???? زائر
| موضوع: "(¯`•._.•( خطبة الوداع وإكمال الدين )•._.•´¯)" الإثنين مارس 01, 2010 4:40 am | |
|
.. خطبة الوداع وإكمال الدين .. في العام العاشر من الهجرة المحمدية وفي شهر ذي الحجة الحرام كانت حجة الوداع والبلاغ والتمام والكمال،وسميت حجة الوداع؛لأن سيدنا رسول بعدها بأمد قصير التحق بالرفيق الأعلى،ولأن العبارات الواردة في خطبته تفيد بأنها آخر لقاء مع تلك الحشود التيأتت من كل فج عميق لتشهد منافع لها في الصحبة المباشرة لسيد الوجودوالتلقي المباشر منه والتشرب القلبي من معينه. وسميت حجة البلاغ؛لأن سيدنا رسول كان يذكر في خطبته عبارات التبليغ: (ألاهل بلغت؟) (فليبلغ)... أضف إلى ذلك أنها كانت خاتمة البلاغ إلى البلادالعربية، فعم القاصي والداني العلم بدعوة الإسلام؛ فمنهم من دخل فيالإسلام وأشرب حبه في قلبه وتمكن الإيمان فيه، ومنهم من قدم الطاعةللإسلام ولأحكامه ولما يدخل الإيمان قلبه. وأسميها كذلك بحجة التمام والكمال، لكمال الدين وإتمام النعمة علىالمسلمين. وهذه الحجة كانت مسك الختام لجهاد خير الأنام عليه أفضل الصلاةوأزكى السلام، في هذه الحجة حمَّل فيها النبي مسؤولية الدعوة وتبليغالرسالة لأمته إلى يوم القيامة.وفيها حقق الله وعده لنبيه الكريم بوراثةالأرض، وإكمال الدين وإتمام النعمة، قال الحق جل ذكره في وعده الذي حققه،وفي سنته في أن النصر للتقوى والعاقبة للمتقين: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾ ( المائدة [3]). لقد ختم الله رسالته برسالة القرآن والنبي العدنان ، وأكمل الله تباركوتعالى دينه بالإسلام، وأتم به نعمته على الناس أجمعين، فاستغنوا بدينالإسلام عما سواه، ولم يعودوا بعده بحاجة إلى ملل جديدة أو دين جديد. فقداشتمل الإسلام على كل صغيرة وكبيرة مما يحتاج إليه الناس من تعاليموتشريعات في مختلف جوانب الحياة كلها، بحيث يكتفي الناس بشريعة الإسلام،ولا يتشوفون إلى شريعة أخرى يلتمسون فيها الهداية، أو يبحثون عن مبادئضالة وأفكار مستوردة وقوانين دخيلة بدعوى استكمال نقص في دينهم ومبادئهم،أو استدراك على قانون من قوانينهم أو حكم من أحكامهم، أو نحو ذلك من ترهاتوأباطيل لا صلة لها بالدين، ولا تليق بأمة سيد المرسلين، و لا تصدر إلا عنجاهل ومتجاهل بكنه الشريعة أو كافر أو مغرض يخدم مصالح الأعداء، أو خبيثالنية والمقصد اتخذ الشيطان وليا من دون الله، أو مسيء لفهم هذه الشريعةالغراء العظيمة. في حجة الوداع والبلاغ تحقق الوعد الإلهي وسنته بإظهار دين الحق على الدينكله، وإتمام نور الإسلام رغم أنف المعتدين الذين طالما حاولوا إطفاءهوالكيد له. وانتهت كل العهود التي أبرمت مع المشركين، وحظر عليهم دخول المسجد الحرام،فأصبح أهل الموسم من المؤمنين الموحدين الذين لا يعبدون إلا الله ، وأقبلتوفود الله من كل فج عميق قاصدة البلد الحرام تيمم وجهها شطر الكعبةالمشرفة، وهي مشتاقة إلى ذلك اللقاء مع أمير حجها ومعلمها مناسكه في هذاالعام سيدنا رسول الله . ونظر سيد الوجود إلى تلك الحشود المؤمنة والألوف المؤلفة الواقفة بفناءالبيت متضرعة خاشعة ملبية لله. فسره ذلك وشرح الله صدره لما رأى ثمرة ذلكالجهاد الطويل في مكة والمدينة؛ وها هي الوفود كلها منقادة للحق، ومهتديةبالإسلام، فانتهز هذه الفرصة الثمينة ليغرس في القلوب لباب الدين؛ فألقىكلماته النورانية ليبدد آخر ما أبقته الجاهلية من مخلفات وآفات في النفوسويؤكد ما يحرص دين الإسلام على إشاعته من أخلاق وآداب وأحكام.. فأفرغ في آذان تلك الجموع النصائح الغالية والمعاني التي بُعث بها، وملأقلوبها بنورانية ربانية، وحملها مسؤولية تبليغ رسالة الإسلام بعده. كان يحس أن تلك الجموع الحاشدة وهذا الركب المبارك سينطلق في بيداء الحياةوقفارها وحده، فهو يصرخ به كما يصرخ الوالد بابنه الذي انطلق به القطار،يوصيه بالرشد ويذكره بما ينفعه أبدا.