إذا كنت تتكلم عن الحب في الرواية العربية.. إذا كنت تتكلم عن أكثر الروايات رومانسية وعاطفة، فمن المؤكد أن خيالك سوف يذهب إلى هذا الروائي المبدع "إحسان عبد القدوس" الذي ألف ما يقرب من 59 رواية تم تحويل معظمها إلى أفلام سينمائية احتلت مكانة بارزة في عقول وقلوب الجمهور العربي.. هذا بالإضافة إلى مؤلفات أخرى..
خطوات على الطريق...
ولد "إحسان" في 1 يناير 1919، والدته هي الممثلة اللبنانية "روزاليوسف" التي جاءت مصر مع مطلع العشرينيات لتعمل بالتمثيل على خشبة المسرح.. أسلمت وأصبح اسمها "فاطمة اليوسف" وتزوجت من أحد الممثلين المغمورين وهو "محمد عبد القدوس"، وإن كان هذا الزواج لم يدُم سوى ثلاثة أشهر إلا أنه أسفر عن هذا المولود الذي أصبح أحد عمالقة الرواية فيما بعد..
وعن هذا يقول "إحسان عبد القدوس" في إحدى مقالاته: "أبي كان مهندسا في الحكومة، ثم تركها وتفرغ للفن كلية، وكان كاتبا يكتب المسرحيات والشعر والزجل ويمثل على المسرح ويلقي مونولوجات ويضع كلماتها وألحانها. أما أمي فكانت ممثلة.. وقد رباني جدي لأبي وكان أزهريا ومتحفظا إلى حد التزمت، ورغم ذلك كان متميزا بتقدير الفن والفنانين. لذلك عانيت التمزق بين مجتمعين، وأثر في تكوين شخصيتي وعقليتي.. مجتمع جدي المحافظ المتزمت في تدينه، ومجتمع أبي وأمي المتحرر المنطلق..
"إحسان" الصحفي..
رغم أن "إحسان" تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1942، ورغم قيامه بالعمل كمحامٍ تحت التمرين في أحد أكبر المكاتب حينها، إلا أنه التحق للعمل بمجلة والدته "روزاليوسف" عام 1944، وبهذا بدأ عمله الصحفي، وشرع في كتابة الرواية والقصة القصيرة، ليترك مهنة المحاماة ويتفرغ للكتابة، والعمل الصحفي.. وليعمل بجريدة الأخبار لمدة 8 سنوات، ويلتحق من بعدها بجريدة الأهرام في أزهى عصورها حتى يصل لمرتبة رئيس تحريرها.. وليصبح بعد سنوات معدودة من أهم وأميز الكتاب الصحفيين على الساحة الأدبية.. حيث إنه يعد من الكتاب السياسيين أصحاب المواقف القوية الواضحة، إذ أنه كان يؤمن باستقلال الرأي والحرية التي لا قيمة للإنسانية بدونها، فأخذ يرفض كل أشكال التسلط والاستبداد، رفض الملكية كما رفض الأحزاب التي تتخذ من شخص مصدر إلهام ورمزا للقوة، كما كانت عينه على هذا البلد المأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. ولعل من أبرز مواقفه السياسية تصديه للفساد السياسي حين أثار قضايا الأسلحة الفاسدة، الأمر الذي زج به بسبب أحد مقالاته في السجن..
هو و"السادات"
مما يؤكد قوة وصمود شخصية هذا الصحفي الكبير والأديب المبدع أنه لم يكن يقبل بأي ضغوط أيا كان مصدرها.. فقد اختلف مع الرئيس "أنور السادات" في الرأي حول أمر ما تعددت حوله الأقاويل فقام عام 1974 بالاستقالة من رئاسة أخبار اليوم، وبعدها بعام استقال من رئاسة تحرير الأهرام لأسباب تتعلق أيضا بحرية الرأي والتعبير..
مع "جمال عبد الناصر"
كان لكاتبنا مواقف عدة مع الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" فقد كان منتقدو وكارهو "إحسان" يحاولون الإيقاع بين الكاتب والزعيم.. فأخذ بعضهم يؤول قراءته لرواية إحسان "أنف وثلاث عيون" بأن المقصود منها هو "عبد الناصر"، وصادف أنه في هذه الفترة يقدم برنامجا إذاعيا، فاحتجوا على عنوان البرنامج.. بل على كلمة في العنوان. فاتصل به "عبد الناصر" ليغير هذه الكلمة، إلا أنه رفض وترك البرنامج. أتدرون ما هذه الكلمة التي اعترضوا عليها ورفض هو تغييرها.. إنها الحب.. فقد كان البرنامج بعنوان "تصبحون على حب"، وأرادوا أن يغيروا كلمة الحب إلى "محبه"، تحت مفهوم الحفاظ على الأدب والحياء العام ... رحم الله الجميع فهم لم يعيشوا ليروا ما نحن فيه من كلام عن كل شيء وأي شيء وبطريقة تؤدي لتدمير الحياء وليس خدشه!!!
موقف آخر..
