان الهدف من التقاطها هو مجرد الاحتفاظ بها كذكرى، دون أن تفكر في نشرها على فيس بوك؟ كم مرة خطرت على بالك فكرة وقاومت ذلك الدافع الخفيّ الذي يجعلك تنشرها على الفور في فيس بوك وسط جمهور قد لا يبالي على الإطلاق بما قد تفكّر؟
فيس بوك يدفعك لأن تشارك كل اللحظات السعيدة في حياتك، وينزع من نفسك أي رغبة بالخصوصية، في الوقت نفسه ستلاحظ نفسك تُخفي عن الآخرين لحظاتك الحزينة لأنك تعتقد أنها غير ملائمة للنشر بين هذا الكم من المنشورات السعيدة في نشرة أخبارك، وحتى عندما تنشر شيئًا سلبيًا، فإن الدافع هو فقط مشاركة المزيد، وجلب المزيد من الإعجابات التي تُعوّضك عن شعور الحزن! هو أمر سأناقشه حالًا.
من السُخرية أن يؤدي استخدامك الطويل لشبكة اجتماعية تزعم أنها تربط الناس ببعضهم إلى أن تصبح شخصًا غير اجتماعي. لكن هذا أمر حقيقيّ وأعتقد أن لديّ نظرية تُفسّر الآلية التي يحدث ذلك من خلالها: عندما لا تنخرط بشكل كافٍ في النشاطات الاجتماعية لأصدقائك على فيس بوك، لأنك لا تراها تستحق أي تعليق أو إعجاب (هل يهمك حقًا ما الذي يستمع إليه صديقك أو ما الذي يأكله؟ هل تجد الأمر مثيرًاللإعجاب أو يستحق التعليق؟) فإن خوارزمية فيس بوك تُنقص من أهمّيّة المنشور بالنسبة لك وتقرّر أن منشورًا كهذا أقل أهمية من غيره في نشرة الأخبار، ولذا سيبدأ فيس بوك بإخفاء المنشورات التي يعتقد أنها مشابهة له في المستقبل، وعندها ولأنك لا تتفاعل مجدّدًا مع هذه المنشورات (باعتبار أنك لا تراها) فإن أهمّيّتها ستستمر بالانحدار، وشيئًا فشيئًا يُصبح كل ما ينشره شخص ما غير مهمّ في نظر هذه الخوارزمية، لأنها تأخذ في الحسبان تواصلك مع صاحب المنشور (بالإضافة إلى تفاعلك من خلال الإعجابات والتعليقات). وهذا يعني أن كثرة المنشورات غير المهمة في فيس بوك (وهي الغالبية العظمى من المنشورات) ستؤثّر أيضًا على احتمال ظهور منشورات قد تراها مهمّة من الشّخص ذاته، وعليه فإنك عندما تشعر بصدق أنك لا ترى منشورًا ما مهمًّا، فإن فيس بوك يُعاقبك على عدم تفاعلك بأن يحرمك من منشورات قد تكون مهمّة لك؛ بالطّبع، ليس هذا مقصودًا، لكنها الحواسيب التي تفشل في تفسير الدوافع النفسية! المطلوب منك في نظر خوارزميات فيس بوك أن تُعلّق وتشارك على كل شيء يصادفك، وإلا فإن نشرة أخبارك ستصبح كصحراء مُقفرة، وستعود مرارًا لتجد أن نشرة أخبارك لا تتغيّر. فيس بوك لا يحترم صدقك في الإعجاب بمنشور أو تجاهله، كل ما يهمه أن تكون نشيطًا دومًا بحيث تضمن لهم مزيدًا من ساعات الاستخدام التي تنعكس على أرباح الموقع! الآن راقب انعكاس ذلك على حياتك الحقيقية، لطالما سألني بعض أصدقائي: لماذا لا تشارك في منشوراتي؟ (ظنًّا منهم أنني لا أرغب بأن أكون صديقًا لهم فعلاً)؛ الجواب دومًا يكون: إما أن يكون المنشور غير مهم، أو عليكم أن تسألوا خوارزمية فيس بوك!
#3 الإدمان
أعرف أنه لا يمكن للكيمياء تفسير كل الدوافع النفسية للإنسان، لكنني على الأقل أصدّق أن شعور السعادة يترافق مع إفراز مادة الدوبامين بأمر من الدماغ، وهي المادة ذاتها المسؤولة عن “شعور المكافأة” بعدد الإعجابات التي نالتها تلك الصورة التي نشرتها على فيس بوك. إفراز الدوبامين يدفع إلى الحاجة للمزيد منه، في الوقت ذاته ترتفع العتبة اللازمة لإحداث شعور الابتهاج مع التعرض لنفس المُثير، بكلمات أبسط: يصبح الإنسان مُدمنًا، ويحتاج دومًا إلى جرعة إضافية لتُعيد له شعور السعادة. إدمان فيس بوك لا يختلف من ناحية المبدأ عن إدمان المخدرات أو أي عادة أخرى؛ يكون في البداية أمرًا نفعله بكامل وعينا، ثم يصبح أمرًا خارجًا عن السيطرة.
