قصة سها وحبيبها الأبدي
رن هاتف سهى...نظرت فوجدته رقما غريبا ...فتحت الخط وقالت : ألو....لم يرد أحد....ثم أعادت مرة أخرى ألو....ليردّ عليها شاب فيقول : عفوا سيدتي ، أليس هذا رقم لؤي....؟!
أجابته لا سيدي يبدو أنك أخطأت....كم كان مهذبا...اعتذر منها بشدة جعلتها تضحك بطريقة عفوية وهي تقول : لا يستحق الأمر كل هذا الاعتذار ..الأمر بسيط جدا..أنت أخطأت عن غير قصد..غيرك يخطئون قاصدين ولا يعتذرون...تغيرت نبرة صوتها لنبرة حزينة فجأة...شعر بها...ولا يدري لحظتها ما الذي جعله يسألها : ما اسمك ؟
قالت :وبماذا يهمك اسمي؟ عابر أنت، ثم اضافت مع السلامة سيدي...فأنا لا أحادث الغرباء عادة...وأغلقت الخط...
لكن ناصر انجذب لصوتها...ولأسلوبها....فقرر أن يبعث رسالة لها عبر (الواتس اب) بأنه يرغب في التعرف عليها فهل هذا ممكن ؟ لم يكن شابا طائشا بل كان شابا واعيا يعمل محاسبا في شركة كبرى...
وبالصدفة كان يرغب في الاقتران بفتاة مهذبة حسنَةِ الخَلقِ والخُلُق...
لم ترد عليه...
استفزه الأمر ليبعث برسالة أخرى (مساء الخير)..لم ترد أيضا....
جنّ جنونه...وبقي مصمما على أن يظفر باقناعها الرد عليه....بقي يرسل من تحايا الصباح والمساء أسبوعا كاملا ولم ترد عليه...الى أن قرر ارسال رسالة غزلية لها...بعثها لها..وما أن وصلتها حتى ردت عليه..أظنك أحمق من عرفتهم..ترسل لفتاة التحايا بل وتتغزل فيها وأنت لا تعرف من هي ؟ أو أمتزوجة هي ؟ أو ربما تكون بعمر جدتك...فحتى الجدّات يستخدمن الواتس الان...
ضحك جدا جدا لردّها بل زاد تعلقا بها واعجابا...فردّ عليها وأظنك من أبخل من عرفتهم في ردّ التحايا...
لم ترد.....فقرر بعث رسالة لها يعرف فيها عن نفسه وسنّه وعمله ورغبته في الارتباط من فتاة يرق قلبه لها..وأن مقصده شريف ...وأنه يرغب اللقاء بها بغية التعارف للزواج...
لم ترد عليه أيضا ذاك اليوم..ولكن في اليوم التالي بعثت له...لست فتاة لاهية ولا عابثة وان كان مقصدك شريف لا امانع من معرفتك أكثر مع التزامك لحدود الأدب واللباقة، كم كان سعيدا بردّها...وبالفعل أمضيا أسبوعا كاملا يتراسلان ويتحادثان ساعات دون أن يشعرا....تعلق ناصر بسهى جدا...فقررا أن يلتقيا في حديقة عامة...وبالفعل تم هذا اللقاء وكم شعر بسعادة غامرة عندما أقبلت عليه فتاة ممشوقة القوام، فاتنة العينين، ندية الخدين..تمشي برقة...مرتدية فستانا مزينا بالورود ..يزين خاصرته شريط أحمر وترتدي حذاء أحمر اللون و حجابا أحمرا كذلك...كم كانت أنيقة....؟
تقدمت منه يعلو الخجل وجنتيها ..فقد بعث لها صوره كي تتعرف عليه ولا تنحرج أمام العامة ....كان لقاؤهما ساحرا بكل ما فيه..فقد قرر ناصر بعده التقدم لخطبتها وبالفعل هذا ما حدث، بعد الاجراءات الرسمية المعتادة لأيّ خطوبة ممكنة من تعارف الأهل..والاتفاق على المهر..والسؤال عن الخاطب وأهله...لم يتصور ناصر كم السعادة الهائل الذي غمره بأن وفقه الله في الحصول على فتاة أحلامه...أصبح الهاتف لا يفارقهما..ليل نهار يتحادثان حيث أن ناصر يضطر للسفر بين ارجاء البلاد لجلب التحصيل المالي لشركته بين الحين والآخر..فإن لم يستطع رؤيتها...يكون الهاتف هو وسيلة الاتصال الدائمة بينهما...حتى أنها قالت له مرّة ممازحة اياه..إن متّ يا ناصر فوصيتي أن تدفن الهاتف معي أرجوك...فهو أثير روحينا...لقد غضب وقتها لأنها ذكرت الموت وقال: لا حرمني ربي اياك غاليتي...لكنها بقيت تكرر هذه الوصية في كل مناسبة تسنح لها...حتى أنها رجت أهلها مرّة بأسلوب دعابي...أنني ان متّ ادفنوا هاتفي معي ..داخل كفني ...غضبت والدتها لحظتها وقالت لها :ألا تكفين عن ذكر الموت...وكأنها كانت تشعر...
