طه حسين تاريخ التسجيل : 27/05/2009
| موضوع: الفساد الذى قتل احتمالات التنمية الاقتصادية فى مصر الإثنين أبريل 30, 2012 5:40 pm | |
| الفساد الذى قتل احتمالات التنمية الاقتصادية فى مصر
لكى تفهم ما يحدث فى مصر من غضب لابد أن تفهم الأحوال الاقتصادية فيها، وهذا المقال هو الجزء الأول من مقال أحاول فيه رؤية ما يحدث فى مصر اقتصاديا وتقديم عدد من العناصر التى قد تساعد فى تقديم حلول إصلاحية للأحوال الاقتصادية الراهنة الفاسدة فى مصر.
وصايا فى الاقتصاد (1) تقديم
إن عرض سريع لأحوال مصر الاقتصادية ضمن مجمل الأحوال العالمية يدفع أى مفكر ذا دراية كافية فى علم الاقتصاد كان، أم لا..؟ للنظر والتفكير ويدفعه لمراجعة الكثير مما يمارس كجزء من بيئة الاقتصاد فى مصر، و مما استقر عالميا، كأنه جزء من ثقافة الاقتصاد فى عصرنا. وفى هذه الملاحظات المختصرة أطرح تساؤلات قبل أن اقر إجابات فهدفى ليس تقديم وصايا واجبة التنفيذ؟ ولكن طرح زوايا فى الرؤية للنقاش.. و لما لا؟ *** علينا أن نقر وجود عدد من السمات لهذه الفترة التى نعيشها وهى عالميا التضخم والركود الاقتصادى وعلى مستوى مصر التراجع اقتصاديا وانخفاض حاد فى مستوى دخل الفرد وزيادة كبيرة فى نفقاته الضرورية – موجة الغلاء – وفى مصر لدينا أيضا ما يمكن أن نطلق عليه مسمى الحد من التنمية وهو متزامن مع تنمية رغبات استهلاكية صارت ضرورية، وزيادة فى سعر الخدمات، وفساد إدارى، وتنشيط للدخول الهامشية الغير مستقرة، وخفض دخل ذوى الطاقات الإبداعية وإجبارهم على العمل فى مجالات غير إبداعية، وتكديس للثروات، وانغلاق للسوق، وإنتاج لمنتجات سريعة الاستهلاك تمثل عبء على ميزانية المستهلك وعلى مستقبل الدولة اقتصاديا. هذه العناصر وغيرها هى مفردات الواقع الاقتصادى المصرى الذى يشير ببساطة لنقطة الصفر ويؤكد أن اضمحلالا آخر قادم فى الطريق وأن كل اضمحلال فيما أسفل درجة الصفر لن يظهر بالطبع بالسالب على خط بيانى ينتهى عند الصفر، ولكنه يؤثر فى إمكانية إعادة البناء والتنمية سالبا، أى أنه كلما زاد الاضمحلال عما هو حاليا كلما زاد الجهد اللازم مستقبلا لنبدأ نوع من التنمية ترفع المؤشر الاقتصادى لدرجات ايجابية ولو قليلة، هذا على اعتبار أن ما أشير له هنا هو مؤشر يدل على النمو الاقتصادى عن درجة الصفر التى تكلمت عنها سابقا.
