حكايات العبيد فى فيلات "العادلى"بقلم : دارين فرغلي ومها البهنساوي
الأحد 29-04-2012|منذ 6 ساعة
فى داخل الفيلا، كل شيء بالريموت كونترول، بناها بشر يعملون
أيضا بالريموت كونترول، بالأمر، وبالرهبة والخوف من الباشا الكبير، يعملون
منذ شروق الشمس، حتى ساعة متأخرة من الليل، ولا يقطعون كفاحهم الإجبارى إلا
لتجفيف العرق أو لتناول نصف رغيف الفول. وما كانوا يريدون شيئا سوى
النجاة، وانتهاء خدمتهم على خير.. إنهم مجندو الأمن المركزى الذين سخرهم
حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق لبناء فيلتين وتجهيز مزرعة فى 6 أكتوبر
ومارينا الساحل الشمالى.
وحسب روايات "مجندى السخرة" أثناء لقائهم مع "الوطن" فإن بعضهم كان
يصاب بالاغماء من شدة التعب، وآخرون هربوا قبل أن يقبض عليهم ليعودوا مرة
أخري، ليس للعمل فى فيلات العادلى وحده، بل فى تجهيز وزراعة فيلات بناته
الثلاث رانيا وداليا وجيهان.
<blockquote>الطعام فول وتونة.. وأحيانا قطعتا لحم أو دجاج مرتين اسبوعيا.. و"اللي يشتكي ياخد علي دماغه" </blockquote>
كان النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أمر بإحالة حبيب العادلي،
وزير الداخلية الأسبق، واللواء حسن عبدالحميد، مساعده لقطاع التدريب سابقا،
والعقيد أحمد باسل، قائد حراساته، إلى محكمة جنايات القاهرة، لاتهامهم
باستخدام مجندي وزارة الداخلية في أعمال خاصة بالوزير السابق، وكانت التهم
التي وجهت للمتهمين هي «السخرة والإضرار العمدي بالمال العام والاستيلاء
عليه»، وأفادت التحقيقات أن العادلي أجبر ما يقرب من 150 مجندا على العمل
في مزرعتين يمتلكهما، وأخرى تخص قائد حراسته على مدار 3 سنوات.
بهاء غالي ومحمد عبدالرحمن وممدوح عادل كانوا مجندين في "معسكر
مبارك" عدة أشهر وبعدها فوجئوا بأنهم مكلفون بمهمة "سرية للغاية "، تحت
إشراف ضابط مسؤول عنهم قالوا إن اسمه شريف نظمي، مشهور عنه بأنه "يعرف كل
شىء عن كل شىء"، البناء والديكور والمزارع.
<blockquote>فيلا مارينا بحمام شفاف يطل على البحر.. "العادلي" يرى الناس على الشاطئ من حمامهولا أحد يراه </blockquote>
لم يعرفوا إلى أين كانت وجهتهم ولا مهمتهم، فقد كانوا يتنقلون بين
سيارات تابعة للوزارة حتى عرفوا من السائقين من السائقين أنهم وصلوا إلى
مارينا، وأن المهمة السرية هي تشطيب وتنظيف فيلا "الباشا الكبير"، ويقول
أحدهم "فرحنا وقلنا هننزل أجازات كتير وهننزل البحر لكن ما حدث كان غير ذلك
تماما".
يتذكر بهاء غالى، أحداث الشهور التى حاول مرارا ان ينساها دون
فائدة. يقول "كنا زي المرمطون بالظبط، فعندما وصلنا الي هناك وجدنا الفيلا
غير مكتملة التشطيب، الواجهة فقط هي التي اكتمل بناؤها، وكانت مهمتنا
تشطيبها وتنظيفها وزرع النجيلة في الحديقة، وحمل شكائر الرمل والزلط والطوب
والسيراميك، كنا نعمل ساعات طويلة حتي ان بعضنا ظن ان اليوم في مارينا 48
ساعة، ولكن حقيقة الأمر أننا كنا نعمل من الساعة السادسة صباحا وحتي
الواحدة بعد منتصف الليل، وبمجرد ان نضع اجسادنا علي الأرض كنا نبكي من شدة
التعب".
يقطع ممدوح الحديث قائلا "عشت أياما هي الأقسي منذ جئت هذه الدنيا،
فقد كنا ما يقرب من 15 عسكري ننام علي كراتين في بدروم الفيلا، أما الطعام
فكان الفول والتونة فى الإفطار والغداء والعشاء، فلا فرق لديهم أين ينام أو
ماذا يأكل العسكرى، المهم أن يستيقظ في السادسة صباحا ليستكمل عمله، حتي
الأجازات لم نحصل عليها حتى مر علينا شهرن من العمل المتواصل".
