موضوع: مدينة فاس التاريخية المغربية الثلاثاء فبراير 22, 2011 2:59 am
يرجع تاريخ تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789م، حيث بنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين. وفي سنة 808م أسس إدريس الثاني مدينة جديدة على الضفة اليسرى لوادي فاس بحي القيروانيين نسبة إلى أصل ساكنته المنحدرة من القيروان بإفريقية.
وكانت عدوة الأندلسيين محاطة بالأسوار، تخترقها ستة أبواب ولها مسجد جامع. وفي المدينة القديمة المقابلة قام إدريس الثاني كذلك ببناء سور ومسجد بالإضافة إلى قصر وسوق. وقد عرفت فاس في هذا العهد انتعاشا اقتصاديا وعمرانيا منقطع النظير لتواجدها في منطقة سهل سايس الخصبة, ولتوفرها على موارد متعددة ومتنوعة ضرورية للبناء كمادتي الخشب والأحجار المتوفرة بغابات ومقالع الأطلس المتوسط القريب، بالإضافة إلى وفرة الملح والطين المستعمل في صناعة الخزف.
تحظى فاس بموقع استراتيجي مهم باعتبارها ملتقى للطرق التجارية بين الشرق والغرب خاصة تلك التي كانت تربط سجلماسة بشمال المغرب. كما شكلت ساكنة المدينة خليطا من أمازيغ الأطلس المتوسط والقيروانيين والأندلسيين واليهود الذين ساهموا في تطورها العمراني والاقتصادي والثقافي. في سنة 857 م قامت فاطمة الفهرية بتشييد جامع القرويين بالضفة اليسرى لوادي فاس الذي تم توسيعه فيما بعد من طرف يوسف بن تاشفين المرابطي (1061-1060م)، بعد استيلائه على المدينة سنة 1069م، كما عمل على توحيد الضفتين داخل سور واحد وساهم في إنعاش الحياة الاقتصادية ببناء الفنادق والحمامات والمطاحن.
وبعد حصار دام تسعة أشهر، استولى الموحدون على المدينة سنة 1143م. تحت حكم الدولة المرينية، عرفت مدينة فاس عصرها الذهبي إذ قام أبو يوسف يعقوب (1286-1258م) ببناء فاس الجديد في سنة 1276م حيث حصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق.
وخلال القرن السابع عشر عرفت فاس بناء حي خاص باليهود يعتبر أول ملاح بالمغرب. وبعد فترة طويلة من التدهور والتراجع بسبب القلاقل التي عرفتها البلاد، احتل السعديون المدينة سنة 1554م. وبالرغم من انتقال عاصمة الحكم إلى مراكش خص السعديون مدينة فاس ببعض المنجزات الضخمة كتشييدهم لأروقة جامع القرويين وعدد من القصور وترميم أسوار المدينة وبناء برجين كبيرين في الجهتين الشمالية والجنوبية لمدينة فاس.
ونتيجة للاضطرابات التي عرفتها الدولة السعدية انقسمت فاس إلى مدينتين: فاس الجديد وفاس البالي. وفي سنة 1667م، تمكن العلويون من الاستيلاء عليها. وبصفة عامة عرفت هذه الحاضرة تحت حكم العلويين إنجاز عدة معالم نذكر منها على الخصوص فندق النجارين ومدرسة الشراطين وقصبة الشراردة الواقعة خارج فاس الجديد وقصر البطحاء.
مسجد القرويين يعد هذا المسجد من أشهر المساجد بالمغرب، بني سنة 857م من طرف فاطمة الفهرية، وقد أضيفت إليه الصومعة من طرف الأمراء الزناتيين سنة 956م. يعود معظم تصميم المسجد إلى الفترة المرابطية (القرن 12م) التي شهدت أيضا بناء القباب الجبسية المنتشرة بالبلاط المحوري لقاعة الصلاة (وضع المنبر). في حين شهد المسجد عدة إضافات في الفترات الموالية خاصة خزانة الجامع وبيت الوضوء.
مسجد الأندلسيين
بني هذا المسجد سنة 859-860م من طرف مريم أخت فاطمة الفهرية لكن تصميمه الحالي يعود في مجمله إلى فترة حكم الناصر الموحدي. وقد عرف إضافة نافورة ماء وخزانة في العهد المريني. خلال الفترة العلوية قام السلطان المولى إسماعيل بعدة إصلاحات
]أسوار فاس البالي
]تعود الأسوار المحيطة بفاس البالي إلى فترة حكم الناصر الموحدي (1199-1213م). لكن الأبواب التي تخترقها تحمل أغلبها أسماء تعود إلى فترة حكم الأدارسة والزناتيين (باب الفتوح، باب الكنيسة، باب الحمرة، باب الجديد)
المسجد الكبير بفاس الجديد
شيد سنة 1276 في عهد أبي يوسف يعقوب. وقد شهد عدة إصلاحات على عهد أبو فارس المريني سنة 1395م. أما خزانة المسجد فقد أحدثت من طرف السلطان العلوي المولى راشد سنة 1668م.
المدرسة البوعنانية
تعد هذه المدرسة التي أسسها السلطان أبو عنان المريني ما بين 1350-1355، من أشهر مدارس فاس والمغرب فبالإضافة إلى دورها كمؤسسة لتعليم وإقامة الطلبة، كانت تقام فيها صلاة الجمعة. وهي تتوفر على صومعة جميلة البناء والزخرفة إضافة إلى ساعة مائية (مكانة) تقنية تشغيلها مجهولة.
البرج الشمالي
بني هذا الحصن الذي يتواجد شمال فاس البالي سنة 1582م من طرف السعديين. ويستمد تصميمه من القلاع البرتغالية التي تعود إلى القرن 16م. وهو يحتضن حاليا متحف الأسلحة.
فندق وسقاية النجارين
تعود هاتان المعلمتان اللتان تطلان على ساحة النجارين إلى القرن 18م. وتشهد هندستهما وزخارفهما على الأسلوب الجديد الذي ميز الهندسة المعمارية الفاسية مع بداية الفترة العلوية. في سنة 1997م احتضن فندق النجارين متحف فنون الخشب.
