فى فورة حماس «التحرير» هتف أقباط
وعلمانيون وناصريون وليبراليون وجماعات إسلامية «الشعب يريد إسقاط
النظام»، علت أصواتهم وذابت انتماءاتهم، وتوحدت مطالبهم، انزوت اختلافاتهم
وبقيت وحدتهم الوطنية، جاءوا جميعا تلبية لدعوة أطلقها شباب ٢٥ يناير،
الذين لا ينتمى معظمهم إلى أى قوى سياسية أو تيارات فكرية، الكل جاء لهدف
واحد ولتحقيق مطالب حتى وإن كثرت فهى تصب فى اتجاه واحد هو حب مصر.إلى
هذا الميدان اتجه شباب ٢٥ يناير، حاملين أحلام ٨٠ مليون مصرى، معلنين عن
غضبهم من أحوال اجتماعية واقتصادية سيئة متمثلة فى انتشار الفقر وتزايد
معدلات البطالة، وارتفاع الأسعار، مرددين هتافات تطالب بتحقيق العدالة
الاجتماعية، والقضاء على الفساد، وزيادة الأجور، وإجراء إصلاحات سياسية،
وتعديل الدستور، وحل مجلسى الشعب والشورى، وعندما قرروا الخروج للمطالبة
بهذه الحقوق ورفض تلك الأوضاع، نادوا بانضمام الجميع إليهم، الإخوانى
والقبطى والناصرى واليسارى، دعوهم إلى ترك الاختلافات جنبا والوقوف صفاً
واحداً.مجموعة من شباب ٢٥ يناير كانوا يحملون أكياسا، بها قطع من
الخبز وساندويتشات «حلاوة»، ينظمون العمل فيما بينهم، بعضهم يصنع
ساندويتشات وآخرون يتولون توزيعها.. «الكل هنا يعمل كخلية نحل ولا وجود
لأى اختلافات»، هكذا يقول عمرو، مضيفا: «لم نسأل يوما أى شخص عن انتماءاته
السياسية أو تياراته الفكرية، فما الذى يهمنا من ذلك الآن، المهم أننا
جميعا مصريون ونسعى لهدف واحد».يتذكر عمرو يوم الأربعاء الماضى،
حين تعرضوا لهجوم من مجموعة بلطجية حاولوا تفريق شباب الثورة، قائلا: «كنا
خائفين على بعضنا وكأننا إخوة أو أصدقاء مقربون، رغم أننا لم نر بعضنا
البعض من قبل، ولكننا اليوم نسيج واحد فكيف لنا أن نمزقه من أجل خلافات لا
داعى لها». أما أحمد فيقول «لم أشعر بأن هناك تيارات فكرية مختلفة داخل
الميدان ولا يبدو على أى أحد هنا انتماءاته، حتى وإن كنا نعرف الإخوان من
أشكالهم فإننا لم نشعر أنهم مختلفون عنا هنا، بل نجلس جميعا فى دوائر
نقاشية لا تتطرق من قريب أو بعيد إلى أى انتماءات».بعض الشباب
المنتمين للإخوان كانوا يقفون وراء إحدى السماعات الموجودة فى الميدان،
يتحدثون سويا ويتناقشون إلى أن جاءهم بعض الشباب ممن يوزعون الطعام،
فانضموا إليهم وسألوهم إن كانوا يحتاجون مساعدة فى التوزيع، يقول محمد:
«البعض اتهم الإخوان بأنهم المسؤولون عن إثارة البلبلة وتضخيم المسائل،
ولكننى جئت هنا بعد أن وجدت الشباب يوم جمعة الغضب ينادون فى الشوارع: «يا
أهالينا ضموا علينا»، لم أكن أفكر فى الذهاب إلى التحرير أو الانضمام إلى
الاعتصامات، ولكننى شعرت بأن هذا واجب على كل فرد فينا».تعرف
«محمد» إلى عدد كبير من الشباب فى الأيام السابقة، البعض منهم أصبحوا
أصدقاءه، فهم يرون بعضهم بعضا أكثر من رؤيتهم لأهاليهم هذه الأيام، يأكلون
سويا ويتناقشون سويا، ويتقاسمون أماكن النوم، ونوبات الحراسة، يقول «خالد»
المنتمى للإخوان: «عندما ينادى أحد الشباب فى الميكروفونات طلبا لمتطوعين
لا يحدد انتماءاتهم أو يشترط أن يؤمنوا بأفكار بعينها، وعندما نذهب جميعا
نتقاسم المهام فيما بيننا، أنا لا أعرف شيئا عن قناعات الشاب، الذى يقف