• وقد أًتبعت فى مصر فيما بعد عام 1952 سياسات أدت لكبح إمكانات جيدة كانت ممكنة للاقتصاد المصرى منها أولا سياسة يوليو الإدارية الفاسدة وثانيا السعى للكفاية وثالثا تسكين السوق ورابعا سحب الأموال. وكان السائد طوال حوالى 60 عاما هو غياب فكر تنموى مستقل يؤدى لخطة تستخدم السياسة والمواد الأولية والسكان للوصول لغايات قد تستغرق وقتا لتحقيقها، لكنها غايات نهائية لا تتغير بتغير الحكام أو بتغير مصالحهم ولا بتغير ما يأتيهم من توجيهات خارجية أو على أقل الفروض تغير أحوال النماذج الاقتصادية التى يتبعونها - بلا أى إعادة توجيه لتناسب واقع مصر- وعندما أنفى غياب فكر تنموى فأنا اقصد غياب الإتباع لفكر تنموى مصرى ولا أقصد أن مفكرين مصر لم ينتجوا فكرا تنمويا كان ليفيد لو تم إتباعه – حيث أن مسألة الفكر والفلسفة التنموية لدى مفكرى مصر الاقتصاديين هو موضوع للأسف لم أقم بتتبعه ودراسته جيدا –
سياسات حكم الجيش ودورها فى تأخر التنمية
سياسة يوليو الإدارية
حيث أن ثورة يوليو التى قادها الجيش تتشابه وكل حركات التغيير السياسى التى يقودها الجيش فى كونها ذات ثقافة محدودة اقتصاديا وإداريا ولديها تخوف وانغلاق تجاه المدنيين وتحفظ تجاه الديمقراطية ويؤثر متولي السلطة فيها إسناد كل قطاعات وهيئات ومؤسسات الدولة الكبرى لرئاسة (قيادة) زملاء عسكريين لهم يتميزون بالولاء لزملائهم العسكريين فى السلطة دون الاتسام بالخبرة ولا القدرة لإدارة الهيئات و المؤسسات التى يكلفون بإدارتها وبلا الاتسام بالانشغال بهم تنموى ولا خطة إدارية هدفها التحسين من أوضاع ما يتولونه من هيئات، ولكن الانشغال بهم السيطرة على ما يتولون إدارته بلا خبرة سابقة بكيفية عمله فجل ما يهمهم هو استقرار الأحوال واستمرارها على ما هى عليه فى الأماكن المدنية التى يتولون إدارتها مع الحفاظ على الإتباع لأوامر القائد العسكرى ( متولي السلطة فى البلد حتى بعدما يتحول من قائد عسكرى لحاكم مدنى) وقد أدى ذلك لعدد من النتائج الخطيرة أذكر منها مثلا:
1. إبعاد أصحاب المواهب والابتكارين حيث بدى لرجال الجيش القادمين من غياب تام عن المؤسسات التى يديرونها دون أن يعلمون عنها شيئا، ومن اللحظة الأولى لتوليهم الإدارة أن الولاء وسماع كلام السلطة الحاكمة ( تنفيذ ما تمليه عليهم حرفيا) هو كل ما يهمهم وان تدخل الموهوبين (المتفلسفين والراغبين فى التغيير) بما يطرحونه من طرق ابتكاريه للعمل لا يعلمون شيئا عن إمكانية نجاحها ولا يمكنهم أن يصيروا حكما فيما يخص ذلك، لقلة خبرتهم، هو تدخل خطر قد يكون ثمنه خسارة وظائفهم الإدارية المميزة، ومنذ تلك اللحظة بدأ سلوك شاذ فى كافة هيئات ومؤسسات مصر، سلوك استمر لمدة 60 عاما فى كل إدارات ومؤسسات مصر العامة، سلوك هدفه حماية الرؤساء من خطر الموهوبين وأصحاب الأفكار الابتكارية، حيث قرب رجال الجيش المتولين رئاسة إدارات مدنية إليهم التافهين والمتملقين، ممن لا موهبة ولا خبرة لهم وابعدوا ذوى الخبرات واضطهدوا ذوى المواهب الابتكارية، حيث لم يساعدهم علمهم المحدود ولا خبرتهم القليلة ولا المهنية التى يفتقرون لها على معرفة تفاصيل وحقيقة ما يتقدمه لهم أصحاب الابتكارات، وهو ما عنى بالنسبة لهم إسدال الستار علي أى مبتكر وعلى ابتكاره الذى يحتاج لمناقشات وتقيم، لا يمكن لرؤساء من الجيش القيام به ولا لأتباعهم من المتملقين المدنيين فى أماكن توليهم الرياسة الاعتراف به والذى سيؤدى بالتبعية لاعترافهم معه بمحدودية موهبتهم وذكائهم، وقد أدى تقريب جيل الرؤساء من الجيش لجيل من الرؤساء المتملقين المدنيين ممن لا موهبة لهم لاستمرار عرف تولى مناصب الرئاسة والإدارة فى كل مؤسسات الدولة المدنية فى مصر لرؤساء متملقين يتم اختيارهم ممن لا موهبة لهم وممن لا قدرة لهم على مراجعة ولا تصحيح أى سياسات حالية فى المؤسسات التى يتولون رياستها ولا هدف تنموى لهم ولا هم لهم فى نجاح عملى لما يديرونه وهو السلوك والعرف المستمر حتى الآن فى مصر حيث يتم تولية المناصب لكل عديم موهبة متملق وطمس كل صاحب موهبة واستبعاده بحجة أنه مشاغب، ذو سلوك سيئ.
