السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
من السهل أن يتحدث المرء بما يريد ، بل لن يجد الإنسان أي صعوبة
في نشر الاتهامات وتوزيع الألقاب على الآخرين ، وكذلك من السهل
تغيير الحقائق وقلب الأمور بحيث يصبح الصادق كاذباً ، والكاذب
صادقاً ، والأمين خائناً ، والخائن أميناً ، وتغيير الحقائق سياسة جديدة
قديمة ، قد أشار إليها القرآن الكريم فعلى سبيل المثال قوله تعالى عن
فرعون عليه من الله ما يستحق : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى
وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر
فمن السهل أن أقول هذا رجل مدعوم ، أو هذا عميل للجهة الفلانية ،
أو هذا جاهل لا يفقه شيئاً ، أو ... أو ، ولكن الصعب أن آتي ببينة تدل
على صدق قولي وعدم تعصبي لحزب ، أو إتباعي لهوى
فما بالك اذا اتهمنا الانسان في دينه وقلنا هذا ليس بمسلم
هــــــــــذا نصراني او يهودي او ملحـــد ؟؟؟
الاتهام والتشكيك دليل على العجز والتجرد من الدليل والبينة ،
وهذا عين ما وقع فيه الكافرون أعداء الرسل والدعاة
بل أقول لهؤلاء المتهمين للناس من غير بينة : أنتم أحق الناس بما
ترمون الناس به وأهل له ، وليس هذا قولا مفترى بل هو حق ونور
وعندنا عليه برهان من الله سبحانه ، والأدلة على ذلك من وجوه:
1 : عموم الأدلة ، فالكافرون كانوا يعملون على هدم المصالح العامة
المخالفة لأهوائهم تحت ذريعة الإصلاح والإحسان ، وكان واضحاً
وضوح الشمس أن ما يرمي به الكافرون المؤمنين ، هو عين ما يقعون
فيه ، وبلا شك فإن الذين يرمون الناس من غير بينة إنما حملهم
على ذلك ما حمل الكافرين ، فالعلة واحدة ، والصورة هي الصورة .
2 : إن المؤمن شديد التوقي والحرص على عدم مخالفة الحق ، فهو
منضبط بالضوابط الشرعية ، وما يحمله على ذلك خشية الله سبحانه ،
وقد عظم الله سبحانه مسألة التقول على عباد الله من غير بينة أو دليل
، قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ
مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (58) الأحزاب
وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَفِيهِ اَسْكَنَهُ اللَّهُ ردغة الخبال حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) . رواه الإمام أحمد في مسنده ، ومن يسمع هذه النصوص ويوقن بها ثم يتجرأ بعد ذلك على رمي الناس من غير بينة لدليل على عدم صدقه وإيمانه ، وعليه يكون أهلاً لما يرمي به الغير .3 : إن رمي المؤمنين بغير بينة لمجرد مخالفة فكر أو نهج ما ، إتباع للظن المتمخض عن إتباع الهوى ، وقد وصف الله سبحانه أتباع الظن بأنهم اتباع كذب والهوى ، قال تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَإِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الأنعاموقال سبحانه : ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ (148 الأنعامفاتباع الظن تخرص وكذب ، وإلا فمن يتهم الآخرين لا يخرج عن حالتين ، الأولى : أن يكون صاحب بينة ودليل . الثانية : صاحب ظن وهوى ، فإن فقد الدليل الصريح الصحيح ، فهو صاحب هوى ، وقد دلت النصوص بشكل واضح وقاطع على كذب أصحاب الظن اتباع الهوى .4 : وكذلك فإن اتهام المؤمنين من غير بينة ،مخالفة
صريحة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث
الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
(البينةُ على المدّعي، واليمين على من أنكر ). فأي إدعاء يقع على
أي إنسان لا بد وأن تقوم عليه بينة ، فإن الإسلام شدد في حقوق
المسلمين وجعل ذلك من الضرورات فقد صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال في خطبة الوداع في اليوم المشهود : (أيها الناس اسمعوا
قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا
، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا
ربكم كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم
فيسألكم عن أعمالكم ) . فأعراض المسلمين مصونة لا يجوز لأي امرئ
أن ينتهكها ، أو يشهر بها ، فكيف إذا كان انتهاك عرض
المسلم والتشهير به عن غير بينة,
فاتقوا الله يا عباد الله
فنسال الله عز وجل ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه
وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه
وان يجنبا الفتن ما ظهر منها وما بطن