بسم الله الرحمن الرحيم
(12) - بسط تاء فطرت
فطرت : لم ترد إلا مرة واحدة وكانت تاؤها مبسوطة.
قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًافِطْرَتَاللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (3) الروم. فطرت الله التي خلق الناس عليها؛ هي قبول الدين الحنيف القيم، لذلك فتحت تاء فطرت لانفتاح النفس للدين، وقبولها له، والرضا به، ولو لم يخلقهم الله على ذلك؛ لكان لهم عذرًا في رفع العقاب عنهم، وعدم محاسبتهم على كفرهم. ومادة "فطر" هي في الانفتاح بعد طول انقباض، ومن ذلك سمي أخذ الطعام في الصباح بعد امتناع عن تناوله طوال الليل، أو بعد صيام النهار فطورًا، ومن ذلك تفطر القدمين أي تشققهما من طول القيام. أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
بسم الله الرحمن الرحيم
(13) - بسط تاء كلمت
وردت "كلمة" بصيغة المفرد في (26) موضعًا غير مضافة إلى ضمير متصل؛ قبضت تاء كلمة في (21) موضعًا منها، وبسطت في (5) مواضع فقط، ومن الخمسة أربعة قرأت بالإفراد وبالجمع.
- وقال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف.
جاءت هذه الآية بعد آية سابقة في نفس السورة؛ (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128) الأعراف... فقد تم وتحقق لهم من الله ما وعدهم به موسى من قبل، وهذا الموضع الوحيد الذي قرأت فيه "كلمت" المبسوطة التاء بالإفراد فقط، والباقي بالإفراد والجمع فرسم التاء مبسوطة يصلح للقراءتين.
- قال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115) الأنعام.
لقد تمت كلمة الله التي وعدها لأهل الكتاب بإرسال محمد ، الذي يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، وتبين لهم صدق هذه الكلمة بعد إرسال الرسول إليهم، وقد بينت آية الأعراف ما كان من قبل في التوراة والإنجيل؛
قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157) الأعراف.
والكلمة قد يراد بها لفظ واحد، وقد تكون من جملة، وقد تكون من قول طويل أو قصير، لذلك صلحت "كلمت" أو تقرأ بالإفراد والجمع لأن ما تحقق لهم أكثر من شيء وأكثر من أمر، ومثلها في الآية التالية فقد أقروا بأكثر من أمر، فكلها معًا كلمة، وفي التفصيل كلمات؛
- وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(31) فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ (32)كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(33) يونس.
بعد إقرارهم بكل الذي ينجيهم إذا عملوا به، فسقوا وخرجوا من دائرة الإيمان، ودخلوا مع زمرة الذين حقت عليهم كلمة الله بأن يملأ بهم جهنم من الجنة والناس أجمعين، وكان بإمكانهم أن يظلوا خارجًا عنها.
- وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ(96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(97) يونس.
كل الآيات لن تحول بينهم وبين اتباع من حقت عليهم كلمة الله بملء جهنم بهم، والدخول معهم، حتى يروا العذاب الأليم فيموتوا على كفرهم، وكذلك صلحت "كلمت" أن تقرأ بالإفراد والجمع لأن المذكور أكثر من آية، والتكذيب بواحدة منها أو بكلها يجعل أصحابها من أصحاب النار.
- (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(5)وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُرَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ(6) غافر.
ختمت حياة الأحزاب بالعقاب والهلاك، فكانوا أصحاب الجحيم، وبذلك حقت كلمة الله عليهم بأنهم ممن يملأ الله بهم النار،
والله تعالى جعل للإنسان الخيرة في الحياة الدنيا بين الإيمان والكفر، فمن شاء منهم خرج من زمرة الذين حقت عليهم كلمة الله بالعذاب، ومن شاء دخل في زمرتهم، والطريق مفتوح لكلا الطرفين بالدخول أو الخروج، لذلك بسطت تاء كلمة في المواضع الثلاثة الأخيرة لدخول الداخلين، وكذلك صلحت قراءة "كلمت" بالإفراد والجمع؛ لأن أفعالهم: التكذيب، والهم بالقتل للرسل، والجدال بالباطل؛ كلها مجتمعة أو منفردة تدخل أصحابها في النار.