<blockquote>المهمة سرية للغاية: تشطيب الفيلات فى أكتوبر ومارينا وزراعة الحدائق.. والنوم فوق كراتين </blockquote>
وقضى محمد في فيلا العادلي هي سنة و 3 أشهر، كانت مهمته في الأشهر
السبعة الأولى مماثلة لمهمة زميليه بهاء وممدوح، وبقية المدة كانت في زراعة
الحديقة والعناية بحمام السباحة. يقول محمد "مع دخول فصل الشتاء أحضروا
لنا سراير العساكر من المعسكر، وأعطونا 5 جنيهات يوميا، ولكن ماذا نفعل
بهذا المبلغ في مارينا، بالكاد نستطيع ان نشتري بها خبزا، واضطررنا فيما
بعد أن نشتري طعاما من مالنا الخاص".
يروي بهاء قصة أول زيارات العادلي لفيلته في مارينا قائلا "فوجئنا
بهم يقولون لنا، الباشا جاي الباشا جاي، فأصبنا بالرعب الشديد، خاصة أنهم
حذرونا وقالوا لنا اللي بيغلط بيروح ورا الشمس ومحدش بيعرف طريقه، وما ضاعف
من خوفنا ما سمعناه عن "محمد باسل" قائد الحرس الخاص به علي لسان السائقين
التابعين للوزارة، فقالوا لنا عنه اللي مابيعجبهوش بيضيعوا، واعتقدنا
حينها انه سيلازم "العادلي"، ولكن هذا لم يحدث، فقد كان يبيت في اي مكان
اخر ويعود إليه في الصباح.
بـ "جرس صغير" كان العادلي يستدعي عساكره أذا اراد من أحدهم أن ينظف
الفيلا، أو يرش نباتات الحديقة، أو شراء أي غرض، هكذا يقول بهاء، مضيفا
"في الأيام التي كان يأتي الي الفيلا اعتاد العادلي أن ينام مبكرا فأقصي
موعد لنومه كان الساعه العاشرة مساء، ويستيقظ في الخامسة صباحا، وعلينا
بالطبع ان نستيقظ قبله لرش الحديقة، وقطف الفل ووضعه في أطباق علي طرابيزات
"التراس" الذي يجلس فيه صباحا، لاستنشاق الهواء، وأتذكر أنه في أحد المرات
استدعاني وعندما ذهبت إليه، قال لي انه لا يستطيع ان يري الناس علي البحر
بوضوح بسبب ارتفاع بعض الأشجار، وطلب مني أن أقصها قليلا وفعلت ذلك في
حينها".
لم يقتصر الأمر علي فيلا العادلي فقط، ولكن كانت مهمة المجندين
زراعة وتنظيف 3 فيلات أخري لبناته الثلاثة رانيا وداليا وجيهان، يقول ممدوح
"كنا نذهب من الحين والآخر للاهتمام بحديقة فيلات البنات، وكان هناك عساكر
مخصصون لتنظيف الفيلات من الداخل ايضا.
بإعجاب وانبهار شديدين يتذكر بهاء غالى فيلا حبيب العادلى، يضحك
بشدة "فيلا ولا فى الاحلام" وينظر لصديقيه وكأنه يقرأ العنوان أمام عينيه
"بوابة مارينا 7 منطقة 26 الشمالية.. حد ينسى مكان اسسه وقضى فيه اصعب
سنتين فى عمره"، ينتفض من مكانه ويتجه اسفل الدرج وعيناه تنظران بعيدا
وكأنه يجسد ما كان يشعر به اثناء تجوله فى الفيلا وقت تنظيفه لها، يمثل انه
يمسك بجهاز تحكم عن بعد "ريموت كنترول" ويقول "كانت فيلا كل حاجة فيها
إلكترونى، كنت باتمشى فى أى مكان واتحكم فى النور بالريموت، يعنى ممكن اكون
فى الجنينه او عند" البسين" واطفى نجفة الأنتريه من مكانى، ده غير انى
وانا جوا الفيلا لما اطلع اول درجة تنور اللمبات على يمين الباب، ولما اطلع
الدرجة الثانية تنور اللمبات على الشمال، كله اوتوماتيك بمجرد لمس السلم،
اما حمام الضيوف فى الدور الاول فكان يضاء بمجرد فتح الباب ويطفئ تلقائيا
بمجرد الخروج منه وكأنه حاسس وشايف الناس داخلة وخارجة منه ازاى وبيتحكم فى
الاضاءة".
يبتسم "غالى" وتلمع عيناه من شدة انبهاره بآثاث الفيلا "مقدرش أوصف
الخشب والفرش كانوا ازاى، بس كفاية اقول لما تكون فيلا لوزير الداخلية يعنى
كل حاجة فيها من اجمل ما شفت فى حياتى ملهمش وصف، كانت كل حاجة من ارقى
الاذواق، من اول السجاد المعمول من جلود الحيوانات طبيعي، وفيه كل الالوان
اللى فى الدنيا وشكله يبهر اى حد لدرجة ان ممكن تخاف تمشى عليه من جماله،
ولو مفيش سجاد كفاية ان الارض بسيراميك زاهى ولامع بدرجة تزغلل العين،
والديكور جميل ولولا انى مفهمش فيه كنت وصفته، اما الدور الثانى بما فيه
غرف النوم كانت ارضياته كلها باركيه و3 حمامات بمساحات كبيرة".
