[
size=18]السيد البدوي
بين الحقيقة و الخرافة[/size]
[color=darkred]الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحواليكتب أحد أساتذة التاريخ في جامعة القاهرة كتاباً كبيراً عنوانه "السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة" أثبت الكاتب فيه بالمصادر وبالتحليل أن المسألة تدبير وتخطيط لإعادة المجد العبيدي الفاطمي -كما يُسَمى- فهي مؤامرة للقضاء عَلَى الإسلام متلبسة بلباس أهل البيت ولكن عن طريق آخر غير صريح، ولا مباشر، وهذا هو طريق التصوف، ولهذا فـالبدوي وأمثاله يدعون أنهم من أهل البيت، فكل من خرج وادَّعى وشرع طريقة من طرق الصوفية فهو من آل البيت، ولو كَانَ من أبعد بلاد الله تَعَالَى عن جزيرة العرب فضلاً عن أن يكون عربياً، فضلاً عن أن يكون من قريش، يختلقون له نسباً ويدَّعون أنه من أهل البيت لتتوطد تلك العلاقة التي يريدونها.
فذكر الكاتب كيف أن هذا البدوي وأمثاله خططوا لإعادة تلك الفكرة سواء عن طريق دولة تقوم أو عن طريق إحياء ذلك المبدأ وذلك الهدف الذي شرع، والغرض منه القضاء عَلَى الإسلام وأن ينقل الْمُسْلِمُونَ من دين الإسلام إِلَى دين الشرك وهم يظنون أنهم مسلمون، وبذلك يحقق أعداء الإسلام من اليهود والمجوس والنَّصارَى وأمثالهم المآرب التي يريدونها؛ لأنهم يعلمون أن هذه الأمة متى خرجت عن دينها وانحرفت، ومتى تعلقت بالأموات والقبور، فلن تقومَ لها قائمة، بل هي من ذُلٍ إِلَى ذُلٍ، ومن هزيمةٍ إِلَى هزيمةٍ، ومن ضياعٍ إِلَى ضياعٍ.وإذا وحَّدت وآمنت واعتصمت بالله فإنها سوف تحقق الأعاجيب، وقد رأوا ذلك في تاريخهم القديم، وفي تاريخهم الحديث وهم جربوا ذلك وعرفوه بالتجربة.
وذكر الكاتب كيف كَانَ الدعاة يأتون من المشرق والمغرب يهدفون جميعاً إِلَى شيء واحد، وكانت لهم صلة لا تخفى عَلَى كل من قرأ حياتهم بشياطين الجن، فكانوا هم شياطين الإنس، وأولئك هم شياطين الجن كما قال الله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام:112].
فكانوا يستعينون بأولئك الشياطين ويدعون الكرامات والخوارق الكاذبة حتى سحروا ألباب النَّاس وسخروا من عقولهم، فغنموا الأموال والجاه والسلطة، وغنموا كل شيء باسم أنهم أولياء وأتقياء لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أهل الدين، ومن أهل الولاية والقربة، فكان كثير منهم له غرض واضح في إقامة دولة مجوسية شيعية ، والبعض الآخر لم يفكر في ذلك، أو لم يستطيع أن يفعل ذلك؛ لكنه اكتفى بغرض هدم الدين، وإخراج الْمُسْلِمِينَ عن الصراط المستقيم، وعن عبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتوحيده الذي هو أساس نجاحهم وسر حياتهم.
أثر هذه المخططات أيام الاستعمار
وقد ظهرت آثار هذه المؤامرات والاتصالات الخفية عندما جَاءَ الاستعمار، وإذا به يدس في أولئك من أوليائه وتكون الصلة بينهم وبينه، وما دخل الاإنجليز والفرنسيون بلداً، إلا ولهم أولياء وأصفياء مقربون من أهل تلك البلاد، ولذلك لما دخل الانجليز إِلَى الهند مثلاً ظهر الذي يسمى سير أحمد خان ، وجاء بدعوة جديدة، وظهر أيضاً في المقابل أحمد القادياني والكل يدعو إِلَى تعظيم الإنجليز وإلى محبتهم، وإلى ترك الخروج عليهم وعدم مجاهدتهم.
وهكذا ظهر من الباطنية سيف الدين الذي تنتسب إليه الفرقة السيفية من الباطنية التي لا تزال قائمة إِلَى اليوم، وقد أمَّده الإنجليز وساعدوه وشجَّعوه في إحياء الباطنية من جديد، وكذلك الآغاخانية .
وهكذا في كل بلد دخلها هَؤُلاءِ يمدون العلاقات والصلات مع الباطنية ومع الصوفية ، فانتشرت هذه الضلالات وهذا الشرك في العالم الإسلامي تحت اسم التوسل، فإذا قلت لأحد منهم: لا تشرك بالله، لا تقل: يا علي ، يا حسين ، يا عباس ، يا كذا! لا تدعوا غير الله فَيَقُولُ: أنا لا أشرك بالله بدعاء هَؤُلاءِ الأولياء والصالحين، بل هذا توسل والتوسل قد قال بعض العلماء: إنه بدعة، وقال بعضهم: لا بأس به فينقلك إِلَى خلاف العلماء، فهو يفعل التوسل الشركي، ويحاول أن يجعله من التوسل البدعي.