دار البطحاء
بني هذا القصر الذي هو عبارة عن إقامة صيفية معدة للاستقبالات الملكية، من طرف السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1897 وقد تم تحويله سنة 1915 إلى متحف جهوي للفنون والعادات
فندق من فنادق مدينة فاس
منظر المسجد من الأعلى
المسجد من الداخل
زخرفة المسجد المتنوعة
أبواب المسجد المزخرفة
أرضية الجامعة الملحقة بالمسجد
الزيتون والحوامض والزيت التي تمتاز بها تربة فاس
نوع من أنواع السقايات المزخرفة
نوع من أنواع السقايات المزخرفة
أحد ابواب مدينة فاس السبع
أحد ابواب مدينة فاس السبع
داخل الأسوار بها أربع آلاف نافورة، كذلك بها العديد من المساجد
منظر مدينة فاس من الأعلى.
منظر مدينة فاس من الأعلى ليلا
تعتبر مدينة فاس من أهم العواصم الثقافية على صعيد بلدان العالم العربي والاسلامي وعلى الصعيد العالمي أيضا، وذلك بالنظر إلى مخزونها الثقافي والتراث العريض الذي تتوفر عليه، هذا التراث الذي تراكم طيلة المراحل والقرون التي مرت منها المدينة منذ أن تم تأسيسها مع مطلع القرن التاسع الميلادي، والذي يعتبر بحق مرآة تعكس ماضيها وحاضرها ومستقبلها• وقد عملت الدول والأسر التي تعاقبت على الحكم بالمغرب على إغناء مدينة فاس بالمنشآت والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتي أصبحت الآن عماد النشاط الثقافي والسياحي للمدينة، مما مكنها من اكتساب مكانة مهمة على صعيد المنتوج السياحي الوطني وشهرة دولية متميزة على غرار باقي العواصم الثقافية ـ السياحية العالمية• وهذا الإرث الثقافي المتنوع المتراكم بها طيلة اثني عشر قرنا من الزمن، خلق تشكيلا حضاريا متنوعا سجل حضوره في جميع الميادين، مما مكن مدينة فاس من التوفر على دعامة كبرى لولوج عالم السياحة الثقافية على المستوى العالمي، وأن تصبح حلقة مهمة ضمن الجولات السياحية للمدن العتيقة على الصعيد الوطني• 1 ـ أهمية السياحة الثقافية بمدينة فاس نتيجة لما تزخر به مدينة فاس، وما تتوفرعليه من امكانيات ثقافية ـ سياحية مهمة، فقد تم تصنيفها من طرف منظمة اليونسكو كتراث انساني عالمي سنة 1980، وذلك كأول موقع ثقافي مغربي• وقد نتج عن هذا الاعلان بداية الشروع في إنقاذ المدينة العتيقة والذي بدأت تظهر آثاره في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية، كما ساعد هذا التصنيف على إعطاء مدينة فاس مخططا دائما للإنقاذ وإعادة الاعتبار، وعناصر دعم إضافية على الواجهة السياحية، وأصبحت قبلة للزوار من كل أنحاء العالم• ولاشك أن هذا الأفق الثقافي ـ السياحي الجديد قد أثر إيجابيا في تطور العديد من المجالات والديناميات السوسيو ـ اقتصادية، كما منح للمدينة إشعاعا قويا مكنها من أن تصبح أحد الأقطاب السياحية المهمة ببلادنا• وبما أن التراث الثقافي لمدينة فاس قد أصبح تراثا إنسانيا عالميا فإن هذا قد سمح لها بالاستفادة من آفاق سياحية إضافية والحصول على الدعم والتمويل من المؤسسات والمنظمات الدولية المختصة لترميم وتأهيل بنياتها الثقافية• والحقيقة أن هذا الدور الذي يتطلع أن تلعبه مدينة فاس هو امتداد للأدوار التي لعبتها المدنية خلال الحقب والفقرات السابقة، وينتظر أن يشكل لبنة جديدة لإشعاع حضاري مقبل• والكم الهائل من المكونات التراثية والتعابير الثقافية يمكن أن يشكل قاعدة لقيام نهضة سياحية قوية بالعاصمة العلمية، نهضة تركز على احترام هذه القيم وتطوير هذه الامكانيات وتوظيفها بشكل إيجابي في إطار مشروع ثقافي ـ سياحي متكامل ومندمج يهدف إلى حماية هذا التراث واستغلال الجوانب الإيجابية فيه وخلق منافع وقيم إضافية تفيد المدينة والساكنة• ولا يخفى على أحد أن السياحة الثقافية تشكل منتوجا سياحيا رئيسيا في السياحة العالمية وعلى مستوى السياحة الوطنية، حيث أن هذا المنتوج مازال يحتل مكانة محورية في الصناعة السياحية وينتظر أن يلعب نفس الأدوار في الآماد المقبلة• ورغم المنافسة الشديدة التي أخذ يفرضها تطور المنتوجات السياحية الأخرى كالسياحة الشاطئية والرياضية والطبيعية وغيرها من أنواع السياحة، فإن هذا لم يؤثر بتاتا على المكانة المحورية التي تحتلها السياحة الثقافية في الممارسة السياحية، كما أن نمو السياحة العالمية وتوجه الدول نحو الانخراط في نظام العولمة سوف يرافقه تزايد الطلب على المنتوج السياحي الثقافي والتراث لدى مختلف شعوب العالم• ونتيجة للأهمية التي أصبحت تحتلها قضايا الثقافة فقد شهدت الساحة العالمية تنظيم مجموعة من التظاهرات الدولية من بينها المؤتمر العالمي للثقافة في مكسيكو (1982)، العشرية العالمية للتنمية الثقافية (1988 ـ 1997)، مؤتمر استوكهولم حول الثقافة (1998)، الاعلان العالمي حول التنوع الثقافي (اليونسكو 2001)، المؤتمر العالمي حول التنمية المستديمة (جوهنسبورغ 2002)• وكانت فلسفة هذه المؤتمرات هي إظهار التنوع الثقافي كعنصر للتقارب