وقبضت تاء كلمة في واحد وعشرين موضعًا لأسباب عدة، ولزم المرور عليها لخفاء أسباب قبضها؛
فمن المواضع التي قبضت فيها تاء كلمة؛ المواضع التي تدل فيها على أن الله تعالى حبس عنهم العذاب في الدنيا، وأخره ليوم القيامة، ولا مفر لهم منه يوم يأتيهم؛
- قال تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(19) يونس.
- وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(110) هود، (45) فصلت.
- وقال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(14) الشورى.
- وقال تعالى: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى(129) طه.
- وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُالْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى.
وقبضت تاء كلمة في المواضع التي تدل على أن هناك من يصر على كفره، واختلافه على أهل الإيمان، فحصر نفسه بفعله في زمرة الذين سيملأ الله بهم جهنم، لا يريد أن يخرج نفسه منهم؛
- قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) هود.
- وقال تعالى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) الزمر.
- وقال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71) الزمر.
وقبضت تاء كلمة في المواضع التي يطلب فيها الأخذ بالكلمة وعدم الخروج عنها؛
- قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64) آل عمران.
- وقال تعالى: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(28) الزخرف.
- وقال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ - وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(26) الفتح.
والكلمة من مادة "كلم" وهي مادة للأثر الثابت، فالكلمة هي قول ثابت لا يتغير، ومن ذلك الكلم للجرح؛ لأن أثره يبقى ثابتًا خلاف الضرب بالعصا أو السوط، وكلمة الله في علوها دائمة وثابتة، وكلمة الذين كفروا في منزلة سفلى دائمة وثابتة، والقبض من علامات الثبات، فلا خارج منها ولا داخل فيها؛ ومن قال كلمة الكفر أو الكذب مبلغًا بها عما في نفسه فقد لزمه ما قال، ولا يكون قائلها بين بين؛
- قال تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40) التوبة.
- وقال تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) التوبة.
- وقال تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا(5) الكهف.
والكلمة الطيبة لها صفة الطيب الثابت، والكلمة الخبيثة لها صفة الخبث الدائم، ويلزم القائل بإحداهما عواقب ما يقول من خير أو شر؛ فتثق ميزانه، أو يطيش بها؛
- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) إبراهيم.
- وقال تعالى: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) إبراهيم.
وقبضت تاء كلمة المحتضر فهي لا تفتح لهم مخرجًا ولا نجاة من العذاب؛
- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) المؤمنون.
وكلمة الله عيسى محفوظ من الله ، لم يستطع أحد الدخول عليه، والنيل منه، فتوفاه الله تعالى، ورفعه إليه، دون أن ينالوا منه بالقتل والصلب، وبعد نزوله يقتل المسيح الدجال الذي لاقى منه الناس أشد المحن والابتلاء؛
- قال تعالى: (إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(45) آل عمران.
