القدرة على الحلم د. محمد حبيب
الأربعاء 02-05-2012
كان مما وعيناه وتعلمناه على يد أساتذتنا الأماثل أن السياسة بمعناها
العام هى إتقان فن الممكن، وأن السياسى البارع هو الذى يستطيع أن يتحرك فى
سهولة ويسر فى المساحة التى تتاح له، وهو الذى يتمكن من تطويع الأدوات
الموجودة بين يديه، فضلاً عن استخدام الوسائل المختلفة واتباع أفضل
الأساليب فى المناورة والالتفاف لتحقيق أكبر قدر من الفائدة لمصلحة فكرته
وجماعته.. وفى ظل النظم المستبدة، عادة ما تكون المساحة المتاحة ضئيلة
للغاية، إن لم تكن منعدمة، ولا يكون أمام السياسى المعارض إلا أن يكون رد
فعل لما تقوم به هذه النظم من ممارسات، وما يمكن أن تقدمه من تسهيلات
محدودة ومتواضعة ربما بهدف تحسين وجهها وتجميل صورتها.. أحياناً ما تكون
هذه الممارسات قمعية باطشة، متجاوزة كل الخطوط الحمراء، وهو ما يضع السياسى
المعارض أمام خيارات صعبة.. فإما أن ينحنى وينثنى ليجد لنفسه موطئ قدم فى
كنف النظام المستبد، فيفقد بذلك قيمه ومبادئه ووهجه، وجمهوره.. وإما أن يقف
شامخاً صلباً، فيتم استبعاده وإقصاؤه وربما تغييبه خلف الأسوار، لكن يبقى
احترامه لذاته وتقدير الجماهير له.. وإما أن يختط لنفسه طريقاً بين هذا
وذاك، يقاوم فى لين حينا ويراوغ فى ضعف حينا آخر.. وهذا الصنف يظل حاضراً
داخل المشهد، لكنه لا يحقق شيئاً ذا بال.
قبل 25 يناير 2011، كانت هناك مقاومة صلبة من بعض النخب السياسية
لنظام الرئيس المخلوع، لكنها كانت تتحرك فى حدود المتاح.. رغم ذلك لاحظنا
وجود مقاومة من نوع مختلف، تحاول أن تأخذ بزمام المبادأة بعيداً عن النخب
السياسية التقليدية.. ظهرت «كفاية» فى نهاية عام 2004، إضافة إلى نشأة بعض
الحركات المحدودة، ثم «6 أبريل» عام 2008.. كما برزت فى تلك الآونة مئات من
حركات الاحتجاج الاجتماعى، كتعبير واضح عن غياب الطبقة الوسطى ووجود هوة
سحيقة بين قلة تحتكر السلطة والثروة وغالبية مسحوقة لا تكاد تجد ضروريات
الحياة.. وكان مؤدى ذلك كله ضرورة إحداث تغيير جذرى لنظام الحكم الموجود
آنذاك، حيث لم يعد ينفع معه أى إصلاح أو ترميم.. كانت هناك كتابات ترصد
الواقع وما فيه من تردٍّ وتدهور وانهيار.. لم تكن تلك الكتابات تقف عند
السطح لكن تنفذ.. كانت تبشر بالثورة، وأنها قادمة لا محالة.. وعلى العكس،
لم تكن القوى التقليدية المحافظة ترى ذلك.. كانت للأسف فاقدة للحلم، فهى لم
تعتد عليه، وكانت ثقتها فى قدرات هذا الشعب ضعيفة وواهية.. كانت تعتقد أنه
لانَ واستكان فى مواجهة القمع والبطش والتنكيل الذى مورس فى حقه عقودا
طويلة.. ووقعت الحادثة المروعة للشاب السكندرى خالد سعيد، ثم الانتخابات
النيابية التى تم تزويرها بالكامل والتى بدت كفعل فاضح فى الطريق العام..
وكانت ثورة تونس الملهمة والموحية.. وكان الخروج العظيم للشعب المصرى..
كانت لحظة فارقة فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ الثورات، حيث خرج الشعب بكل
شرائحه وفئاته ومكوناته فى مشهد يفوق التصور ويتعدى حدود الخيال؛ الشيخ مع
القسيس، الرجل إلى جوار المرأة، الغنى مع الفقير، المحجبة فى معية السافرة،
المُسيَّس يقف إلى جانب غير المسيس..كانت ثورة بيضاء، واكبها تضحيات غالية
من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. وفى أيام معدودات
سقط رأس النظام...
يا سادة لا تتوقفوا عن الحلم وثقوا فى الشعب المصرى، فهو قادر فى اللحظات الحرجة على الفرز والتصنيف.