ولانفتاح الشعوب، وكتراث جماعي للإنسانية، ثم إبراز أبعاد الثقافة في كل صيرورة للتنمية المستديمة• فالالتزام الدولي تجاه هذه العناصر يمكن أن يشكل استراتيجية قارة ومبنية على تضامن كل الفاعلين في المجال الثقافي وتوظيفه في دعم أسس النشاط السياحي ليكون هذا الأخير امتدادا طبيعيا لقطاع الثقافة• من هذا المنطلق تبين أن كلا من المجالين الثقافي والسياحي هما مجالان متداخلان يصعب في حالة مدينة فاس، والمدن التي تشبهها، التمييز بينهما• والانطلاقة الحقيقية التي شهدها القطاع السياحي بالمدينة في عقدي الستينات والسبعينات اعتمدت اعتمادا كبيرا، على حجم البنيات الثقافية والتاريخية التي تتوفر عليها العاصمة الادريسية، والتي توظف حاليا كمنتوج سياحي أساسي بالنسبة لرواد المدينة• كما أن هذا الوسط الثقافي والحضاري لايعكس فقط الحياة اليومية المعاصرة للسكان، بل إنه يمثل الأشكال الحضرية السابقة لمدينة فاس في كل جوانبها التقليدية والأصيلة• مما يفرض علينا إعارة اهتمام خاص لهذه البنيات والمكونات التي ترمز إلى شخصيتنا وحضارتنا، وأن نقدم عبرها للسائح الأجنبي تمظهرا واقعيا لقيمنا وأصالتنا، وللمحافظة على هذا الرصيد الثقافي ـ السياحي فإن ذلك يتطلب امكانيات مادية ضخمة لإنقاذه وتوظيفه• وفي الطرف المقابل نلاحظ أن تطور أهمية ودور هذه البنيات والمؤسسات الثقافية يتوقف إلى حد بعيد على حجم المداخيل التي تنتج عن زيارات السياح ومن الاستفادة من الموارد المالية للسير قدما في عمليات الترميم والتأهيل، وإعادة إحياء التراث المادي للمدينة وتشجيع الانخراط في مسلسل إعادة الاعتبار• فالقطاع السياحي تطور بشكل كبير اعتمادا على الوظيفة التسويقية للمنتوج الثقافي للمدينة، واستطاعت مدينة فاس استقطاب زائرة سياحية مهمة اعتمادا على هذا المنتوج• لكن هناك جملة من الأسئلة التي تطرح نفسها مثل: ـ هل استفادت البنيات الثقافية المتواجدة بمدينة فاس من حجم هذا التطور والنمو؟ ـ هل خضعت المرافق التي تتوفر عليها المدينة لعمليات الترميم والإنقاذ؟ ـ إلى أي حد يمكن لاستراتيجية الإنقاذ أن تشكل رافدا للإقلاع السياحي؟ 2 ـ استراتيجية إنقاذ التراث الثقافي بمدينة فاس إن الوضعية التي يوجد عليها بعض المؤسسات الثقافية والمعمارية (المساجد، المدارس العتيقة، الفنادق القديمة، الأضرحة، المتاحف، الأبراج، الأبواب والأسوار•••الخ) تدعو للأسى والحسرة، حيث أنها لاتحظى بالعناية اللازمة، ولم تخضع لعمليات الترميم التي تستوجبها حالتها الراهنة، إذ أن عمليات الاصلاح باستطاعتها أن تحسن من شكلها المعماري، كما أنها من ناحية أخرى تطيل من المدة الزمنية التي تجسدها هذه الآثار• لكن الواقع الذي توجد عليه البنيات الثقافية بمدينة فاس يبين أنها تعيش حالة خطيرة من التدهور والديناميات السلبية، والتي يمكن أن تشكل في المستقبل أيضا تهديدا خطيرا لتراثها الثقافي، ومن ثم لحجم الإقبال السياحي على المدينة• حيث أن العديد من المكونات الثقافية يطالها الإهمال، إضافة إلى ضعف عمليات التدخل السريع والاستعجالي لإنقاذها، كما أن اتساع حجم المدينة وتعدد الأطراف المتدخلة يأتي بنتائج عكسية، إضافة إلى مساهمة ممارسات السكان أنفسهم في تعزيز آليات التدهور والتراجع• حيث أن مجموعة من الأسر الفاسية العريقة قد غادرت الدور التي كانت تقطنها وتركتها عرضة للتدهور والتدمير البطيء، كما أن الساكنة التي تقطن حاليا هذه الدور تفتقر ليس فقط إلى الامكانيات المادية للقيام بعمليات الترميم والاصلاح بل إلى الأسلوب المعيشي والتوظيف السليم لمرافق البيت وتقاليد الاعتناء الخاصة بالفئات الميسورة• كا تغيرت أيضا طبيعة المسلكيات والممارسات في الفضاءات الخارجية، سواء في العلاقة مع المرافق العمومية للمدينة والمساهمة في المحافظة عليها، أو توفير شروط النظافة والسلامة الصحية في المسالك العمومية• وقد ساهمت هذه الأوضاع مجتمعة في تراجع التراث المعماري للمدينة العتيقة، هذا دون أن ننسى تحول البنية الوظيفية للمدينة، حيث أصبحت مجموعة من أحيائها السكنية أحياء نشيطة اقتصاديا وصناعيا، مما نتج عنه ظهور تحولات عميقة في المورفولوجية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة والتي لم تكن مهيأة لاستقبال هذا الحجم من التحولات• وأصبحت مدينة فاس في بوثقة هذه التفاعلات تحت ضغط الكثافة السكانية، وتزايد ظاهرة الهجرة القروية، وتدهور الأوساط العمرانية، وتنامي الأنشطة الهامشية والقطاع غير المهيكل، وهذه العناصر السلبية زادت من حدة التدهور والتراجع• وقبل الشروع في عملية الإنقاذ يتوجب طرح عدة تساؤلات تأسيسية تتمثل في: ـ كيفية ربط استراتيجية الانقاذ بسياسة التخطيط الحضري؟ ـ كيف يمكن دمج سياسة إعادة الاعتبار للمآثر والمباني في ظل الامكانيات المحدودة؟ ـ كيف يمكن الربط بين الأهداف الاقتصادية (خصوصا في مجال الاستثمار) والأهداف الاجتماعية (خلق مناصب الشغل، محاربة الفقر) في ظل بيئة أخذت تفتقد إلى التوازن يوما بعد يوم؟ ـ لمن تعطى الأولوية في عملية الانقاذ؟ لما هو اجتماعي؟ لخلق الثروات؟ أو لتحسين شروط العيش؟ هكذا يظهر جليا أن برامج إعادة الاعتبار يجب أن تنطلق من قرارات سياسية واختيارات ثقافية وأن تتبنى على تعددية في الأهداف، وهذا حتما يتطلب دعما في حجم الاعتمادات المالية التي يتطلبها تحقيق هذه الغايات، والتي تبقى في مجملها دائما محدودة، مما يفرض وضع ترتيب كرونولوجي وأجندة لطبيعة ونوعية الأهداف• فمن الأكيد أن الثقافة والتراث قد سجلا العديد من المكتسبات، لكنهما مجالين هشين، مما يحتم مسبقا تحديد القطاعات التي يمكن أن تحقق أعلى نسبة من الآثار الاستدراجية• وفي إطار الجهود التي تبذل لإنعاش التراث في المراكز الحضرية التاريخية، يتوجب على الباحثين وضع مقاربة جديدة لحل إشكالية التراث الثقافي (المجال ـ والموقع) وجعلها في متناول عمليات التدخل للمهتمين بهذا المجال، كما أن هذه الإشكالية الكبرى يمكن أن تتضمن محاور صغرى أو فرعية مثل: ـ دور السياسة الثقافية في التنمية المستديمة ـ إنقاذ المراكز والمجالات التاريخية ـ الإطار المؤسساتي ودوره في معالجة قضايا التراث الثقافي ـ التراث المادي والتراث الشفوي ودورهما في التنمية وقد جاء إنشاء مجموعة من المؤسسات العمومية والوكالات مثل "الصندوق الوطني للعمل الثقافي"، وكالة التخفيض من الكثافة وانقاذ مدينة فاس"، "الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق"، "الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس"، "المركز الدولي لإنعاش الصناعة التقليدية"، وأخيرا وليس آخر "وكالة التهيئة والعمران"، كمحاولة من الجهات الرسمية لخلق اطار اداري ومؤسساتي يشرف على إنقاذ مدينة فاس العتيقة، وترميم المآثر والمؤسسات الثقافية والاجتماعية المتواجدة بها وتحسين المرافق والبنيات التحتية، والعمل على تنسيق الجهود لإحياء الأدوار الطلائعية التي لعبتها المدينة• وقد استطاعت هذه المؤسسات، بتنسيق مع مجموعة من الفاعلين في مجال التهيئة والانقاذ، القيام بمجهودات كبيرة في عمليات الترميم وإعادة التأهيل بالنسبة لمجموعة من المنشآت والبنايات• كما تم وضع مخطط لإعادة الترميم وإعادة التأهيل بالنسبة لمجموعة من المنشآت والبنايات• كما تم وضع مخطط لإعادة الاعتبار ساهمت فيه هذه المؤسسات بالاضافة الى الدولة والمجموعة الحضرية لفاس والبنك العالمي، وتكمن فلسفة هذا المخطط في فك العزلة عن المدينة وجعلها محورا للحركية الاقتصادية، ومحاربة تدهور الاطار المبني، ودعم الآليات المؤسساتية وتشجيع الاستثمار في تطوير العرض السياحي - الثقافي• لكن هذا المخطط ورغم الايجابات التي يقدمها، فإنه يركز على الجوانب التقنية فقط ولم يرق بعد لأن يؤسس لسياسة محددة في مجال تدبير الانقاذ، سياسة تتماشى مع "تصميم التهيئة الخاص بمدينة فاس العتيقة" (PAMF) مما يمكن ان يسمح بتواجد تراكم في عمليات التدخل والتداخل، وأن يخلق انسجاما في مستوى الرؤى والتطبيق، ويجعل هذا السياسة استجابة طبيعية لمختلف الحاجيات التي تعاني منها المدينة العتيقة• وتدخل سياسة إعادة الاعتبار لمدينة فاس العتيقة في اطار مخطط وطني يتكون من أربعة مبادئ اساسية: - الهندسة المعمارية - التهيئة الحضرية - حماية التراث - التنمية المحلية حيث أضحت اشكالية انقاذ التراث في المدن التاريخية العتيقة آلية متقدمة لاستغلال البعد الاقتصادي والاجتماعي للمكونات الثقافية، اضافة الى تطوير مفهوم التراث من الاطار المادي الضيق ليشمل مفاهيم أخرى ترتبط بمعرفة العادات المحلية، وتقاليد الحياة المعيشية•• الخ، ولا تقف عملية الإنقاذ عند حدود التراث المادي بل يجب التفكير ايضا في تطوير آليات الإنعاش بالنسبة للتراث الشفوي والتعبيري ايضا كفنون الصناعة التقليدية والموسيقى الاندلسية والملحون وفنون الطبخ والطب التقليدي ومختلف التعابير الفنية وفن الحلقة، باعتبار ان كل هذه المكونات تشكل بنية فكرية وثقافية واحدة مندمجة ومتجانسة• اضافة الى بلورة مشاريع تتجاوز التدخلات الدقيقة لتضع استراتيجيات مركبة وبرامج تدبير متعددة التخصصات وموجهة بدرجة اساسية لتحسين مستوى عيش السكان ومعالجة ازمات الفقر والحد من ظاهرة الهجرة القروية والكثافة السكانية والاقصاء الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق، حيث ان هذه العناصر المثبطة يمكن ان تشكل عنصرا مدمرا للتراث الثقافي، وهي للتذكير ليست نتاج تراجع ثقافي - اقتصادي محلي بل انها نتاج ازمات اقتصادية واجتماعية خارجة عن المجالات العمرانية الحضرية، وجاءت مصاحبة لموجات الهجرة القروية• فمفهوم التراث الثقافي لا يتحدد الا عبر تثمين وتحسين الواقع الاجتماعي للسكان وتفعيل مجموع البنية السوسيو - اقتصادية دون المس