السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا".
خرج الطفل من المنزل ليلعب مع اقرانه في الحي لعبتهم المفضلة و علامات البهجة و الفرح بادية على وجوههم وضحكاتهم المرحة تصل الى مسامع اهلهم في المنزل.
لكن فجاة سُمع بكاء احد الاطفال لا لشيء سوى انه سقط، لان صديقه دفعه عن غير قصد، و هو يحاول الان مساعدته على الوقوف، يربت على كتفه ويمسح دموعه بيديه الصغيرتين ويغسل جرحه من منبع ماء و يقول: لا تبكي يا طاهر (ذلك كان اسم الصبي الذي سقط)، انا اسف، تعلم انك صديقي، و اني لم ارد لك سوء لان امي علمتني ان اكون لين الجانب مع اخواني، لكن طاهر لم يتوقف عن البكاء (غريب).
اعيد الطفل الى اهله، فاخذ كل من امه و ابيه يفحصانه، فوجدوا انه قد خُدش في ركبته خدشا بسيطا لا يستدعي كل هذا البكاء، لكن طاهر كان يشعر بالالم.
بعد ايام، و لا يزال ذلك الخدش على ركبة الطفل حاضرا لم يبرئ، اخذ الاهل طفلهما الى الطبيب للفحص، فاذا بالحكيم يقول ان الجرح مليء جراثيم، تضاعف اثرها بماء نجس. اوصى الحكيم بانواع من الدواء، لكن كثير منها يصعب الحصول عليه لندرة استيراده و غلاء ثمنه، فتم مداواة الصبي بما امكن. لم تجدي عمليات التعقيم والمضادات الحيوية. في اخر المطاف، وبعد ان تورمت ركبة الصبي، تم قطع رجل المسكين انقاذا لحياته.
الذي حدث انه قبل ايام من سقوط طاهر اثناء اللعب تعثر في كيس قمامة به زجاج وبعض العلب الفارغة من مصبرات ومواد كيماوية للتنظيف. تعثر الصبي وسقط بركبته على كيس القمامة المشئوم .
تقدر عدد الاسر في العالم الاسلامي بحوالي 250 مليون اسرة.
تنتج كل اسرة يوميا معدل 3 كغ من القمامة، اي ما يعادل تقريبا 270 مليون طن من القمامة سنويا لمجموع اسر العالم الاسلامي.
تستهلك كل اسرة يوميا معدل 100 لتر من الماء الصالح للشرب، للطهي و المستلزمات الاخرى. لك ان تتخيل كمية الماء اللازمة لمجموع اسر العالم الاسلامي سنويا.
اذا لاحظنا سلوكياتنا في تعاملنا مع القمامة نجد انه على اقل تقدير 25 % (احصائيات) من الناس تطرح نفاياتها في الشارع، يلوث الشخص بهذا السلوك التراب و الماء و الهواء، يظلم بهذا السلوك غيره " يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا " الحديث القدسي.
كم مليار من الدولارات تنفقها الدول الاسلامية على الصحة العمومية.
كم مليار من الدولارات تنفقها الدول الاسلامية للتخلص من قمامة المنازل.
ان اثر 1 كلغ من القمامة في الشارع يكلف اموالا ضخمة في ميزانية الصحة العمومية على المستوى القصير المتوسط و البعيد، بمعنى ان اثر 1 كلغ من القمامة على صحة الناس يكلفنا اعداد من الاطباء و اعداد من الممرضين و الاف الدولارات من الدواء.
يحدث هذا في مجتمع ينتسب الى الاسلام، مجتمع يستشرف الشهادة على باقي الامم بافكارها و معتقداتها و سلوكياتها.
كنا في ما مضى نارق اذا تعثرت بغلة (قول عمر رضي الله عنه)، فاصبحنا لا نبالي اذا انتشرت الامراض نتيجة لسلوكياتنا. ان افضلنا حالا من يقول لا عليك، يمكن مداواة الامراض بعقاقير اليوم. ان ثاني اهم صناعة في العالم و التي تدر ارباحا طائلة، بعد صناعة البترول و مشتقاته، هي صناعة الادوية، تاتي بعدها صناعة الاسلحة الحربية. للناظر ان يتاكد اين تصنع معظم الادوية و اين تستهلك.
ان من مصلحة الكثيرين ان تبقى الامة عليلة سقيمة البدن و الفكر و السلوك، هذه الامة التي في ثقافتها "الدين المعاملة"، في ثقافتها "و من احياها فكانما احيا الناس جميعا" و في ثقافتها الوضوء للصلاة.
ان الحروب القادمة هي حروب حول الماء، في الحصول على مصادره و ايضا في استعماله، استعمال الماء بالكيفية الانسب، بالكيفية التي ارشدنا اليها رسولنا صلى الله عليه و سلم ان لا تبذر "و لو كنت على نهر جار" او كما قال صلى الله عليه و سلم.
لي انا كمليار و نصف مليار مسلم، ان اجرب و انظر كم استهلك من الماء للوضوء بفتحي لصنبور الماء، ثلث (1/3) الماء المنسكب للوضوء و الثلثان في مجاري المياه، هو ماء صالح للشرب، اي ماء معالج و منقول الى منازلنا.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه (قِّلت اهتمامك دليل على ضعف ايمانك). ان الايمان الذي لا يدفع الى عمل و حركة و فعل لا فائدة منه، فـ " الذين امنوا و عملوا الصالحات" جاءت دائما مقرونة في كتابنا الكريم، و كل ميسر لما خلق له.
يقول سيد الخلق و امام المرسلين صلى الله عليه و سلم في شعب الايمان: " ادناها اماطة الاذى عن الطريق..." رواه البخاري. اذا رايت عامل النظافة بشاحنته، تخيل كم يحمل من الاجر، اذا صحح نيته و قصد وجه الله مع اخذه راتبه و شكر الناس له، لك ان تتخيل كم الصدقات و الحسنات ينقل، و انا و انت هل نعجز على ان نميط الاذى و القذى و الدرن و العفن حتى من امام منازلنا؟؟
اعلم ان "من البيان لسحرا"، و ينقص هذه الاسطر البيان، لكن املي ان ننتبه، و املي ان يعاد تناول هذا الموضوع من ذوي البيان.
دمتم سالمين.