إتاحة.... لا..... إزاحة د. إبراهيم عرفات
الثلاثاء 08-05-2012
عيش حرية عدالة اجتماعية. ثلاثية خرج المصريون يطالبون بحقهم فيها بعد
صبر أيوب. خرجوا من أجلها بعد أن استأمنوا مبارك عليها ثلاثين سنة ثم
أيقنوا أنه لم يكن مهتماً بإتاحتها من الأصل. أزاحهم فلما خان الأمانة
أزاحوه. أزاح المواطنين وأتاح الفرصة للانتهازيين. وهؤلاء لما حصلوا على
الإتاحة كاملة مارسوا الاستباحة كاملة فأزاحوا غالبية الشعب إلى مربع
الفقر. ثار المصريون ليستردوا دولة الإتاحة وليقضوا على دولة الإزاحة. كان
كلامهم فى الأسابيع الأولى بسيطاً وعظيماً: كلنا مصريون، لنا نفس الحقوق
وعلينا نفس الواجبات، لكن الثورة تعثرت. وقد تتعثر أكثر إن لم يتذكر كل من
شارك فيها لماذا غامروا وأشعلوها. ألم يشعلوها لكى تكون مصر متاحة لكل
المصريين؟ لكن ماذا حدث؟ بدأ منطق الإزاحة يغالب منطق الإتاحة. البرلمان
معرض للإزاحة لأن قرار حله موجود فى «الدرج». واللجنة التأسيسية الأولى
للدستور التى حُلت قامت على الإزاحة لا الإتاحة. ومحاولات تأسيس اللجنة
الثانية لم تسلم بعد من عقول ما زالت مسكونة بمنهج الإزاحة.
الإزاحة خطر عظيم خاصةً أن الناس باتوا معبئين. لا يوجد تيار أو حتى
فرد واحد مستعد لأن يزاح هكذا من المشهد بسهولة. ولا سبيل للنجاة إلا
بالإتاحة. وهى ليست إجراءات تنظيمية وإنما وعى وتصور لشكل العلاقة مع
الآخرين. والكل مدعو من مختلف أطياف اللون السياسى إلى لحظة تعقل وتذكر.
شعر البعض بنشوة انتصار مزيفة فتصور أن الغنيمة له وأن خطاب الإتاحة مرسل فقط على عنوانه.
الإزاحة لا تبنى وطناً بل هى مقدمة للاستباحة. لقد كانت مصر طيلة
الجمهورية الأولى (1952-2011) دولة إزاحة. ولن يميز الجمهورية الثانية إلا
ميلاد دولة الإتاحة. وإذا كان البعض يخشى ألا يزيد رئيس مصر القادم عن
«مبارك بشرطة»، فأخشى بجانب هذا ألا يزيد المجتمع المصرى بعد الثورة عن
«مجتمع بشرطة». يتكلم عن الإتاحة وكسر حاجز الخوف ليقع فى خطيئة الإزاحة
وتعدى حاجز القانون. العقلاء فقط يفهمون أن البناء لا يتم بإزاحة من فى
الوطن وإنما بإتاحة الوطن للجميع. لكن ألا تلاحظون أن العقلاء فى بلدنا وإن
كانوا كثر إلا أن من لا يستمعون إليهم باتوا ربما أكثر؟