2. وكذلك فان تولية الإدارة لرؤساء من الجيش لا يعلمون الكثير، هذا إن لم يكونوا لا يعلمون شيئا، عما يتولون رئاسته قد أدى لابتكارهم نظام ولوائح إدارية غير سليمة لا هم لها إلا إحكام سيطرة الرئيس المطلقة على كل من هم دونه مركزا وظيفيا، حيث شاعت اللوائح الإدارية الفاسدة التى تمنح الترقيات بالأقدميات ويتم فيها وضع قدر كبير من الأهمية لتقرير الكفاءة الذى يضعه المدير المباشر والذى يمكنه به تعطيل ترقية أى موظف رغم اجتهاده وتميزه فى عمله وبحجج مدهشة كحجة قيامه بسلوك غير لائق سواء تجاه رؤساؤه مثلا.
3. كذلك فان نظام الجيش الذى يطالب المنتظمين فيه بالولاء المطلق للقائد حيث تنتشر الصورة الكاريكاتيرية الشهير – والتى هى للأسف حقيقية ايضا – للعسكري الجامعى المثقف وهو يقوم بشراء الخضار لسيدة البيت الجاهلة زوجة القائد، رئيسه المباشر أو رئيس رئيسه، وكان من الطبيعى عند تولى رؤساء عسكريون لإدارات مدنية، أن يتم سيادة منطق ”الواسطة” فكل من يأتى به الرئيس العسكرى لتولى منصب أو لترقية فى موقع رئاسته المدنى يختاره فى أغلب الأحوال بناء على ترشيح رئيس عسكرى آخر ، رئيس كان لرئيس المنشئة فى السلك العسكرى وبقى رئيسا له على الرغم من تحول الأخير للعمل المدنى والذى لم يلغى من ذهنه المدير العسكرى التسلسل القيادى العسكرى القديم الذى كان تابعا له فيما سبق، فظل يعتبر أى واسطة تأتى من رؤساؤه السابقين أو حتى زملائه بمثابة أمر عسكرى لا يمكنه رفضه، وبما أن سلوك سماع الأوامر ظل ساريا طوال ستين عاما فقد زادت ”الواسطة” حتى صارت هى العرف الرئيسى فى تولى المناصب.
السعى للكفاية
هى السياسة التى اتبعها جمال عبر الناصر والذى كان ضابطا ذكى ولكنه إداريا فاشلا، ورجل دولة ليس لديه خطة اقتصادية تنموية. وسياسة الكفاية سياسة نادت بها معظم الأنظمة ذات التوجه الاشتراكى، حيث أنها أحد عناصر هذا الفكر اقتصاديا ومشكلة هذا التوجه عند التطبيق هى انه يؤدى لعدد من النتائج الخطيرة هى :
4. يؤدى لتشريع الحكومة لعدد من القوانين الاقتصادية هدفها تشجيع صناعات معينة محلية معينة وإعطائها الأولوية ومنع مثيلتها الأجنبية من التداول داخليا بمنع استيرادها أو بوضع الكثير من الجمارك عليها وهذا غالبا ما يؤدى بالصناعة المحلية للتأخر وعدم التطور فحيث أنها تثق فى كل الحالات من إقبال الجماهير على شرائها حيث لا تواجه منافسة داخل السوق المحلى وهى لا تسعى للتصدير للسوق الأجنبية حتى تحافظ على درجة من الجودة تحميها وتؤمن لها التداول رغم المنافسة فى السوق الخارجى فهى تبتعد عن التجويد أو التطور وتستغني المصانع التى تنتجها عن البحث العلمى الهادف لتطوير ما تنتجه ويكون مآلها لحالة من التردي.