كم مرة وجدت نفسك تفتح صفحة فيس بوك في المتصفح بشكل روتيني دون انتباه؟ هل لاحظت أن هذه العادة تتكرر بتواتر أكبر عند شعورك باليأس أو بالفراغ؟
مع الوقت ستصبح كل انفعالاتك ومشاعرك ودوافعك متمحورة حول “كيف أحصل على إعجابات أكثر؟” لاستعادة هذا الشعور؛ الأسوأ أن هذا يحدث بلا وعيٍ منك إلى أن تقرّر أن تفعل شيئًا ما وتبدأ بمراقبة نفسك.
#2 الخصوصية
وهي واحدة من أكثر الأشياء التي أصبحت مؤخرًا أوليها اهتمامًا، خاصّة بعد انتقالي الكامل إلى Linux؛ فالبرامج الحرّة والخصوصية أمران مرتبطان بشدّة، فالحرص على الخصوصية ساهم في نشأة حركة البرامج الحرّة، والانتقال إلى استعمال نظام حرّ ويحمي خصوصيّتي ثم الاستمرار في الاعتماد على خدمة تنمو وتتغذّى على بيانات مستخدميها وتحوّلها إلى مُدخلات في آلات توليد الإعلانات أمران لا يتفقان. هاك الصفقة التي تعقدها مع فيس بوك ضمنيًّا عندما تبدأ باستخدامه:
- اقتباس :
- من حقنا أن نسرق بيانات، ونستخدمها لتوجيه الإعلانات نحوك، وإعطاءها للحكومة الأمريكية عندما تطلب ذلك، ومن حقنا أن نعاملك كفأر تجارب لنجري عليك اختبارات نفسية بدعوى البحث العلمي، ومن حقنا أن نفعل أي شيء لم نذكره هنا وقد نحتاج لفعله يومًا بأن نغيّر اتفاقية الاستخدام متى شئنا… آه… تسأل عن حقوقك؟ ببساطة فيس بوك مجاني!
وكلّنا نعلم أن “مجاني” هنا (وفي أغلب خدمات الشركات العملاقة على الوِب) تعني أنك أنت السّلعة!
المشكلة أن أكثر الناس الذين أعرفهم في حياتي الواقعية، لا يُعيرون اهتمامًا لخصوصيتهم على الويب، ببساطة لأنهم لا يستطيعون إدراك مفهوم البيانات الرقمية ويعتقدون أنها شيء منعزل لا يستطيع التأثير في حياتهم الحقيقيّة (المُضحك المبكي أن البيانات هي بالضبط ما تسعى وكالات الاستخبارات حول العالم لجمعه)، يفعلون ما يشاءون على الويب وينشرون كل تفاصيل حياتهم لأنهم مطمئنون إلى أن الوِب ليس شيئًا ملموسًا، ويبدو أن على الأشياء الخطرة أن تكون مادّيّة وملموسة قبل أن تستطيع إقناعك بأنها خطرة. هل يمكن لإنسان أن ينشر ما يأكل وما يشرب ومتى يخرج من بيته وماذا يحب وماذا يكره وماذا يفعل كل بضع ساعات على الملأ؟ سيقول لك شخص ما أن هناك خيارات خصوصيّة لا تسمح للآخرين بالاطلاع على هذه التفاصيل، وبهذا يمكنك مشاركة المحتوى المناسب مع مجموعة الأشخاص المناسبة، المعرفة البسيطة حول كيف تعمل خدمات الوِب وكيف تخزن هذه المنشورات في قواعد بيانات تجعلك أي شخص يدرك أن خيارات الخصوصية ليست سوى بضع عشرات من السطور البرمجية التي تُنشئ حاجزًا وهميًّا بين المُشاهد والمنشور، أما المنشورات فيمكن الوصول إليها عبر طلب مباشر من قواعد البيانات دون الحاجة للمرور بطبقة الخصوصية تلك، أعني أنك تخفي عن بعض أصدقائك منشورات معينة، لكنها مرئية بسهولة لمن يستطيع الوصول إلى قواعد البيانات، بما فيها الحكومات (وهذا لم يعد سرًّا) والموظفين (وهذا حدث مع Google) وربما مجموعات من المخترقين الذين لا تعرف أين هم أو من هم.
إليك الملخص: خيارات الخصوصية تدفعك لمشاركة المزيد من المعلومات عن نفسك وعن حياتك التي ربما لم تكن لتشاركها قبل أن تتوفّر هذه الخيارات.