التقط "غالى" أنفاسهوهو يصف الطابق الثانى وخاصة "الحمام" الخاص
بحبيب العادلى. وقال "بالنسبة لى كنت باحس ان الحمام ده بالفيلا كلها، بسبب
مساحته الواسعة والسيراميك الغريب اللى بينور وحده وحتى لو طفيت النور
كفاية لمعة السيراميك تنور الحمام كله، وهو مصمم بشكل معين ليجلس فيه اى
احد ويرى البحر امامه، فكانت كل جدرانه زجاج شفاف عاكس، يتيح لـ "العادلى"
ان يري البحر امامه، وكأنه حمام فى وسط البحر يشوف منه كل الناس عالبحر
ومحدش يقدر يشوفه بالظبط زى نكته لما واحد يقول انا عايز حمام يطل عالبحر..
العادلى ينفذ الفكرة دى، هذا الحمام تسبب فى إصابة احد المجندين العمال
بصدمة عصبية، لأنه كان مطلوب منه يعمل حاجة معينة لاخفاء عيوب بالحائط بشكل
فوق الخيال، ولما عجز عن تنفيذ مهمته ترك عِدته فى الفيلا وهرب ولم يعد
مرة اخرى".
ترتبط حديقة الفيلا فى أذهان "بهاء وممدوح ومحمد" بالتعب والارهاق
الذى شعروا فيه بالمعاناة والألم وقت عملهم فيها، وتحويلها من رمال صحراوية
الى جنة خضراء تنبت الزهور، ولا ينسيان أيضا انهما كانا يلعبان الكرة مع
"شريف" الابن الاصغر لـ "العادلى" الذى كان وقتها فى عامه التاسع. ويقول
بهاء" كنا بنلعب مع شريف بيه فى الجنينه كرة قدم، ومكنش حد مننا يقدر يصد
كورته خوفا من زعله وزعل والده طبعا، كنا بنسيبه يجيب فينا اجوان ".
رضا ابراهيم أحد المجندين الذين استخدمهم "العادلي" في تشطيب الفيلا
التي تقع في منطقة مدخل مطار أكتوبر، يقول "كنت من المجندين في دفعة 2008
وبقيت في معسكر مبارك 6 شهور فقط، وبعدها فوجئت بهم يقولون لي انا و10 من
زملائي أننا مكلفون بمهمة سرية، ونقلنا إلى اكتوبر حيث يتم بناء فيلا
الباشا ".
"أكثر شىء أذكره هو العدد الرهيب من المجندين الذين وجدتهم هناك فور
وصولي الي فيلا أكتوبر، أعتقد أن عددهم لا يقل عن 2000 مجند، كانوا يقومون
ببناء الفيلا بأنفسهم لا لوادر ولا حفارات، فلم يكن هناك سوي خلاط واحد
فقط، وقد أصيب الكثير من زملائي بتعب شديد وحالات إغماء، وبعضهم هربوا من
موقع الفيلا ولكنهم استطاعوا اعادتهم بعدها بفترة قصيرة، أما من كان يشتكي
منهم او يبلغ بأنه أصابه التعب فكان بياخد علي دماغه".
المجندون في فيلا "العادلي" كان يبدأون العمل منذ الثالثة صباحا
وحتي الثانية عشر ظهرا ويستكملون العمل بعد العصر، "كنا في سخرة بما تعنيه
الكلمة" هكذا يقول رضا ويروى "كانت مهمتي في فيلا "العادلي" هي الحديقة،
وكنت أساعد زملائي في رعاية المزرعة والبهائم و"السيسي" الذي احضره لابنه،
وكانت هناك غرفتان مخصصتان لنا بجوار السور، كل واحدة فيها 6 سراير بدورين،
وكان عددنا 30 مجندا مسؤولين عن شبكة الصرف والمزرعة والري وتنظيف الفيلا،
وكنا نتقاضي الراتب الميري وهو 160 جنيها فقط، وفي المواسم كان "العادلي"
يرسل لنا علبة حلاوة و50 جنيها من الوزارة، أما الطعام فكنا نأكل 3 أيام في
الأسبوع قطعة لحم أو قطعة دجاج وبقية الأيام تونة وفول، وبعد أن أنهيت
مدتي في فيلا "العادلي " شعرت بأننى ارتحت من هم كبير كاد يقضي علي، وعندما
قامت الثورة ورأيته ومعه قادة الداخلية في السجن هللت "الله اكبر".