5. يضطر المستهلك المحلى لتداولها سلع محلية أنتجت خصيصا ليتداولها بصرف النظر عن مستوى جودتها
6. يؤدى سلوك الكفاية لغلق السوق المحلى أمام السلع الأجنبية، وهو ما يؤدى لرد فعل مماثل من المنتج الدولى تجاه الدولة ذات السوق المغلق أمام منتجاته حيث يبتعد المجتمع الدولى عن الإقبال على الاستيراد من هذا السوق المغلق. 7. يؤدى للحد من سلطة الدولة التى يمكن لها امتلاكها اقتصاديا حيث بدلا من التوجه لإنتاج ضخم كبير فى سلعة معينة، بما يتوافق وما تملكه الدولة من مواد خام، فى سلوك طبيعى يؤدى لانتعاش البلد وامتلاكه لسلطة فى السوق العالمى بقدر ما تنتجه من المنتج المميز له، يتم تبديد جهدها الإنتاجى فى عدد كبير من الصناعات الصغيرة المخصصة كلها للإنتاج المحلى.
8. يؤدى لارتفاع غير مبرر لأسعار سلع رديئة المستوى حيث يتم إهدار جهد عمال البلد فى إنتاج كميات صغيرة من كل شىء فلا يأتى إنتاجهم رخيص – فكما نعلم كلما كان الإنتاج ضخما كلما قلت تكلفته ورخص سعره – وكذلك فان سعر المنتجات المنتجة بكميات قليلة يزيد لأنه يتساوى مع المنتجات الأكثر تطورا فيما يحتاجه من جهد وخام دون ا، يتساوى فى الجودة حيث كلما زاد الإنتاج كلما زاد تغذيته بإنتاج فكرى ابتكاري لتطويره. هذا بالإضافة لان الإنتاج القائم على مواد خام مستوردة كثيرا ما يزيد سعره عن الإنتاج الذى يتم فى البلاد التى تملك المواد الخام التى يتم منها تصنيع هذا المنتج. وحيث انه يحد من إمكانية إقامة صناعات تميمية قائمة على وجود صناعات كبرى ضخمة فهو يؤدى بشكل آخر لارتفاع نسبى فى الأسعار، وسوف أعطى مثلا لما أقصد فإنتاج صناعة أثاث فى مصر مثلا تحتاج لخشب وعند تطبيق مبدأ الكفاية قد يمكن مثلا الحد من استيراد خشب الزان الصالح لصناعة الأثاث لصالح استخدام خشب الكافور المحلى الغير صالح لصناعة الأثاث وهذا يعنى أنه بدلا من زراعة الأرض بقطن مصرى وهو واحد من أفضل المنتجات المصرية الزراعية جودة والذى يمكن استخدامه فى النهوض بصناعة ملابس عالمية الجودة والتوزيع، يتم زراعة الكثير من الأراضى بشجر الكافور لإنتاج خشب ثقيل وغير لين عند التشكيل حيث ينكسر أثناء تشكيله، وأنه بدلا من استخدام الأيدى العاملة والطاقة فى صناعة ملابس راقية من القطن قد تجد رواجا عالميا سيتم استخدامها فى تشكيل الكافور الصعب التشكيل لتحويله لأثاث غير جميل ولا مريح فهو ثقيل ويتعرض للكسر سريعا ولم يتم تصنيعه بشكل جميل حيث يصعب تشكيله وهو رغم انه استهلك الكثير من الوقت فى زراعته والوقت والجهد فى صناعته، مما جعله مرتفعا الثمن، حيث أن شغل الأرض ووقت الصانع يمثل جزء من سعر المنتج إلا انه بقى غير عملى ولا جميل وأكثر سعرا من مثيله المصنوع من خشب الزان الفاخر المستورد وقد جاء شغل الصناع و الأرض بزراعته وصناعته على حساب زراعة وصناعة القطن والملابس القطنية التى لو تم تنميتها لكانت لتحقق لمصر مكانة اكبر فى السوق الدولى، وتأثير أكبر عالميا إذا تخصصت فى هذه الصناعة وأنتجت منها الكم الضخم المناسب لتميز ما تنتجه من مادة خام مميزة..؟!