بالتوازنات العمرانية التقليدية للمدينة العتيقة،فهو قيمة مشتركة بين الجميع ويعبر عن هوية ووعي الجماعة بمكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاضافة الى كونه "مورد اقتصادي" قادرا على خلق فوائد وأنشطة ايجابية• وهذا التحليل يقودنا بالضرورة الى اعتبار الثقافة والتراث عناصر فاعلة في التنمية المحلية المستديمة، فروابط المبادلة التي تجمع بين ماهو اقتصادي واجتماعي و ثقافي وايكولوجي يمكن ان تتمظهر بشكل جلي• فاذا كانت المراكز الثقافية والتراثية على شاكلة مدينة فاس العتيقة قد تركت لديناميات التطور بمعزل عن اي تدخل ذي استراتيجية واضحة، فإنه يلاحظ حاليا ان هذه الأخيرة بدأت تنال اهتماما خاص واصبحت موضع سياسات ومقاربات تدبيرية جديدة من اطراف وطنية ودولية لها إرادة متقدمة وإدراك خاص لقيمة التراث وأهميته، واصبحنا نلاحظ تواجد ديناميات وخطط عمل جديدة• كما يلاحظ قيام جهات خاصة وبعض الشخصيات والعائلات بترميم مجموعة من البنايات والمؤسسات العمرانية داخل المجال الحضري لمدينة فاس العتيقة، ولعل الجدول التالي يبين بوضوح الانخراط الواسع في عمليات الترميم والانقاذ• فمن خلال هذه الامثلة يتبين ان عمليات الترميم قد تمت على يد بعض الاطراف التي لها اهتمام خاصة بمدينة فاس ووعي كبير بأهمية رصيدها الحضاري، وكانت مساهمتها نتيجة رؤى وبرامج تتوخى إعادة الاعتبار لهذه المآثر• ورغم أهمية هذه التجارب مع ما تحمله من ايجابيات فانها تبقى قاصرة عن تبني استراتيجية مسؤولة، اذ ان هذا يتطلب ارادة سياسية قوية واعتمادات مالية كافية وقارة وتظافر جهود اطراف مركزية وجهوية، وانخراط جميع الفاعلين الذين لهم صلة بعملية الانقاذ• ومع ذلك يمكن اعتبار هذه المساهمات توجها ايجابيا في التعاطي مع قضايا التراث من طرف بعض المؤسسات والشخصيات والاسر المشهورة على مستوى المدينة، كما يدخل البعض منها في اطار رعاية الفنون والآداب، والبعض الاخر في اطار الغيرة الاخلاقية على العاصمة العلمية للمملكة، ولعل توفر مدينة فاس على صروخ ثقافية مشهورة سيسمح بتطور الاهتمام بها ويشجع اشخاص ومؤسسات أخرى على الانخراط في هذه العملية، لذا فان هذا البعد الجديد لعملية الانقاذ يحتم ايجاد قنوات رسمية لتأطيرها ووضع نصوص قانونية وتشريعية تسمح بالمضي في تشجيع هذه العملية• وللنجاح اكثر في رعاية التراث الثقافي يستحسن ان تمتد هذه العملية، بالاضافة الي المباني والمنشآت المادية، الى اشكال التراث الأخرى، كالمخطوطات والنقود والمسكوكات القديمة والحلي التقليدية واللباس، والتحف الاثرية والتي تعكس بشكل جلي حجم الابداع الفني والعلمي ومختلف جوانب الحياة التي رسمها الانسان المغربي، وذلك بالحد من الاستنزاف الذي تتعرض له وبيعها دون ضوابط وشروط إدارية، مما يفرض وضع جرد لها واعتماد معايير تصنيفية مضبوطة وتنظيم معارض للتحف الاثرية بشكل دوري، والعمل على تشجيع وتطوير المتاحف الخاصة والتي اصبحت ظاهرة جديدة• فالاستثمار الناجح في عملية انقاذ التراث هو الذي لا يقتصر فقط على موارد الدولة أو الجهة أو الجماعة بل يجب ان ينفتح على الرأسمال الخاص سواء كان وطنيا او اجنبيا• فالمرحلة الراهنة تتميز بتطور المبادرات الحرة وتراجع الادوار العمومية، اضافة الى رغبة الدولة في اشراك الفاعلين الخواص في وضع التصورات ومشاريع التدخل، فمن شأن تفعيل المبادرة الفردية ان يؤدي الى نتائج افضل ويخلق التسهيلات الضرورية ويسمح بالاستثمار في بعض المجالات التي تحسب على القطاع العام، كما يجب على هذه المساهمات ان تكون دائمة وتطبعها الاستمرارية، وان تجعل من تدبير التراث جزءا اساسيا من اهداف اللامركزية، اضافة الى تبدل الخبرات وتقييم التجارب المنجزة مع اطراف خارجية، والتفكير في وضع مكانزمات جديدة لتدبير جيد للمراكز الثقافية - السياحية التاريخية• كما يبقى من مسؤولية البلديات والجماعات المحلية الحضرية وضع سياسة للحفاظ وانعاش التراث باعتبارها مكونا من مكونات التنمية الحضرية، وان تكون هذه السياسة متوفرة على نظرة شمولية للمدينة العتيقة• فاذا كانت الدولة قد تحملت لقسط من الزمن كل المبادرات التي تهدف الى حماية التراث، فانه قد آن الاوان لأن تساهم الجماعات والفاعلين الاخرين في هذا المجال، كما ان اي عملية انقاذ مستديمة لن تنجح الا اذا تم الدمج بين المدينة التاريخية وباقي اجزاءا لمدينة، وذلك في اطار استراتيجية حضرية حقيقية تعنى بها فعاليات أخرى من عالم انقاذ وإحياء التراث والمحافظة عليه كجمعيات الباحثين الاركيولوجيين ومؤرخي الفنون والمهندسين والمرممين والمعماريين، والمؤسسات الجامعية ومعاهد البحث العلمي، بالاضافة الى الادارات العمومية التقنية التي تهتم بمجال التعمير كالمفتشية الجهوية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني، المديرية الجهوية للاسكان والتعمير، القسم