والتوسل البدعي هو الذي تكلم عليه المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- وسوف نشرحه بإذن الله؛ لكن رأينا أن أهم منه وأولى الحديث عن التوسل الشركي الذي ابتدأ منذ أن عبد الرجال الصالحون من قوم نوح، وانتهى بما ترونه اليوم مما يعبد في مشارق الدنيا ومغاربها من الأضرحة والقبور والأولياء بحجة واحدة وهي التوسل، وكثير من النَّاس أصحاب علم في تلك البلاد، وأصحاب عمائم ولديهم الباع الطويل في الفقه وفي غيره، ولكنهم واقعون في هذا الشرك والعياذ بالله ويبررونه ويفلسفونه، ويقولون: هذا هو التوسل، بل يسمون تلك الأماكن بالأماكن المباركة، المقدسة، الطاهرة، ويحرصون أن يُعقد الزواج في تلك الأماكن المقدسة، وأن تكون حلقات العلم في تلك الأماكن المقدسة، هكذا بلغ تقديسها وتعظيمها، وكأنك تقول أنت أيها المؤمن الموحد السني: إننا في بيت من بيوت الله أو في مسجد رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو في المسجد الأقصى، فالمساجد التي هي فعلاً بيوت الله، وقد أمر الله أن ترفع وأن تقَّدس وتعظَّم، وهي لا تعظم عندهم إلا إذا كَانَ فيها شرك.
ولهذا فالعلامات كثيره والأمر واضح، وتجدون أن زعيم الباطنية الآغاخانية وزعيم الصوفية الجديدة وأمثالهم يتبرعون بتكاليف بناء المنابر والقباب -وبتجديدها وتلميعها- عَلَى الأضرحة وعلى المزارات التي يعبد فيها غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وينفقون عَلَى ذلك الأموال الطائلة، وتطلى بالذهب وبأفخر أنواع الرخام والفضة والخشب النادر الثمين، وأُولَئِكَ المغفلين السذج يتقربون إليها ويعبدونها.
فهذا كاتب مصري ليس من العلماء عاش مأساة هذه الأمور ثُمَّ هداه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعرف التوحيد عَلَى يد الشيخ مُحَمَّد جميل غازي كتب كتيباً صغير سماه اعترافات كنت قبورياً ذكر فيه أمور يتعجب منها القارئ، هذه الأمور التي ذكرها لا يصح معها دين ولا صلاة ولا صيام كيف يقبل عمله وهو يعتقد أن البدوي يرزق الولد، ويحفظه من الموت، فأي عبادة تقبل منه والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً } [الفرقان:23] فإذا خاطبت هَؤُلاءِ الجهال احتجوا بالعلماء، وإذا ذهبت إِلَى العلماء قالوا: هذا توسل، نتوسل إِلَى الله، والشرك فقط أن تعتقد أن أحداً غير الله يؤثر في شيء من الأشياء، ونحن نعتقد أنه لا فاعل إلا الله ولا مؤثر إلا الله، فجعلوها جبرية محضة، وأثبتوا جزءاً من توحيد الربوبية، وليس هو توحيد الربوبية الحقيقي، وإنما هو ما ظنوه أو فهموا أنه هو التوحيد، وهو أن تعتقد أن الله خالق كل شيء وأنه الفاعل لكل شيء، وهذه عقيدة شركية باطلة، فمعنى من يعتقد أن الله هو الفاعل لكل شيء: أنه إذا زنى زان، أو شرب الخمر شارب، ماذا يُقال عَلَى اعتقادهم هذا عياذاً بالله؟ الجواب معروف يعتقدون المجاز؟ فهم يعبدون الأموات ويدعون غير الله الزمن الطويل ولا يعبدون ولا يدعون الله إلا قليلاً.
فيقال لهم: لو كَانَ ذلك حقاً وأنكم ترون أن عين التوحيد وحقيقته هو ذلك، فلماذا تقولون إن البدوي حفظ الولد، فـالبدوي لا يحفظه؛ لأنه لا فاعل إلا الله فالفاعل الحقيقي هو الله وهذا عَلَى سبيل التنزل معهم، ولكنَّ هذا من تلبيسات الشيطان، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ذلك فتنة للناس، وكما مر معنا أنه ما عُبدَ غيرُ اللهِ، ولا أُنكِرت صفاته، ولا أَلحدَ المُلحدون، ولا ابتدع المبطلون، إلا بشبهات وتأويلات.
------
من درس: التوحيد (الحلقة الثامنة)
[/color]