9. إن مسعى الكفاية كثيرا ما يكون غرضه وكمال هو واضح من اسمه مجرد تحقيق الكفاية للشعب من السلع الأساسية، لا تحقيق رفاهيته.
10. أما فيما يخص العلاقات الدولية فهو سياسة غبية دوليا حيث أن إنتاج ما تستخدمه يمنعك عن التداول الدولى ومن سم يمنع عملية تبادل الضغوط مع مختلف الدول التى تمالك الدولة المستوردة على المنتجين فيها قوة يمكن استغلالها عند التلويح بعدم الاستيراد وكذلك فان التصدير هو قوة أخرى مضافة يمكن للدولة استغلالها أحيانا بالتلويح بعدم التصدير.
التسكين
هذا السلوك شائع فى الأنظمة التى يتولى الجيش فيها مقاليد الأمور لفترات طويلة حيث يتم فى هذه الدول مواجهة المشكلات الاقتصادية بدعاية كاذبة تستخدم كمسكن وقتي لا يحل المشاكل ولكن يخدر الشعب حتى يمر من صدمة مواجهته لأثار مشكلة اقتصادية ما..! وبطرق الكذب والتصريحات المضللة وإخفاء الحقائق يتم تمرير الأثر الاقتصادى الناتج عن المشكلة الاقتصادية بالتدريج، وغالبا ما يتم استخدام مقولات حماسية فى هذه الأحوال كالمؤامرة الخارجية ومحاولات التدخل الأجنبى لإلهاب حماس الشعب فى اتجاه آخر وتسكينه حتى يعتاد على الأثر الاقتصادى الناتج عن المشكلة الاقتصادية وهذه السياسة الدعائية التضليلية التى يتم بها معالجة كل مشكلة اقتصادية لا بهدف الحل ولكن فقط للعمل على تمريرها بلا غضب شعبى ولا مظاهرات أو إضرابات يتركز خطرها فى أنها تؤدى لتكدس المشكلات بلا حلول وتؤدى أيضا لعدم دراية الشعب بأوضاع بلده ولغياب تام لأى فكر اقتصادى إصلاحي يمكن له أن ينمو داخل الجامعات والمنظمات الاقتصادية أو داخل الهيئات البحثية والعلمية ففضلا على انه لا يم حل المشكلات الاقتصادية التى تواجه الدولة من النظام الحاكم فهو أيضا لا يقوم بالإعلان عن وجودها حتى يتم تقديم أطروحات لحلها من جهات أخرى. وهذا ما نجده فى مصر، حيث لا يقدم الحزب الحاكم أى سياسيات واضحة تقترح أو تقوم بحل مشكلات مصر الاقتصادية ولغياب الحقائق لفترات طويلة فان عادة عدم تقديم الحلول والسياسات الاقتصادية التى تقترح حلول لمشاكل مصر من الأحزاب المصرية الأخرى قد استقرت فى خطابهم السياسى ، وهو ما نتج عنه غياب الأطروحات التى تناقش مشاكل مصر الاقتصادية وتقترح الحلول لها عن الشارع المصرى وحبسها فى حجرات الدراسة الضيقة.