التقني والتعمير بالولاية، الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس، وكالة التخفيض من الكثافة وانقاذ فاس، والوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، ومؤسسة التهيئة والعمران•• الخ•كما أن عملية الترميم والانقاذ تتطلب بالاضافة الى العمليات الميدانية المباشرة، مستوى آخر من البحث العلمي الاكاديمي والذي يمكن ان يؤسس لمقاربة عالية على مستوى معالجة قضايا التراث والمرورث الثقافي لمدينة فاس العتيقة،و هذه الفكرة يمكن اعتبارها دعوة لإنشاء معهد خاص بالبحث التاريخي والاركيولوجي لمدينةفاس والذي يمكن ان يستقطب باحثين متخصصين في التقنيات الحديثة للمحافظة على التراث، ورصد اثار التحولات الاقتصادية والاجتماعية على المعالم التاريخية في المجال العتيق، بفاس، او خلق جهاز يشتغل في اطار هذه الرؤية قادر على ضمان تنسيق فعال بين مختلف ادارات الدولة التي تعنى بهذه القضية• ولإنجاح هذه العملية فإنه يجب اولا وضع خطة منهجية طويلة المدى وايجاد حل للجانب القانوني والمالي، وتحديد الهيئة التي سوف تتكلف بتغطية وتمويل مختلف عمليات الاصلاح والترميم، ووضع دليل يحدد الابعاد الاجتماعية والاقتصادية لاستراتيجية الانقاذ وإجراء جرد كامل لكل الاماكن والبنايات التي تتطلب عمليات التدخل، وتشجيع استعمال المواد التقليدية في عمليات البناء والتي تتماشى مع النمط المعماري التقليدي للمدينة العتيقة• ولعل تبني قاعدة التمويل الذاتي لهذه المآثر، والتي نجحت في العديد من الحالات، من شأنه ان يوفر قسطا مهما من المتطلبات المالية، حيث يتوجب تخصيص قسم من إيرادات ومداخيل هذه المآثر للقيام بعمليات الاصلاح، على أن تطبع هذه العملية الدقة والاستمرارية، هذا دون أن ننسى الدعم الاضافي الذي يمكن ان تقدمه مجموعة من الجهات الوطنية والدولية• كما يجب إشراك الساكنة المحلية في عملية الانقاذ وذلك من خلال تحسيس الجميع بأهمية حماية التراث المعماري للمدينة العتيقة وحماية المجال الثقافي بكل مكوناته الاجتماعية والحضارية، واعتبار هذه الساكنة موردا وليس عائقا لعملية الانقاذ، إضافة الى وضع صندوق خاص لتشجيع السكان على الاستثمار في ترميم الدور والارياض• وللسير قدما في إنجاح هذه الخطوة يجب اعتماد مقاربة جديدة ومشجعة للإبقاء على الفئات الميسورة داخل المدينة العتيقة وذلك من خلال تجهيز المدينة بالبنيات التحتية الضرورية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية لتشجيع هذه الفئات على الاستقرار والحفاظ على الوظيفة السكنية لأحيائها والاعتناء بالفضاءات العمومية• هكذا يتضح من خلال ماسبق ان معالجة اشكالية والتنمية في المراكز الثقافية - التاريخية على شاكلة مدينة فاس يجب ان تكون سيرورة ذات نفس طويل وإشعاع عريض على مستويي المجال والزمن، وتتطلب تبني استراتيجية شمولية ودائمة تستشرف استثمار الموارد المتاحة وتجاوز سياسة التدخلات القطاعية، واعتماد سياسة وطنية ترتكز على مفاهيم ومعايير المواثيق والاتفاقيات الدولية حول قضايا التراث• وعلى المستوى المحلي يتوجب وضع آليات تدبير تقنية خاصة ودعم دور البلديات في اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن قضايا التراث، كما يجب ربطها بالاستراتيجية العمرانية الحضرية وآليات التخطيط في هذا المجال وبإطار التسيير اللامركزي في عمليات الانقاذ، كما أن هذه الخطة تتطلب عملا دؤوبا في مجال تكوين الاطر العاملة والمسؤولة، وتعددا في طبيعة الفاعلين من أطراف رسمية، وقطاع خاص ومنظمات غير حكومية وممثلي السكان ومنظمات دولية•• الخ• وبما أن الحاجيات المادية التي تتطلبها عمليات الترميم والاصلاح تبقى مرتفعة، تعجز السلطات العمومية لوحدها عن توفيرها، فإن هناك عدة طرق يمكن اللجوء إليها لتسهيل عمليات التمويل، وتبقى التسهيلات والاعفاءات الضريبية، وعمليات الدعم والتحفيز من أهم الوسائل المشجعة للاستثمار في مجال إنقاذ التراث. 3- الوظيفة السياحية لاستراتيجية الانقاذ
ان الفضاء الثقافي لمدينة فاس العتيقة قد أكسب المدينة برمتها إشعاعا عالميا كان السبب وراء الاقبال السياحي المتزايد عليها، وقد جاء تصنيف اليونسكو لها كتراث إنساني عالمي ليضيف الى المدينة دفعة جديدة في مجال السياحة الثقافية على المستوى العالمي، إضافة الى اختيارها سنة 1993 لاحتضان تأسيس "منظمة مدن التراث العالمي" وهذا يفرض علينا مضاعفة الجهود لرد الاعتبار للرصيد الثقافي الذي تتوفر عليه المدينة العتيقة وتأهيله بشكل أفضل للاستجابة لأنواع الطلب السياحي - الثقافي المتزايد عليها، وإعطاء الاهمية لموقع المدينة العتيقة في خطة تأهيل المنتوج الثقافي، وفي مخطط التنمية الجهوية للسياحة (P.D.R.T)، وتطوير موقع فاس في السياحة الدولية كقطب من أقطاب السياحة الثقافية العالمية على غرار بعض المدن المشهورة كباريس واستمبول