وجوب الإيمان باستواء الله تعالى على العرش
س: سألني أخٌ مسلم أين الله ؟ فقلت له : في السماء . فقال لي : فما رأيك في قوله تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ . ؟ وذكر آيات كثيرة ، ثم قال : لو زعمنا أن الله في السماء لحددنا جهة معينة ، فما رأي سماحتكم في ذلك ؟ وهل هذه الأسئلة من الأمور التي نهينا عن السؤال عنها ؟ ؟ج : قد أصبت في جوابك ، وهذا الجواب الذي أجبت به هو الذي أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فالله جل وعلا في السماء ، في العلو سبحانه
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 127)
وتعالى كما قال سبحانه وتعالى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ، وقال جل وعلا : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . وقال سبحانه : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ .
فهو سبحانه وتعالى فوق العرش في جهة العلو ، فوق جميع الخلق عند جميع أهل العلم من أهل السنة . قد أجمع أهل السنة والجماعة - رحمة الله عليهم - على أن الله في السماء فوق العرش ، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى . وهذا هو المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه رضي الله عنهم ، وعن أتباعهم بإحسان . كما أنه موجود في كتاب الله القرآن .
وقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جارية جاء بها سيدها ليعتقها ، فقال لها الرسول : " أين الله " ؟ قالت : في السماء ، قال : "من أنا" ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة رواه مسلم في الصحيح . فالرسول أقر هذه الجارية في الجواب الذي قلته أنت ، قال لها : " أين الله " ؟ قالت : في السماء . قال : " من أنا " ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة .
وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 128)
الله في السماء يدل على إخلاصها لله ، وتوحيدها لله ، وأنها مؤمنة به سبحانه وبعلوه ، فوق جميع خلقه وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قالت : أنت رسول الله .
أما قوله جل وعلا : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ . فهذا لا ينافي ذلك ، الكرسي فوق السماوات ، والعرش فوق الكرسي ، والله فوق العرش ، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى .
وتحديد الجهة لا مانع منه ، جهة العلو ؛ لأن الله في العلو ، وإنما يشبه بهذا بعض المتكلمين ، وبعض المبتدعة ويقولون : ليس في جهة . وهذا كلام فيه تفصيل ، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة ، وأنه ليس في داخل السماوات ، وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح .
أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل ، وخلاف ما دل عليه كتاب الله ، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام . وما دل عليه إجماع سلف الأمة ، فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء ، فوق العرش ، فوق جميع الخلق ، والجهة التي هو فيها هي جهة العلو ، وهي ما فوق جميع الخلق .
وهذه الأسئلة ليست بدعة ، ولم ينه عنها ، بل هذه الأسئلة مأمور بها ، يعلمها الناس كما سأل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أين الله ؟ " وسأله رجل ، فقال : أين ربنا ؟ فأخبره أنه في العلو سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى في العلو في جهة العلو ، فوق السماوات ، فوق العرش ، فوق
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 129)
جميع الخلق ، وليس في الأرض ولا في داخل الأرض ، ولا في داخل السماوات ، ومن قال : إن الله في الأرض ، إن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، في إخبارهما بأن الله سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا ، فلا بد من الإيمان بالله ، فوق العرش فوق جميع الخلق ، وأنه في السماء في العلو معنى السماء يعني العلو ، فالسماء يطلق على معنيين أحدهما: السماوات المبنية ، يقال لها : سماء ، والثاني العلو يقال له : سماء فالله سبحانه في العلو في جهة العلو ، فوق جميع الخلق ، وإذا أريد السماء المبنية معناه عليها (في) يعني على ، على السماء وفوقها كما قال الله سبحانه : فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ ، يعني: عليها ، وكما قال الله عز وجل عن فرعون إنه قال : وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، يعني على جذوع النخل فلا منافاة بين قول من قال : في السماء ، وبين قول من قال : إنه في العلو ؛ لأن السماء المراد بها العلو ، فالله في العلو فوق السماوات فوق جميع الخلق وفوق العرش سبحانه وتعالى ، ومن قال : إنه علا يعني فوق السماوات المبنية ، ولا شك أنه فوقها فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى .
فأنت على عقيدة صالحة وأبشر بالخير والحمد لله الذي هداك لذلك ، ولا تلتفت لأقوال المشبهين والملبسين ؛ فإنهم في ضلال وأنت
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 130)
الحمد لله ومن معك على هذه العقيدة ، أنتم على الحق في إيمانكم بأن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى ، وعلمه في كل مكان جل وعلا ، ولا يشابه الخلق في شيء من صفاته سبحانه وتعالى ، وليس في حاجة إلى العرش ، ولا إلى السماء بل هو غني عن كل شيء سبحانه وتعالى ، والسماوات مفتقرة إليه والعرش مفتقر إليه ، وهو الذي أقام العرش ، وهو الذي أقام الكرسي ، وهو الذي أقام السماوات وهو الذي أمسكها سبحانه وتعالى كما قال عز وجل : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ، فالله الذي أمسك السماوات وأمسك العرش ، وأمسك هذه المخلوقات ، فلولا إمساكه لها وإقامته لها لاندك بعضها على بعض ، ولكنه جل وعلا هو الذي أقامها وأمسكها حتى يأتي أمر القيامة إذا جاء يوم القيامة صار لها حال أخرى ، فهو سبحانه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وهو العالي فوق جميع خلقه ، وصفاته كلها علا ، وأسماؤه كلها حسنى .
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل بل مع الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 131)
س: تسأل أم مجاهد سودانية تقول : قال زوجي في إحدى خطب الجمعة : إن الله في السماء مستو على العرش ، بائن من خلقه وهو فوق السماء السابعة ، فذهب أحد الناس يستنكر عليه وشنع به ، ونطلب من سماحتكم القول الواضح في هذا الموضوع ؟ جزاكم الله خيراً .
ج : قد أحسن زوجك فيما قال ، وأصاب الحق فيما قال ، والله سبحانه وتعالى فوق العرش ، فوق جميع السماوات ، فوق جميع الخلق ؛ كما قال عز وجل : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . والاستواء معناه : العلو والارتفاع ، يعني ثم علا على العرش وارتفع عليه سبحانه وتعالى . فهو فوق العرش وعلمه في كل مكان عند أهل السنة والجماعة ، وهذا هو الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو قول أصحاب النبي جميعاً رضي الله عنهم ، كلهم درجوا على أن الله في العلو ، فوق العرش فوق جميع الخلق ، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى ؛ كما قال جل وعلا : فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ . وقوله : وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . فله العلو الكامل
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 132)
سبحانه وتعالى من جميع الوجوه : علو الذات ، وعلو القدر والشرف ، وعلو السلطان والقهر سبحانه وتعالى ، وهو فوق العرش ، فوق جميع الخلق ، استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته ؛ كما قال سبحانه : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . قال هذا في سبعة مواضع من كتابه العظيم .
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الإيمان بذلك ، والإمرار للصفات كما جاءت بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل . وإنكار الاستواء من مذهب الجهمية ، مذهب أهل البدع ، فالواجب على أهل الإسلام ذكوراً وإناثاً أن يؤمنوا بذلك ؛ كما جاء في القرآن العظيم ، وأن يسيروا على نهج أهل السنة في إثبات علو الله فوق جميع الخلق ، فوق السماء السابعة ، فوق جميع الخلق ، فوق العرش ؛ فإن العرش فوق الكرسي ، ثم هناك بعد الكرسي بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء والأرض ، فالعرش فوق الكرسي وفوق الماء ، والعرش هو سقف المخلوقات . وهو أعلاها والله فوق العرش سبحانه وتعالى ، فوق جميع الخلق جل وعلا ، ولهذا قال سبحانه : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وقال عز وجل : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 133)
. وقال : ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . في آيات سبع ، كلها دالة على علوه وفوقيته واستوائه على العرش سبحانه وتعالى ، فالذي أنكر على زوجكِ هو الذي أخطأ وغلط ووافق أهل البدع ، وخالف أهل السنة ، وأما زوجك في إخباره بأن الله فوق العرش فوق السماء ، فوق جميع الخلق فقد أصاب ، ووافق أهل السنة ووافق الكتاب والسنة ، وخالف أهل البدع ، فنسأل الله لنا ولكم ولزوجكِ ولجميع المسلمين التوفيق والهداية ، والاستقامة على الحق .