سحب الأموال
هو إجراء يتم فى الدول التى تغيب عنها الديمقراطية، الدول التى تتميز بوجود مصادر معينة مستقرة للدخل القومى. وفيه يتم تقديم رشاوى لجهات حكومية من رجال أعمال ينتمون مباشرة للحكومة أو يتعاونون معها ليتم منح لهم مميزات وقتية لاحتكار سلعة ما والتحكم فى سعر هذه السلعة، ثم يتم رفع السعر بشكل كبير جدا وغير معقول لفترة محدودة وذلك بعد افتعال أزمة ما كتأخر كميان ضخمة مستوردة من السلعة أو الإدعاء بغرق السفن المحملة بها أو منع الحكومة لاستيرادها لفترة قصيرة، وأثناء هذه الفترة يتم تحصل رجل الأعمال المحتكر لإنتاج أو استيراد السلعة موضوع الأزمة المفتعلة على مكاسب خيالية ثم يتم فيما بعد فترة الأزمة المفتعلة المحدودة إعادة الأسعار لمستوى قريب من سعرها السابق ولكن بعد رفع السعر قليلا، وحيث غالبا ما تكون هذه السلعة مهمة جدا لصناعة ما ضرورية للاقتصاد القومى، فإن هذه الأزمة المفتعلة تؤدى لامتصاص معظم الأموال السائلة المتوفرة والمتداولة بين أبناء الطبقة المتوسطة المصرية، وهذه الأزمات كثيرا ما شاهدناها فى مصر وسوف أذكر هنا عدد من الأمثلة لها ، ”أزمات الذرة الصفراء” والذرة الصفراء سلعة مستوردة تدخل كعنصر أساسى مكون لعلف الدجاج الذى يتم تربيته فى المزارع والذى منذ تنشيط صناعة تربيته حل الكثير من أزمة غلاء اللحوم فى مصر، وقد أدت الأزمات المفتعلة العديدة والتى يتم فيها رفع سعر علف الدجاج للضعف بعد إجراءات حكومية تمنع الاستيراد أحيانا، أو بعد شائعات تتعلق بتعطل الاستيراد فى حالات أخرى، لإفلاس العديد من مربى الدجاج، والذين يمثلون أصحاب صناعات صغيرة حيث كانت كثيرا ما تمتص الأزمة الواحدة مكسب عدة سنوات من العمل فى هذه الصناعة، كما كانت تمتص الكثير من الأموال من بيوت المستهلكين المباشرين نتيجة مضاعفة أسعار الدجاج فى بعض الأوقات. نفس السلوك تكرر فيما يخص ”الحديد المسلح” المستخدم فى البناء فباحتكاره لدى منتج واحد قريب من السلطة ونظرا لتحكم وزارة الإسكان والتعمير وقدرتها على زيادة الطلب فى بعض الأوقات القصيرة بصورة كبيرة على حديد التسليح، حيث يمكنها إجبار صغار ملاك الأراضى من الحاصلين على أراضى مخفضة من الدولة على الالتزام ببناء الدور الأول فى أراضيهم فى خلال شهر أو اثنين وهو ما يعنى الإقبال الشديد على مواد البناء فى وقت قصير ، هذا هو الوقت الذى يتم فيه غالبا زيادة أسعار حديد التسليح لأسعار خرافية، وهو ما يؤدى لكسب كبير لمحتكر واحد أو عدة محتكرين لسلعة حديد التسليح وخسائر تمتد لعدة سنوات لأبناء الطبقة المتوسطة الذين يبقون لعدة سنوات وهم يسددون قروض كبيرة تم الحصول عليها بضمان مرتباتهم لتأمين شراء حديد التسليح المبالغ فى سعره ، أى أن أصحاب سلع البناء الذين استفادوا من أزمة مفتعلة نتيجة قرار غير متبصر قاموا مسبقا وبمساعدة من قطاع البنوك بسحب نصف أو ثلاث أرباع دخل كبار موظفى الدولة ممن أمكنهم شراء قطع أرض محدودة وكان يمكن لهم بنائها بشكل مريح وبمواصفات أفضل لو أتيح لهم التمهل فى هذا البناء والاحتفاظ بمرتباتهم وعدم التورط فى قروض تستولي على معظم مرتباتهم لقاء فائدة مرهقة ولدفعها فى سلع ذات سعر مضاعف أو أن أصحاب سلع البناء رهنوا كبار موظفى الدولة كرهائن لدى أقاربهم العاملين فى الخليج ممن تم الاقتراض منهم، أو أنهم قاموا بشفط ودائع عدد من كبار موظفى الدولة كانوا قد عملوا بها مسبقا فى دول خليجية وأودعوها فى البنوك كمدخرات تساعد على قوة اقتصاد بلدهم وتحقق لهم نوع من الأمان النفسى والاجتماعى، والاقتصادي نتيجة لما تدره من ودائع. وهذا ايضا ما يتم حاليا – ولكن بدون افتعال أزمة، حيث تقوم أزمة