بجوارى أو يوزع معى الطعام، ولكننى أعرف جيدا أنه مصرى الجنسية، وهذا
يكفى».«لست من شباب الفيس بوك ولا أنتمى إلى أى أحزاب سياسية
ولكننى مصرى الجنسية»، هكذا يرد سامح خليل، أحد الشباب المعتصمين فى
التحرير، قائلا: «لم أقتنع يوما بأى حزب سياسى لأنتمى إليه، كما أننى لست
من محبى الفيس بوك، ولكننى تحمست كثيرا لمبادرة شباب ٢٥ يناير، وقررت
الانضمام إليهم لأن مطالبنا واحدة، والظروف الصعبة التى نعيشها أيضا
واحدة، وعندما هجم علينا البلطجية يوم الأربعاء الماضى وأصبت فى رأسى هرول
مجموعة من الشباب نحوى وحملونى وقاموا بتضميد جرحى، ووالله إهتمامهم بى
كان أشبه باهتمام أمى بى، برغم أنهم لا يعرفوننى وتلك هى المرة الأولى
التى أشارك فى اعتصامات».«نرمين» فتاة تؤمن بالاشتراكية إيمانا
عميقا، جاءت إلى ميدان التحرير مع مجموعة من أصدقائها، فى البداية كانت كل
مجموعة تحدد لنفسها مكاناً بعينه، فكنا نعلم أين يجلس الوفديون، وأماكن
تمركز شباب الإخوان، وأيضا أين يلتقى معظم شباب الفيس بوك، ولكن الأمر لم
يتعد يوما واحدا – هكذا تقول نرمين، وتصف الحال بعدها قائلة «اليوم من
المستحيل على أحد أن يحدد تمركز مجموعة بعينها، فكلنا الآن نجلس فى مكان
واحد، لا يمكن التمييز بيننا، نساعد بعضنا البعض فى تنظيف المكان وتنظيمه،
ولا نكترث أبدا لأى اختلافات فكرية».تتذكر «نرمين» جيدا أنها منذ
يومين سمعت شيخا يتحدث فى مسائل دينية عبر الميكروفون، فأبدت اعتراضها
قائلة: «يمكن الحديث فى هذه الأمور الدينية أثناء الصلاة وليس الآن،
فاعترضها أحد الأشخاص المنتمين للإخوان قائلا: «ولم لا هل سيضرك شىء»،
فغضب منه مجموعة من أصدقائه ونهروه قائلين: «هى محقة وعليك ألا تجادلها»،
ولكنها عادت لتهدئهم وتطلب منهم عدم اعتراض كلامه قائلة «دعونا نختلف فى
الرأى ونتناقش فهذا الأسلوب كنا نفتقده».كانت الأمطار تهطل قليلا
وتتوقف قليلا، وفى تلك الأحيان يرفع الجميع أياديهم إلى السماء، مرددين فى
صوت واحد «يا رب يا رب»، تعزف بعض الفرق الموسيقية الشبابية أغانى حماسية
فيصفق الشباب، يأتى أحد الشيوخ ليعلن عن وقت أذان العصر، فيصمت الجميع
ويعودوا إلى حديثهم بعد الصلاة.نادية أحمد، من أشد المؤمنين
بالليبرالية، تجلس مع مجموعة من الشباب والفتيات فى حلقة نقاشية، «الحديث
هنا لا يتطرق إلى انتماءات حزبية أو إلى اختلافات فكرية، فإذا تحدث أحدنا
استمع إليه الجميع، وهذا الأمر أحد مكاسب الثورة، فقد سئمنا من الاختلافات
التى كنا نقرأ عنها فى الجرائد أو نشاهدها فى التليفزيون، ولم تفدنا فى أى
شىء».«جورج» كان أحد المشاركين فى الحلقة النقاشية، جلس يتحدث عن
بعض أوجه القصور فى تنظيم عملية التفتيش فى أحد المداخل، كان يستمع إليه
الجميع بإنصات شديد، حدد لبعض الأفراد مهام أخرى، وطلب من آخرين التركيز
على توزيع الأطعمة على السيدات اللاتى يصحبن أطفالهن، وبعد أن أنهى حديثه،
طلب من صديقه «خالد» أن يكمل.إنها دموع غضب أو فرح، صيحات تأييد
وأخرى للتنديد، حالة أمل ويأس، فخر وعجز، كلها ذكريات حفرها المصريون
بمختلف انتماءاتهم على كل شبر فى أرض ميدان التحرير، ليبقى خير شاهد على
تاريخهم.