حققت رواية "البنات والصيف" مبيعات فاقت التصور، غير أنها لاقت اعتراضا واسعا في أوساط المثقفين لما اعتبروه إباحية في تناول الأفكار.. فطالبوا بمنعها، وبالفعل صدر قرار بذلك، الأمر الذي جعل "إحسان" يبعث برسالة إلى عبد الناصر قال فيها:
"أنا لا أتعمَّد اختيار نوع مُعيَّن من القصص، أو اتجاه مُعيَّن، ولكن تفكيري في القصة يبدأ دائماً بالتفكير في عيوب المجتمع، وفي العُقَد النفسية التي يُعانيها الناس، وعندما أنتهي من دراسة زوايا المجتمع، أُسجل دراستي في قصة. وكل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة وجريئة لعيوب مجتمعنا، وهي عيوب قد يجهلها البعض، ولكن الكثيرين يعرفونها، وهي عيوب تحتاج إلى جرأة الكاتب، حتى يتحمّل مسؤولية مواجهة الناس بها. والهدف من إبراز هذه العيوب، هو أن يحس الناس بأنّ أخطاءهم ليست أخطاء فردية، بل هي أخطاء مجتمع كامل، وأخطاء لها أسبابها وظروفها، ونشرها سيجعلهم يسخطون وسيؤدي بهم السخط إلى الاقتناع بضرورة التعاون في وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا، تتسع للتطور الكبير الذي نجتازه، وتحمي بناتنا وأبناءنا من الأخطاء التي يتعرضون لها، نتيجة هذا التطور. ولقد بدأ الناس يسخطون فعلاً، لكنهم بدلاً من أن يسخطوا على أنفسهم وعلى المجتمع، سخطوا على الكاتب".
دعني أحب...
يتكلم "إحسان" عن الحب الأول في حياته فيقول:
"الحب الأول في حياتي كان لبنت الجيران، كانت صديقة لابنة عمتي، وكان حبا أعتبره من أرقى وأنظف وأعمق أنواع الحب الذي يجمع بين صبي وصبية، كان عمري وقتها 14 عاماً، وهي 13 عاماً، كان حبا قوياً لا يتجاوز أنها تزور ابنة عمتي وأجلس معها كما كانت التقاليد، وكنت أنتظرها على محطة الترام وأركب معها لأوصلها إلى مدرستها "السنية".. ثم أعود على قدمي بعد ذلك إلى مدرستي "فؤاد الأول"..
ولعل تفتح قلب هذا الرجل على الحب في مراحله الأولى من العمر جعله يتخذ منه وسيلة للحياة، وقوتا للروح فكانت كل كتاباته عن الحب، ومعركته لصالحه، وحديثه عن أهله وعذاباتهم وأشواقهم ومراسيهم... ولعل في كتابته عن الحب تعرض لكوامن الشهوات المتأججة خلف مشاعرنا البشرية.. الأمر الذي جعل موقف النقاد من أعماله كان منطق التجاهل بالأساس حيث تجاهله النقاد، أما الذين ذكروه فقد كان ذكره كان من منطلق هجومي.. فمنهم من قال "إنه أديب فراش"، وإنه رائد مدرسة الأدب العاري"، ومنهم من ذهب إلى أنه "ابن أمه" وأنه لا يعتني بجمله، فهو يكتب السهل غير الممتنع".
وبمرور الوقت ظهر من اهتموا بإبداعات الرجل وأدركوا قيمته الفنية والإبداعية والإنسانية وأخذوا يدرسون أعماله ويهتمون بتحليلها وإعطائها حقها.. وهؤلاء أخذوا يرفضون فكرة أنه كاتب يثير الغرائز في كتاباته إلى فكرة أنه يتعرض لهذه الغرائز من منطق التحليل والتوضيح وهو يتجول في النفس الإنسانية لأبطال رواياته.
جوائز حصل عليها:
حصل "إحسان" على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، كما حصل على الجائزة الأولى عن روايته "دمي ودموعي وابتساماتي" في عام 1973، وجائزة أحسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي"، وأخيرا حصل على وسام الجمهورية من الدرجة الأولى والذي منحه له الرئيس "مبارك" في عام 1990.
هذا وقد ترجمت أعماله لعدة لغات كالإنجليزية، والفرنسية، الصينية، والألمانية. ولم ينضب نبع إبداع هذا الرجل حتى وافته المنية في في 11 يناير 1990.
أشهر أعماله..
أنا حرة
في بيتنا رجل
أنف وثلاث عيون
لا أنام
شيء في صدري
الوسادة الخالية
يا عزيزي كلنا لصوص
صانع الحب.. بائع الحب
النظارة السوداء
لا تطفىء الشمس
أين عمري
لن أعيش في جلباب أبي
بئر الحرمان
الراقصة والسياسي
زوجات ضائعات
زوجة أحمد
رائحة الورد.. وأنوف لا تشم
منتهى الحب
وأيضا
• لا تتركني وحدي• نصف الحقيقة• النساء لهن أسنان بيضاء• تائه بين السماء والأرض• الخيط الرفيع• الطريق المفقود• أرجوك أعطني هذا الدواء• أيام في الحلال• بعيدا عن الأرض• العذراء والشعر الأبيض• أبي فوق الشجره• الحب الأول وهم كبير• كرامة زوجتي• غابة من السيقان• إمبراطورية م• ولا يزال التحقيق مستمراً•آه ياليل يازمن•استقالة عالمة ذرة• انتحار مدرس ثانوي• الراقصة والطبال• أنا لا أكذب ولكني أتجمل• عقلي وقلبي
وعلى هذا فقد انقسم الناس في شأنه بين معجب به ومؤمن بأنه كان يناقش عيوب المجتمع من خلال رواياته، وبين معترض على أعماله بمنطق أنها تشجع على إثارة الغرائز..
فما رأيك أنت في هذا الكاتب..
وما الذي تفضله من أعماله