عدم توفر وسيلة مواصلات عامة محترمة بدور الأزمة المفتعلة – فى ” قرض السيارة” فالبنوك التى تقدم قروض مبالغ فى فوائدها لشراء العربات تعمل لصالح صناعة تجميع العربات التى تنتشر مرحليا فى مصر حاليا، ولصالحها الشخصى بالطبع هذا إذا كانت تمتلك ضمانات حقيقية للقروض التى تمنحها بفوائد كبيرة لا تقل عن 9% وتصل أحيانا لـ 33% ، فبعد تهاون العلامات التجارية العالمية أمام الأزمة الاقتصادية والركود عالميا فى بيع السيارات، بعد تساهلها فى بيع حقوق استغلال اسمها التجارى أقبل رجال الأعمال المحليين أولا على استيراد العربات ثم على تجميعها، ونلاحظ أن تشجيع البنوك للمواطنين للاقتراض لشراء السيارات جاء فى وقت قل فيه الدخل القادم من دول الخليج بعدما تم الاستغناء عن الكثير من العمالة المصرية فى الخارج أو تم تقليص ما تحصل عليه من مرتبات وهو ما أدى بهذه البنوك للتركيز على سحب أموال المرتبات الحكومية، وهو ما يعنى زيادة مطردة إضافية فى التضخم وفى الفقر ومزيد لتذويب الطبقة المتوسطة المصرية والمزيد من العمل على تحويل بقاياها لطبقة فقيرة. والمثال الأخير يشبه كثيرا ما حدث عندما سحبت شرطات الموبايل كل الفائض من أموال فى مصر عند بداية تقديمها لخدمات استخدام التليفون المحمول بأسعار مبالغ فيها وكانت هذه الخدمة محتكرة من جانب شركتين فقط وبناء على رغبة حكومية. وقد ساعد تكرار هذا السلوك التآمري ما بين الحكومة ورجال أعمال فاسدين يقومون بتقديم الرشاوى لها، على سحب كل ما كان متوفرا فى مصر من مدخرات العاملين فى دول الخليج ومن مدخرات كبار موظفى الدولة المصرية وطبقتها المتوسطة التى تحولت لطبقة فقيرة بعدما تم إما سرقة مدخراتها فى غلاء وأزمات مفتعلة أو منعها من الادخار بعد توريطها فى عدد ضخم متواصل من القروض. ولاشك أنه عندما تم امتصاص وسحب المال من الطبقة الوسطى المصرية وتحويله لحسابات قلة من رجال الأعمال المتعاونين مع عدد من كبار رجال السياسة فى مصر، فانه قد تم الإضرار بتنمية الاقتصاد المصرى الذى تعرض نتيجة ذلك لسلبيات عديدة كـ:
11. الارتفاع المستمر للأسعار ليس استجابة لمقتضيات السوق ولكن حرصا لحصول المنتجين والتجار على أكبر مكسب ممكن تخوفا من نشوء أزمة مفتعلة قد تؤدى بالكثير من المكاسب للضياع مرة واحدة، وأيضا نتيجة لرفض المحتكرين لعودة الأسعار لنفس المستوى السابق بعد كل أزمة عجز يفتعلونها، و إبقاءهم لأسعار السلع والمواد التى تدخل فى إنتاج سلع هامة، والتى يحتكرونها، ويتلاعبون بأسعارها فى سعر أعلى من السعر السابق لها بعد انتهاء كل أزمة عجز.
12. القضاء على عدد كبير من الصناعات الخفيفة، حيث أن سلوك افتعال أزمات عجز فى سلع، هى فى الحقيقة مواد تدخل فى إنتاج سلع هامة، ما لزيادة أسعارها، وما ينتج عنه من زيادة لأسعار سلع مرتبطة بالسلعة التى يتم افتعال العجز بها، مع ما يترتب على ذلك من قلة للطلب عليها، قضى على وجود صناعة صغيرة مستقرة وقضى على عدد كبير من الصناعات الصغيرة، حيث أدى المرة بعد الأخرى إلى إفلاس الكثير من رجال الإعمال (ورجال أعمال المحتملين) من أبناء الطبقة المتوسطة وجعل سوق الصناعات الصغيرة كصناعة تربية الدواجن والحيوانات المنتجة للحوم والألبان والبيض وصناعة البناء صناعات غير مستقرة وغير آمنة ولا مشجعة لاستمرار عمل رؤوس الأموال الصغيرة وبالتالى أحجم الكثيرون من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة عن مزاولة أعمال إنتاجية وصناعية وفضلوا الاستثمار فى التجارة والعمل كوسطاء وسماسرة وتجار جملة وهو ما قضى على إمكانية قيام طبقة متوسطة من البرجوازية المصرية، من الصناع ورجال الأعمال المنتجين.