شاء القدر في إحدى سفرات ناصر للعمل أن تذهب سهى للتسوق بغية التحضير لزواجهما مع والدتها...واثناء قطعهما الشارع تتفاجىء بسيارة مسرعة أوشكت على دهسها بل لامستها لولا تدارك السائق للامر وسيطرته على كوابح السيارة...ورغم ذلك تسقط سهى على الأرض مغشيا عليها...يسعفها السائق مع أمها التي كانت برفقتها...والدموع تنهمر من عيون الأم...يذهبون للمستشفى الأقرب...تبقى سهى في غرفة الطوارىء جثة هامدة...ويقرر الطبيب بعد استكمال الفحوصات ليلة كاملة بأنها تعرضت لنوبة قلبية أودت بحياتها...خبر صعق أهلها....ناصر ليس هنا..يرن على أمها لأنها لا تردّ عليه..والأم في حالة يُرثى لها...تحضر ترتيبات دفنها...والأم تقبل جبينها قبل تكفينها...وفي يديها هاتفها...وهي تودعها قائلة :وكأنك شعرت وكنت تودعين...و وضعت الهاتف بين يديها ..وتقول لقد نفذت وصيتك يا صغيرتي....تدفن سهى تلك الليلة...دون اخبار ناصر فقد رفض أهله وأهلها اخباره خوفا عليه من الصدمة...فيعود سائقا دون وعي منه...لكنهم صعقوا بعد دفنها بقليل بحضوره مكان المقبرة ..
وهو يصرخ تبا لكم..لماذا أخفيتم عني؟؟ لماذا حرمتموني من نظرة وداع أخيرة لها...؟!
كان منهارا..فقد أخبرته أخته الصغيرة بعد الحاحه عليها...
فحضر مسرعا..فقد عقله من هول الصدمة وبدأ برفع هاتفه أمام الجميع..
ويخاطب الهاتف قل لي : ما حاجتي بك بعد الان...
يرنّ هاتفه...يظهر المتصل سهى حبيبتي...يصرخ سهى ترن...
لم يصدقوه وبدأوا بالشفقة عليه...لقد جنّ..لقد جنّ...يقسم لهم سهى ترن علي ويفتح السماعة الخارجية..بدأ البعض بالتراجع للخلف خوفا مما يحدث....تناديه سهى بصوت منخفض...ناصر أين انا ؟..انني أختنق...العتمة مخيفة لولا اضاءة الهاتف....يصعق الجميع ويكبرون...البعض يغادر خوفا..يترك ناصر الهاتف ويهرع نحو القبر لنبشه..يساعده والدها واخوتها وكل الرجال ...والتكبيرات تعلو..وعند اخراج جسدها المكفن..
يبتعد الرجال الغرباء حفاظا على سترها...تتحرك...تسعل بشدة...يحتضنها ناصر وهو يصرخ ابتعدوا ...دفنتوها حية...ابتعدوا...يسرع للمشفى فقد كانت تعاني من اعراض نقص اكسجين علاوة على علامات رعب وفزع....ويقدر الله بقاءها على قيد الحياة وتتعافى بعد اسبوعين وتصبح حديث المنطقة....
هي و وصيتها وهاتفها الذي جمعها بحبيبها فوق الارض وتحت الارض بفضل العليّ القدير...
يُحاسب كادر المستشفى الذي قرر تشخيص حالتها بالوفاة التامة...وهي كانت في حالة اغماء شديده ...كم من اهمال طبيّ يخفى..وتروح ضحيته أرواح...!!
وكم من أحداث تحدث معنا يكون لها عند الله حكمة لا نعلمها كوصية سهى...؟! وكم من قلوب أحبت وقدرت الحب كقلبيهما....!! لقد حضر حفل زفافهما الداني والقاصي بعد شيوع قصتهما....ليكونا من أجمل صور الحب في زماننا هذا....!