العيد القومي لمحافظة السويس، ففى مثل هذا اليوم نجح رجالها فى تحدي الصهاينة الذين فروا من هزيمة بائنة فى سيناء وعبروا إلينا من ثغرة الدفرسوار قرب الإسماعيلية وبدأوا رحلتهم إلى الجنوب تملؤهم نشوة زائفة وأرسلوا إلى صحف العالم برقية سريعة تقول: " تم احتلال السويس"
هكذا فعلوا وبعدها علموا بأن المدن ليست واحدة، فالسويس ليست لينينجراد .. مدينتا لم تكن مهجورة، بل كانت "فم الأسد"، كما قال قائد قوات العدو "شيل زائيف"، وهو يلملم قواته ويرحل حتى دون الفتات.
قصة مدينة
بدأت القصة في مساء 17 أكتوبر، حين تحركت فرقتا المدرعات الصهيونية (إدن وماجن) إلى الضفة الغربية من سيناء قاصدة السويس التى هاجر أغلب أهلها وتبقى بها ما لا يزيد عن 5000 مدنى، أغلبهم كانوا أعضاء بمنظمة "سيناء العربية" وهى جماعة فدائية شكلتها المخابرات بعد نكسة 67 وكذلك جماعة "أصوات الهداية" التابعة للشيخ (حافظ سلامة)، والتي نشطت فى الإسعاف المدني.
وفى صباح يوم الثاني والعشرين، وافقت مصر وإسرائيل على قرار وقف إطلاق النار وورغم هذا القرار، إلا أن تحركات القوات الإسرائيلية لم تتوقف، وبدأت فى تنفيذ الثغرة على بعد 35 كيلومتر شمال السويس.
وفى اليوم التالى، بدأت أعداد كبيرة من مؤخرات الجيش الثالث المصري تصل إلى السويس، حتى وصل عددهم فى المساء إلى 15 ألف جندي، كان معظمهم يحملون أسلحتهم الخفيفة من البنادق الآلية والرشاشات.
لم تنم المدينة طوال الليل؛ فالجميع يترقب المعركة المتوقعة فى الصباح، وهي المعركة التى استعدت لها القوات الإسرائيلية طوال الليل بإحكامها الحصار حول المدينة ومنع وصول المياه من ترعة الإسماعيلية، وقامت بحشد عدد كبير من مراسلي الصحف العالمية.
وفى الصباح، بدأ القصف الجوي على المدينة، ثم اشتركت المدفعية، وتنبه أفراد المقاومة إلى ملاحظة هامة، وهي تجنب الطائرات إصابة المداخل الرئيسية للمدينة، وهذا يعنى أنهم سيتقدمون منها فى وقت واحد لإضعاف الروح المعنوية.
وكانت خطة الفدائيين بسيطة جدا تعتمد على بنيان المدن القديمة التى تضيق مداخلها وشوارعها، فكان السكون هو الحل لخداع قوات العدو، وحين دلفت الدبابات وبدأ جنودها فى النزول إلى الشوارع لاتقاط الصور التذكارية، وهنا وقع الكمين الأول حين بدأت قوات المقاومة في إشعال الدبابات بالنيران، ثم قاموا باصطيادها بالبناق عند مرورها بالشوارع الضيقة.
وجاء ردهم المتوقع، انسحب الصهاينة، وأعطوا المدينة مهلة نصف ساعة للاستسلام.
لم يستسلم من فى الداخل وطلبت مصر تدخل القوات الدولية لتنفيذ قرار وقف إطلاق النار.
وهكذا لم تجد القوات الإسرائيلية أمامها إلا قذائف طيرانها التى لا تتوقف وقرروا تشديد الحصار على المدينة حتى ينفذ ما لدى الأهالي من مؤن ومواد الطبية.
جمهورية السويس
كان الحل الوحيد هو توزيع الموجود فى المخازن على السكان، على أن يكون نصيب الفرد (ثلاث علب أغذية محفوظة ونصف كيلو سكر)، وهي الكمية التى تكفي الواحد لمدة 15 يوماً.
بدأت السويس تمارس حياتها كدولة مستقلة بكل مرافقها وتصرفاتها، وساعدها على ذلك النظام الذى وضع لها عام 1969.. فهناك تمثيل فعلى لكافة المصالح الحكومية، أما عن الحالة الأمنية وقت الحصار، فكان نموذجياً، حيث لم تسجل خلال هذه الفترة جناية واحدة، فقد كان اتجاه الجميع كيفية الصمود لمنع احتلال المدينة
وفى 9 نوفمبر، تم إعلان إتفاقية النقاط الست التى كانت تقضي بتبادل الأسرى والسماح بدخول المؤن إلى السويس، وفى منتصف ديسمبر واجهت السويس مشكلة نفاذ الوقود، والذى كان قد تبقى منه كميات قليلة لا تكفى إلا لاستعمال القوات المسلحة ومحطات توليد الكهرباء، وكان الحل أن تعمل المطاعم بالأخشاب.
واستمرت الحياة فى المدينة حوالي المائة اليوم لم تنقطع الاشتباكات ولم ينقطع تقديم الشهداء حتى فى اللحظة التى فتح فيها الطريق إلى القاهرة.
972 شهيدا قدمتهم السويس منذ 1967 حتى انتهاء الحصار، ويحكي الإعلامى حمدي الكنيسي أنه لم يشعر عند وصوله بأن هؤلاء البشر عاشوا تحت ظروف صعبة وبنمط حياة مختلف، وقال لم أجد ما أشير إليه إلا أن ذقونهم وشعورهم طويلة بعض الشىء