وها هو يوصي أمته بما ينفعها ويضمنعزها ومجدها ويحفظ لها كرامتها ووحدتها ويرضي عليها ربها ويسر نبيها. وأكد الوصايا مرارا وهو على ناقته العضباء، واستثار أقصى ما في الأعماق منانتباه،وعاود صيحات الإنذار ليحذر تلك الجماهير المائجة من كيد الشيطان،وبعد ذلك انتزع شهادة من الناس على أنفسهم وعليه أنهم قد سمعوا وأنه قدبلغ؛ ليقطع جميع المعاذير المنتحلة، وليجعل مهمة التبليغ ملقاة على أعناقالجميع، ويخلي ذمته من عهدة البلاغ والتبيان التي نيطت بعنقه صلوات ربيوسلامه عليه. لقد ظل عقدين وثلاث سنوات يصل الأرض بالسماء ويتلو على القاصي والداني ماأنزل عليه من ربه، ويغسل أدران الجاهلية التي التاث بها المجتمع، ويربيالجيل الذي سيحمل الراية بعده لينشر الإسلام في أرجاء المعمورة.. وها هو –عليه الصلاة والسلام- يقود الحجيج في أول موسم حج تطهر فيه البيتمن دنس الشرك والأوثان، ويتوجه فيه كل الناس للواحد القهار.. وها هي الجموع الكثيرة من الناس أتت من كل فج عميق ومن كل جهات الجزيرةالعربية لتلتقي بالحبيب الأكبر والمصحوب الأعظم في الأيام الأخيرة منحياته، ولتشهد منافع لها في خطبته العظيمة التي وضعت مبادئ ودعائم حقوقالعباد، فتجمعت حوله تلك الحشود بعد شوق طويل، فألقى كلماته الربانيةووصاياه الغالية. والله ما أروعها من كلمات تلك التي خرجت من فيه الحبيب كالنور ملأت الكونبنورها حتى أضاء منه كل شيء.. بعد أن بلغ رسالة ربه إلى الناس كافة، وجاهدفي الله حق جهاده ثلاثة وعشرين عاما لا يكلّ ولا يمل. ولله ما أروعها من لحظة وأغلاها من فرصة تلك التي اجتمعت فيها الأمةالمحمدية بمحبوبها ومعلمها وكاشف الغمة عنها، ومخرجها من ربق العبوديةللطاغوت إلى حرية العبودية لله وحده. آلاف من المؤمنين خاشعين متضرعين مفتقرين ومنكسرين لربهم جل وعلا، ووعد الله تعالى يرفرف في السماء:﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾( غافر [51])، وحبيب الله ينظر إلى أجيال المستقبل، وإلى ثمرة تربيته الذينسيحملون هم الدعوة الإسلامية وراية الجهاد من بعده إلى يوم القيامة،ينبههم ليسمعوا خطابه المودع: ( أَيّهَاالنّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنّي لَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْبَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا ). فكانوا كلهم آذانا صاغية، وقلوبا خاشعة، لهذه الخطبة العظيمة التي وضع فيها دعائم وركائز ما جاهد في سبيله ثلاثة وعشرين عاما. قال صلى الله عليه مسلم في خطبته العظيمة:« إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِيَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ،وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَرِبا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّبِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ،وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًاتَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَمُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّبِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّيفَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَوَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَة،ِ يَرْفَعُهَاإِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدِاللَّهُمَّ اشْهَدْ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ».
نشهديا حبيب الله أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفتالغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى.
وهنا نقف مليا مع بنود هذه الخطبة العظيمة نسلط عليها بعض الأضواء لنستضيءبنورها الوضاء، ونستنبط منها سنة الله تعالى في نصر المؤمنين لما لزمواغرزه واعتزوا به، وأحبوا نبيه وتفانوا في حبه، واعتصموا بالقرآن والسنة. ونستنبط كذلك سنته تعالى في تغيير تلك النعم التي حققوها في ماضيهم التليدلما خالفوا أمره، وخذلوا نبيه ، وتركوا تلك الأمانة العظيمة وراء ظهورهم:
البند الأول: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام...): وكرر النبي هذه التوصية، وها نحن اليوم في زمن تزهق فيه الأرواح، وتراقفيه الدماء البريئة، وتنتهب فيه أموال الشعوب، ويعتدى فيه على الناس في كلوقت وحين، والاستدمار الصليبي واليهودي ما زال ينهش في جسم الأمة بالمخلبوالناب.