13. كما ادعى عدم استقرار السوق المحلى وتخبطه والناتج عن هذه الأزمات المفتعلة لخوف رؤوس الأعمال الأجنبية وتفضيلها فى حالة العمل فى مصر، إما العمل فى شراكة مع الكيانات الكبرى التى يشارك فيها رجال أعمال من السلطة أو متعاونين معها، أو تداول مقادير صغيرة من أموالهم فى البورصات المصرية.
14. توقف التنمية الناتج عن: اختفاء دخول عناصر جديدة، ونمو فى أعداد رجال الأعمال، وإضافة المزيد من الشرفاء لهم، وإتاحة الفرصة للصغار منهم للنمو بطرق شريفة، وما تبع ذلك من مزيد من تضاؤل التصنيع والتركيز على التجارة التى زاد الإقبال عليها رغم تعرضها هى الأخرى لموجات متتالية من الخسائر بسبب انخفاض الطاقة الشرائية وعدم استقرار السوق. 15. إن تقلب الأحوال فيما يخص الصناعات الخفيفة وإغلاق أسواق الصناعات الثقيلة التى صارت غير آمنة لكل من لا يتعاون مع النظام، وفتح الأبواب لصناعات متوسطة ثم القيام بسحب كل ما تحصلت عليه من مكاسب وترك القائمين عليها بلا دخل مستقر، بعدما تم سحب ما كانوا قد حققوه من مكاسب ( فى أزمات عجز لمواد تدخل فى إنتاج سلع ضرورية) قد أدى لعدم استقرار فى صناعة السياحة الداخلية وأدى إلى تدهورها.
16. انخفاض الطاقة الشرائية.
17. انخفاض القدرة على توفير فرص عمل.
18. القضاء نهائيا على إمكانيات تطوير صناعات صغيرة وتحويلها لصناعات أخرى إما مرتبطة بالصناعة الموجودة فى الساحة المصرية، أو لمرحلة أكثر تطورا من الصناعات الموجودة.
19. هذا بالإضافة طبعا لما أدى له اختفاء طبقة من رجال الأعمال الوطنيين متوسطى الثراء، لاختفاء ما يؤدى له وجود هذه الطبقة وطموحها فى الثراء لمزيد من التنمية ولابتكار وسائل بسيطة ومحلية لتطوير الصناعات التى يقومون بها لتحقيق إنتاج ومكاسب أكثر. 20. انخفاض الاهتمام بالاختراع والبحث العلمى والإنتاج الفكرى المرتبط بالصناعات الأكبر حيث يوجه الاهتمام الأكبر لتامين العلاقة بالسلطة والتى مع تأمينها، يصبح انخفاض سعر السلعة ليس هدف منتج السلع المحلى، وبالتالى فإحلال التكنولوجيا المستوردة الباهظة التكلفة بأخرى محلية رخيصة تطبق ليست مسعاه حيث يتأكد دائما من قدرته على بيع منتجه غالى السعر فى السوق بأى وسيلة ممكنة تسهلها له السلطة كفرض الجمارك على المثيل المتورد بالإضافة إلى الاحتكار ، إلى آخر تلك الوسائل.
21. بعد سحب أموال العاملين فى الخليج والخارج والأموال الناتجة عن الانفتاح تم سحب الأموال المتمثلة فى الأجور المرتفعة نسبيا لكبار موظفى الدولة وهو ما يعنى تحول الجميع لفقراء وهو ما يعنى تدهور تام فى مستويات كل أنواع الخدمات
تسهيلاً على زوارنا الكرام يمكنك الرد من خلال تعليقات الفيسبوك
|
|