- قال تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ(39) آل عمران. وأما بسط التاء في كل جمع مؤنث سالم؛ فلأن الفرد قد يختفي أثره بين الجمع، أو تذهب خصوصيته بانتمائه له، أما الجمع فيبقى لكثرته معلومًا مكشوفًا لا يُخفى بغيره.... والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
بسم الله الرحمن الرحيم
(14) - بسط تاء بينت
1- بينت: وردت بينة (19) مرة، واحدة منها فقط بالتاء المبسوطة، والباقي على الأصل مقبوضة. - قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا(40) فاطر. قرأ (( ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، وحمزة ، وخلف العاشر )) على الإفراد بغير ألف. وقراء الباقون من القراء العشرة بإثبات الألف على الجمع. ووقف عليها (( حفص ، وحمزة ، وخلف العاشر )) بالتاء، والباقون بالهاء. ومرسومة في كل المصاحف بالتاء المبسوطة بلا خلاف.فمن اختار قراءتها "بينات" بالجمع؛ فحجته أنه مرسومة في المصحف بالتاء المبسوطة. ومن اختار قراءتها "بينة" بالإفراد؛ فعلى معنى البصيرة، وحجته أنه لها مثيل في قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الأنعام.وفي قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17) هود. راجع حجة القراءات لابن زنجلة ص: 594 والبينة إما أن تكون من حجة واحدة، وإما أن تكون من مجموعة حجج؛ فصلاح قراءتها بالإفراد لجملة الحجج، وأن مجموعها يعطي البينة، وصلاح قراءتها بالجمع على تفصيل الحجج المكونة منها، وأن كل واحدة منها تعطي للأخريات قوة ووضوحًا وجلاء للبينة.وفي كلا الأمرين؛ بالإفراد والجمع، تعرف الحقيقة، وبسط التاء هو الأنسب في رسمها، والآية قد أشارت إلى أنهم قد أشركوا بالله شركاء؛ أي أكثر من شريك، والكتاب فيه إما بينة على جميع الشركاء، وإما بينات على عدد الشركاء؛ أي لكل شريك بينة عليه ... لهذا جاء في تعدد القراءات تفصيل الأمر، وفي الواقع ليس لديهم كتاب فيه بينة، ولا فيه بينات... وإنما يأت القرآن بهذا الأسلوب؛ دفعًا للمشركين ليأصلوا عقائدهم بالأدلة والسلطان والحجج والبراهين؛ فإن أقدموا على الأخذ بهذا المنهج، توصلوا أنهم ليسوا على شيء. أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
بسم الله الرحمن الرحيم
(15) - بسط تاء آيت
آيت : وردت "آية" في القرآن في (86) موضعًا، كلها كتبت بالتاء المقبوضة إلا في موضعين فقط، بسطت التاء فيهما، وبسط التاء وافق قراء غير حفص، لذلك نحن نقرأهما في المشرق بالجمع، ولا يلاحظ ذلك غير المطلع على القراءات.... لذلك وجب بحثها من حيث صلاح الرسم للإفراد والجمع.قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَـتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) يوسف.قرأ ابن كثير آية بالإفراد، وقرأ الباقون آيات بالجمع، ومنهم حفص.أما صلاح قراءتها بالإفراد في آية يوسف فلأن حياة يوسف ، كلها بلا استثناء عبرة؛ من أول حياته إلى آخرها، وأما صلاحها بالجمع فلأن حياة يوسف فيها تفاصيل كثيرة، مع أبيه، ومع أخوته، ومع السيارة، ومع العزيز وامرأته، ومع السجن وأهله، ومع الملك والوزارة له، وفي كل حال من أحواله آية، فصلحت أن تقرأ بالجمع على اختيار حفص، ومن معه.وقال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَــــتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَـتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) العنكبوت.قرأن ابن كثير، وشعبة، وحمزة، والكسائي، خلف، آية بالإفراد، ووقفوا عليها بالتاء وفقًا للرسم، وقرأ الباقون، ومنهم حفص آيات على الجمع. أما صلاح قراءتها آية بالإفراد؛ فإن طلب أحدهم آية تنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى مسمع من الجميع، وموافقتهم له في طلبه، ما يشير إلى أن المراد آية واحدة في مجلس واحد، وبلفظ واحد لأحدهم نائبًا عنهم، فكأن القائل جمعًا، وليس فردًا واحدًا. وأما صلاحها بالقراءة بالجمع فلأن المشركين طلبوا أكثر من آية، وتفصيل ذلك موجود في سورة الإسراء، فدل على أن المراد بآيات وليس آية، وجاء الرسم صالحًا للقراءتين، وفي القراءتين تفصيلاً وبيانًا لاختلاف المواقف وإرادة السائلين، والآية والآيات المطلوبة شرطها أن تشاهد أمام أعين السائلين، فبسط التاء في كل الأحوال هو الأنسب. أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي