أسعد نفسك وأسعد الآخرين
مقال نشر في مجلة الوعي الإسلامي
بقلم الكاتب: خالد النعمان ـ السعودية
«أسعد نفسك وأسعد الآخرين» المؤلف: د. حسان شمسي باشا الكتاب من الحجم الصغير 125 صفحة دار القلم بدمشق. ثمة انطباعات خرجت بها كقارئ متأن من هذا الكتاب الذي استحوذ بدون إكراه، بل بكل طاعة ومحبة على مشاعري وأحاسيسي، ولكي لا أنفرد بالتمتع وحدي بهذه المشاعر والأحاسيس فقد آثرت أن أشرك القارئ الجاد معي.
بعض أفعال الأمر باللغة العربية عندما تصدر إلى بعض النفوس لا يكون لوقعها الصوتي صدى مقبول في تلك النفوس لا لشيء إلا لنبرة حروفها التي لا تخلو من حرف أو حرفين ساكنين بعد متحرك أو متحركين، (قم,اسمع، انتبه)، فالحرف الساكن في تصوري صوت ظاهرة تستدعي الانتباه، يصطحبها شعور بالعلوية والفوقية تتجه إلى الدون، والسابر غور هذه المشاعر لا يكاد يجد هذا النفور في مشاعر المتلقي ولا يجد لها أثرا في فعل الأمر الذي أصدره كاتبنا إلى القارئ، بقوله: «أسعد نفسك» بل وأردفه بفعل أمر آخر « وأسعد الآخرين» وسبب عدم وجود هذه الحساسية في تلقي الأمرين بل وتقبلهما رغم وجود نبرة الأمر فيهما عاملان: العامل الأول هو أن الأمر تعلق بفعل محبوب تسعى إلى معرفته وتحقيقه جل الأنفس الرشيدة، وتشرئب إليه الأعناق متطاولة لنيله وإدراكه، وهو السعادة، ومن من البشر لا يبحث عن السعادة؟
والعامل الثاني أن الأمرين صادران من قلب رجل محب، وناصح أمين، والمحب والناصح يقبل أمرهما، لذا لا تلقى للنفور مكانا.
يقول تحت عنوان أين السعادة؟ «السعادة ضالة المؤمن المنشودة، يسعى إليها في كل زمان ويبحث عنها في كل مكان، وكم نتمنى أن يكون تصوير السعادة سهلا ومنالها ميسرا وأن تكفينا وصفة طبية للحصول عليها، ولكن هيهات!».
السعادة بمفاهيم متعددة
ويضيف: «لا تذهب إلى السوق، فلن تجد تاجرا يبيعك السعادة في علبة مخملية أنيقة، وما اختلف الناس في تفسير أمر قدر اختلافهم في تفسير السعادة ذلك لأنها من الأشياء النسبية».
ثم يذهب إلى عرض نماذج من حالات يحسبها الناس السعادة كلّ حسب مفهومه، فيقول «ومن الناس من يرى السعادة في التبسط في المأكل، والمشرب واللهو والملبس وتمضية الوقت في المتنزهات والملاهي. ومنهم من يجد السعادة في المطالعة والمدارسة والغوص وراء درر العلوم، والبحث عن مكنونات الأدب، ومنهم من يحسب السعادة في التخلي عن هذا العالم الفاني، والزهد فيما تحويه هذه الأرض من متاعها».
إلى أن يقول «ومنهم من يرى السعادة في التسلط، وتذليل الناس ليكونوا عبيد أهوائه وإرضاء شهواته».
أبواب السعادة
وبعد استعراض طويل ذهب بنا المؤلف إلى محاولة جادة لوضع أيدينا على بعض ما يتصوره، موصلا قارئ الكتاب إلى أعتاب بوابات السعادة ليدخلنا إلى دهاليزها فنجد فيها بعض الأرائك لنستريح عليها بعض الشيء، ويضرب الدكتور حسان مثلا: «يقول السعيد: إن كأسي ممتلئة إلى نصفها، ويقول الشقي إن كأسي فارغة إلى نصفها، وهكذا تختلف نظرة الناس إلى الحياة فكل شيء في الحياة له وجه جميل، وآخر قبيح، فخذ الدنيا بوجهها الجميل وحاول أن تنسى ذلك الوجه القبيح».
ويضيف: «ليست السعادة مجرد الامتلاك وإنما حسن استعمالنا لما نملكه».
ألا ترى عزيزي القارئ أن طبيبنا جزاه الله خيرا قد شخّص لنا بعد الفحص الداء ووصف له العلاج، وحذرنا من الإسراف في تعاطي الدواء، وزيادة الجرعات أكثر من المطلوب حتى لا يحدث لنا الدواء داء.
وتحت عنوان: «السعادة في الصحة» يقول: «الصحة أغلى أنواع السعادة وليست السعادة مالا ولا جاها ولا سلطانا، ولكن قبل كل شيء صحة كاملة متى ما توافرت للإنسان هانت أمامه كل المصائب».
سعادة الثقافة
ويقول مؤلفنا: «ثقف نفسك تعش سعيدا»، ومفهوم المثقف لديه «هو الذي تثقف حسه وتثقف عقله وتثقف قلبه، وجمع معاني العرفان والحكمة فهو إذ ذاك أسعد رجل على هذه الأرض، وهو سعيد في شبعه وجوعه، سعيد في عريه واكتسائه، سعيد ما بقي له شعاع عقله ودفء قلبه وتفتح بصيرته».
وقد يتساءل أحدنا، وهذا سؤال وارد ومشروع، لما نحسّ به في واقع أنفسنا من إلحاح، هل المال ضرورة للسعادة؟ وإننا لنتطلع إلى إجابة شافية كافية من مؤلفنا يطمئننا هل ما نسير فيه جميعنا من لهث، وإصرار وحث شديد وطمع أشد، واجتهاد منقطع النظير وراء الحصول على المال لشعورنا بأن المال هو الذي يوجد لنا ما نطلبه من سعادة، فيقول المؤلف نقلا عن الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله «اقنع بالقليل تسعد، وكن جليلا عظيما موقرا عند الناس، كن ميسور الحال لا من أهل الثراء، واصبر على ما تلقى بشوشا شجاعا، واقبل الهزيمة كأنها شيء تحبه... الخ».
الماديات
وحين نتساءل أيضا عن دور الماديات في حياتنا وهل هي الأخرى تعطينا ما نصبو إليه من تحقيق السعادة؟ يجيبنا: «لا شك أن للجانب المادي دورا معينا في تحقيق السعادة، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أربع من السعادة، المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء، المرأة السوء والجار السوء والمركب السوء والمسكن الضيق» (صحيح ابن حبان)، وقد أضاف كشأنه أيضا في توثيق دراسته حديثا نبويا شريفا آخر يقول: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (سنن الترمذي).
القليل من كل شيء
ووسائل الحصول على السعادة كثيرة لدى مؤلفنا لا يحدها حد فيشير إلى أن السعادة في القليل من كل شيء، وذهب مستشهدا بقول الطبيب الإسلامي الشهير ثابت بن قرة «راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام» وأكبر دليل على صحة هذا التوجه هو قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا... } (الأعراف ـ 31).
ولو أفلت زمام الاسترسال من أيدينا لذهبت بنا الركائب كل مذهب، ولكننا نختصر فنذكر عناوين مصادر السعادة كما ذكرها مؤلفنا، إذ يقول: «السعادة في الوسطية»، «الإيمان ينبوع السعادة»، «السعادة في سكينة النفس» «السعادة في القناعة والورع»، «السعادة في العمل الصالح»، «السعادة في شكر النعم ومراقبة الله»، «السعادة في الرزق الحلال»، و«السعادة في الصبر على المصيبة»، «السعادة في التوبة»، «السعادة في التواضع»، «السعادة في الاقتصاد».
وهكذا نجد أن السعادة كنز مدفون في كل شيء في حياة الإنسان، وما على الباحث الجاد عنه إلا أن يحسن وسيلة التنقيب.
كيف تسعد الآخرين؟
أما كيف تسعد الآخرين فهذا بحث في فصل ثالث من هذا الكتاب، يقول المؤلف في هذا الفصل «إن سعادة الآخرين ولو عن طريق المشاركة الوجدانية والمواساة أجمل وأمتع عند صفوة الناس من الفكرة الصائبة والنغم الحلو واللقاء السعيد، ومن الناس من يجد السعادة في إسعاد زوجه وأولاده، وأعظم ما يفرحه هو رعاية الأسرة».
فالسعادة قد تنبع من إسعاد الآخرين أو التضحية لأجلهم، يقول فولتير: «من تسبب في سعادة إنسان تحققت سعادته» ويقول ايمرسون: «السعادة عطر لا تستطيع أن تعطّر به غيرك دون أن تنهال منه قطرات عليك».
واستشهد المؤلف بالحديث النبوي الشريف: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» رواه مسلم.
السعادة الزوجية
أما الفصل الرابع فيتعلق بالسعادة الزوجية، يقول المؤلف: «ليس في العالم كله مكان يضاهي البيت السعيد جمالا وراحة، فأينما سافرنا وأنى حللنا لا نجد أفضل من البيت الذي تخيم عليه ظلال السعادة.
والسعادة والبيت كلمتان مترادفتان في المعنى إذا عرف الأب والأم كيف يعيشان حياة هنيئة سعيدة» ويضيف: «ومن الجهل أن يسمح لأسباب تافهة بسيطة بأن تكدر حياتنا، أو أن تثير غضبنا فنرغي ونزبد لأمور تافهة لا تستحق الانفعال فيرتفع الضغط في دمائنا، وتخفق قلوبنا، وتضطرب أمعاؤنا إلى ما هنالك من أمراض قد تكون سببا في شقائنا كل الحياة».
وثمة نصائح وإرشادات وتوجيهات يرسلها المؤلف إلى كل من الزوج والزوجة لتفادي ومعالجة ما يحصل بينهما من خلل في مركبة حياتهما ولإكمال مسيرتهما على أحسن وجه لا يسع المكان هنا لسردها كاملة، ولا يمكن اختصارها أوحذف شيء منها لأهمية كل ما جاء فيها.