البند الثاني:(ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي...): وها هي الأمة الإسلامية اليوم قد مزقتها الحروب القومية والطائفيةوالعرقية والمذهبية، وأعداء الإسلام ينبشون التراب عن الجيفة المنتنة، تلكالقومية العربية والأمازيغية والوطنية ... كل هذه المصائب كانت نتيجة تلكالمخالفة لهذا البند.
البند الثالث:في باب المعاملات: فكل رباموضوع وأن للناس أموالهم لا يَظلمون ولا يُظلمون. وما الأزمة الاقتصاديةالتي حلت بعالمنا اليوم وبدأت تنخر في كيان الدول العظمى والصغرى وتنذربانتكاس راياتها إلا بسبب المعاملات الربوية المحرمة.
البند الرابع:حدد فيه النبي زمن الحجبعدما كان المشركون يتلاعبون بالأشهر، فلا حج إلا في شهر اسمه ذو الحجة. وهو الشهر الذي حج فيه سيدنا رسول الله حجته الأخيرة.
البند الخامس:وضع فيه النبي أسس حقوق المرأة في الإسلام؛ فأوصى بالنساء خيراً، وهي وصية جامعة شاملة تهدف إلى القضاء على الظلم ضد المرأة.
البند السادس:أوصى النبي بالاعتصامبالكتاب والسنة وهُمَا المخرج من كل ضيق والدواء لكل داء والأمان من كلتيه وشقاء وضلال وزيغ. وما الشقاء والذل والهوان الذي أصاب الأمةالإسلامية إلا ببعدها عن هذين المنبعين، مصدر كل عزة وكرامة ونصر وتمكين.
وخلاصة المرام في تحقيق المقام:
بذلك المنهاج النبوي الجامع، بين الرحمة والقوة، والجهاد والتربية، والعدلوالإحسان أخذت جذوة الباطل تخمد رويدا رويدا، حتى أفل نجم الجاهلية، وظهرفجر الإسلام وثبتت دعائمه. وخضع العرب بعدما لان قيادهم للحق- بعدما انكمش الباطل واندثر-في حجة الوداع. وانتهت مناسك الحج وسمع الناس كلهم صوت الحق المبين، فحث سيد الوجودالركاب إلى مدينته المنورة لا ليأخذ حظا من الراحة في منتزهاتها، بلليستأنف حياة الجهاد ويستقبل الوفود الوافدة على الإسلام لترجع إلى قومهامبلغة للرسالة الخالدة، ويعبئ جيشا ليكسر به أنفة الروم وكبرياءهم. إنها أمانة عجزت السموات والأرض عن حملها، وراحة أصحاب الرسالات عندما يرون بواكير نجاح الدعوة دانية القطاف، وثمرتها طيبة مباركة. وتحققت الوعود الإلهية وسننه الثابتة:
﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾( طه [132]).
﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ ( الصف [8]).
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ ( الإسراء [81]).
وقوله{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلامديناً} ( المائدة [3] ) هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم, فلا يحتاجون إلى دين غيره, ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه, ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن, فلا حلال إلاما أحله, ولا حرام إلا ما حرمه, ولا دين إلا ما شرعه, وكل شيء أخبر به فهوحق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً}أي صدقاً في الأخبار, وعدلاً في الأوامر والنواهي, فلما أكمل لهم الدين, تمت عليهم النعمة, ولهذا قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكمنعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}أي فارضوه أنتم لأنفسكم, فإنه الدين الذيأحبه الله ورضيه, وبعث به أفضل الرسل الكرام, وأنزل به أشرف كتبه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{اليوم أكملت لكم دينكم} وهوالإسلام, أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهمالإيمان, فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً, وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً, وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً. وقال أسباط عن السدي: نزلت هذه الاَية يومعرفة, ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام, ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلمفمات قالتأسماء بنت عميس:حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلكالحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل, فمال رسول الله صلى الله عليهوسلم على الراحلة, فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن, فبركت, فأتيته فسجيت عليه برداً كان علي. وقال ابن جرير : مات رسول اللهصلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفةبأحد وثمانين يوماً, رواهما ابن جرير, ثمقال: حدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا ابن فضيل عن هارون بن عنترة, عن أبيه, قال: لما نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم}وذلك يوم الحج الأكبر, بكى عمر, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم«ما يبكيك ؟»قال: أبكاني أنا كنا فيزيادة من ديننا, فأما إذا أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص,فقال«صدقت»ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت«إن الإسلام بدأ غريباً, وسيعود غريباً, فطوبى للغرباء».
تسهيلاً على زوارنا الكرام يمكنك الرد من خلال تعليقات الفيسبوك
|
|