وغرناطة والبندقية•• الخ• كما أن المقاربة المعرفية التي تطبق تجاه الموروث الثقافي لمدينة فاس تبقى محافظة وتقليدية ولاتتبنى التحولات التقنية في مقاربتها للشأن الثقافي، وبالتالي فإنها تظل عاجزة عن أن تجعل من الثقافة شريكا حقيقيا في التنمية السياحية المرجو تحقيقها، وان تطور طبيعة التراث الى قيمته الوظيفية، والتي تسمح لمختلف الفئات الاجتماعية بأن تجعل منه موردا اقتصاديا، وهذا يمكن ان يتعارض مع توصيات المؤتمر العالمي الذي انعقد بجوهنسبورغ سنة 2002 والذي اعتبر الثقافة عنصرا من عناصر التنمية المستديمة الى جانب العنصر الاقتصادي والاجتماعي والإيكولوجي• ان عملية إنقاذ مدينة فاس لن تكون ناجحة إلا إذا تم إعطاؤها بعدا وظيفيا خاصا، فإذا كانت المراحل السابقة قد بنت هذه الخطة انطلاقا من الاهتمام بالمباني الاثرية وإعادة الاعتبار للإطار المبني (الاسوار، الابواب، المآثر التاريخية•••)، فقد جاءت مرحلة أخرى تم الاهتمام فيها بأنشطة الصناعية التقليدية والرغبة في إنقاذ هذا القطاع وإحياء الحرف المنقرضة او التي أشرفت على الانقراض، والحد من التلوث الذي تسببه بعض الحرف التقليدية بالنسبة للمجال البيئي للمدينة، وذلك بإعادة هيكلتها او نقلها خارج الاسوار (مجمع عين النقبي كنموذج)، فإن المرحلة الحالية تشهد تجربة جديدة تتمثل في التوظيف السياحي لعملية الانقاذ، وبالتالي فإن مختلف التدخلات التي تشهدها حاليا المدينة العتيقة تصب في هذا الإطار، او على الاقل ان تلامس الشأن السياحي في مقاربتها الميدانية• فمدينة فاس العتيقة تعتبر في الواقع متحفا متحركا وديناميا، يضم كل ما يمكن ان يشكل بالنسبة للسائح الاجنبي موضوعا يغذي فضوله للاستكشاف والمعرفة، حيث ان كل تدخل لإصلاح وانقاذ هذه المكونات هو في الواقع عملية تحمي هذا الجسم ككل• فالمنتوج الثقافي - السياحي لفاس هو منتوج تقليدي في جوهره، عصري ومتقدم في أشكال استغلاله، وبالتالي فإن عملية الانقاذ يجب ان تكون لها رؤية سياحية، كما أن الغنى الثقافي العريض للمدينة العتيقة يمد الانشطة السياحية بكل العناصر والامكانيات الممكنة• فالتعددية التي تميز هذا المنتوج توفر له عناصر إضافية ليستمر في أصالته ومعاصرته ويمده بكل الوسائل القادرة على صيرورته وتقدمه، لكن يفترض علينا قبل ذلك ان نحافظ على هذا المنتوج حتى لايفقد عناصره الاساسية كمنتوج سياحي ثقافي ثم جاذبيته كمنتوج مسوق وقابل للتكيف مع رغبات وأذواق السياح• كما أن نجاح أي سياسة لإعادة الاعتبار لأهمية البعث الثقافي - السياحي يرتبط بقدرتها على تشجيع ساكنة فاس المحلية على الاستثمار في ترميم وإصلاح السكن وورشات العمل ودور التجارة وأروقة الصناعة التقليدية، إضافة الى مدها بأشكال متنوعة من الدعم والتشجيع والاعفاءات الجبائية لتحفيزها أكثر على الانخراط في عمليات الترميم والاصلاح وتحسين المشهد الثقافي والسياحي للمدينة• فاستحضار البعد السياحي يعتبر ضرورة استراتيجية لإنجاح عملية النقاذ وجعلها عملية مندمجة في التنمية العامة للمدينة، كما أن العلاقة بين إنقاذ مدينة فاس في العقود الثلاثة الاخيرة مراحل متنوعة في هذه الصيرورة السياحية، ابتدأت في خطوة أولى بإصلاح بعض الدور وتحويلها الى بازارات من أجل تسويق منتوجات الصناعة التقليدية والتي عرفت نموا مهما نتيجة لإقبال السياح الاجانب على اقتناء هذه المنتوجات• وقد بدأت هذه العملية مع عقد الستينات والسبعينات، ثم تلتها مرحلة أخرى عرفت إنشاء المطاعم السياحية، وهي توجه جديد في إدخال النشاط السياحي الى ربوع المدينة العتيقة، وذلك نتيجة للإقبال المتزايد للسياح على زيارة المدينة العتيقة واكتشاف كنهها وفنون الطبخ التقليدي• وحاليا نعيش موجة ثالثة من المؤسسات السياحية التي بدأت تنجز داخل المدينة العتيقة تتمثل في دور الضيافة، وهي ظاهرة أصبحت تنمو وتتكاثر في أغلب المدن المغربية العتيقة (مراكش، فاس، الصويرة، مكناس، الرباط•••) ، وهذه العملية تعتبر مرحلة متقدمة لإعادة الاعتبار لبعض الدور التقليدية وترميمها وتحويلها الى مؤسسات إيوائية تساهم في تطوير الانشطة السياحية لمدينة فاس، كما توفر من ناحية أخرى طاقة إيوائية راقية ومن الصنف الممتاز، إضافة إلى توظيفها للمنتوج الثقافي الاصيل للمدينة العتيقة في عمليات التسويق• وتتوفر مدينة فاس حاليا على 15 دارا مصنفة وأخرى في طور الانجاز، وينتظر ان يتطور الاقبال على الاستثمار في هذا المجال مما سيضيف قيمة جمالية للمنتوج السياحي لمدينة فاس ويوسع من حجم العرض السياحي والثقافي، كما أن تطور هذا المنتوج سيساهم كميا وكيفيا في خلق فرص الشغل، وإنقاذ المباني، وإحياء بعض المهن المعمارية والحرف، وتعزيز الوظيفة السكنية بالمدينة العتيقة• وفي نفس الاستراتيجية السياحية نشير هنا الى مشروع تحديد المسالك السياحية داخل المدينة العتيقة، والذي يعتبر في الواقع تصورا راقيا لتسويق المنتوج السياحي الثقافي وفق مقاربة ومقاييس جديدة تسعى الى تقديم هذا المنتوج في قالب جديد وموضوعي يتماشى مع مكوناته الاساسية، ويسهل استمثال الفضاء السياحي لرغبة السياح إضافة الى تمديد فترة الزيارة السياحية للمدينة العتيقة، والتي تنجز في مدة لاتفوق نصف يوم، الى يومين او أكثر ، وبالتالي نستطيع تمديد فترة إقامة السياح بالمدينة ككل• ويعتبر تحقيق هذه الغاية الهدف المنشود لاستراتيجية تطوير السياحة بمدينة فاس، وذلك بأن تصبح سياحتها سياحة إقامة عوض ان تستمر كسياحة عبور• وقد خلص هذا المشروع الى تقسيم الزيارة السياحية الى ستة مدارات فرعية يغطي كل مدار منها منتوجا ثقافيا معينا تتشابه فيه المكونات الثقافية، مما يسمح بالتعرف بشكل أفضل على مختلف الحلقات المكونة للمشهد الثقافي، وهذه المدارات هي: - مدار الاسوار والقلاع - مدار فاس الجديد - مدار القصور والحدائق الاندلسية - مدار المآثر والاسواق - مدار الصناعة التقليدية - مدار حي الاندلس• ويعتبر هذه المشروع الكبير والنموذجي من أفضل المشاريع السياحية التي عرفتها مدينة فاس• وقد قام بتمويله "البنك العالمي"، وسهرت على تنفيذه كل من "المجموعة الحضرية" و"وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس"، والذي سوف يساهم في تطوير الممارسة السياحية ويحسن الوضعية الحالية لمجموعة من الاحياء العتيقة والساحات العمومية والاروقة والطرق والمعابر، دون ان ننسى عملية التشوير التي سوف تسمح للسياح بالتوفر على دليل سياحي يمكن من ولوج المدينة العتيقة ومعرفة مكوناتها الاساسية، وتسهيل ولوج الافراد والقوافل السياحية الى وسط المدينة العتيقة• فهذان المشروعان معا يمكنهما أن يضعا مقاربة جديدة للتعامل مع المنتوج الثقافي، ويمكن ان يؤسسا لتقليد جديد في قطاع الارشاد السياحي وتحسين أكثر للخدمات التي يقدمها المرشدون للسياح الاجانب، كما أن نجاحهما يمكن ان يكون مدعاة لإنجاز مشاريع أخرى في نفس السياق• وبهدف إعطاء دفعة جديدة لمفهوم السياحة الثقافية بمدينة فاس العتيقة، يجب اتخاذ جملة من التدابير والاجراءات الضرورية والتي بإمكانها ان تطور وتؤهل العمل الثقافي، وذلك من خلال ترميم عصري وحديث للمؤسسات الثقافية وتحسين المرافق الصحية بها، وتجهيزها بآليات سمعية وبصرية متطورة وتستجيب للمواصفات العالمية على شاكلة تلك المتوفرة في بعض الدول المتقدمة• أي أن عمليات التدخل يجب ان تتخذ طابعا عموديا وذلك بأن تركز على المؤسسات والبنيات الثقافية المهمة والرئيسية وتأهيلها كلية لتكون منتوجا ثقافيا متكاملا وفق المعايير والمستجدات الدولية، وأن يكون هذا التدخل موازيا للتكنولوجيا الحديثة التي توظف في إنقاذ التراث• كما يمكن اعتماد نظام التذاكر الجزافية الموحدة لولوج جميع المؤسسات والمراكز الثقافية وذلك للرفع من حجم المداخيل التي تستفيد منها هذه المراكز سواء زارها السائح جميعا او اقتصرت زيارته على البعض منها• مما يبين أن السياحة يمكن ان تخدم بشكل جيد قضايا الثقافة، وان تمدها بموارد مالية قادرة على تطوير آلياتها التنموية• كما أن تكون السياحة أداة للإشهار والدعاية على المستويين الوطني والدولي، وأن تجلب المهتمين والباحثين في قضايا التراث والثقافة، وان تعرف أكثر برصيدنا الحضاري والإنساني
تسهيلاً على زوارنا الكرام يمكنك الرد من خلال تعليقات الفيسبوك
موضوع: رد: مدينة فاس التاريخية المغربية الثلاثاء فبراير 22, 2011 12:53 pm
فاس مدينة متوجة بتاريخ مجيد، كإكليل منسوج بخيوط من لحمة حضارة عريقة متألقة مطعمة بسحر الشرق، بث في حاضرها روعة وجمال وترك بصماته على كل مفرداتها، فتستطيع ان تلمسها في موسيقاها، في مآكلها، فن العيش، وفن العمارة ، فأصبحت مركزاً دينياً وسياحياً وجامعياً . ويتجسم هذا في جامع وجامعة القرويين، أول جامعة في العالم الغربي، وكذلك الزوايا والأضرحة والقصور والأسواق والأحياء والصناعات اليدوية التي ميزت المدينة وأعطتها هذه الروعة والبهاء ...</SPAN> تقع مدينة فاس في وادٍٍ خصيب، لذا فإنها أصبحت وكأنها واسطة عقدٍ بين التلال التي تحيط بها من كل الجهات، والأشجار التي صبغتها بلونٍ لازوردي جميل، يتناغم مع خضرة المرتفعات والغابات المكتضة بأشجار الزيتون والأرزوزهر عود السند .
وبما ان اختي الغالية بسمة قد تناولت الجانب التاريخي من هذه المدينة العريقة التي بلغ عمرها 12 قرنا فسوف اتعرض انا لبعض معالم الحضارة الحديثة بهذه المدينة الغالية المدينة الحبيبة الى قلبي المدينة الساحرة الدافئة باهلها الطيبين
واخدكم بجولة جميلة
في اجمل شارع بافريقيا انه شارع الحسن الثاني
واشكرك اختي بسمة على هذه الزيارة العذبة للمدينة الحبيبة
ونتمنى منكي المزيد فقد زينت مواضيعك هذا الركن المهم من المنتدى
تسهيلاً على زوارنا الكرام يمكنك الرد من خلال تعليقات الفيسبوك