سألنى قارئ كريم التقيته عرضا فى الشارع عن عمود لى كتبته فى أول يونيو 2011، نسيته وتذكره. ويبدو أنه أخذه بجدية جعلته يفكر فيه وكأنه رهان على مستقبل ثورتنا. وكان سؤاله حول المدة الزمنية التى سننجح فيها فى التخلص من النظام القديم. وكان عنوان المقال: 18 و18. وكان مما جاء فيه أننا أسقطنا مبارك فى 18 يوما، وسنحتاج 18 شهرا كى نسقط القواعد الرسمية للنظام (REGIME) وسنحتاج سنوات أكثر للقضاء على الثقافة التى أنتجته. وهى معجزة سياسية بكل المعايير إن نجحنا فى أن نتخلص من رؤوس هذا النظام وبعض قواعده الأساسية خلال عام ونصف العام عبر انتخاب رئيس جديد والتأسيس لدستور جديد. نظام نجح فى ما وصفته فى إحدى مقالاتى فى جريدة «البديل» منذ ثلاثة أعوام بـ«القدرة الإفسادية للدولة». وقد أفسدت فيه النخبة الحاكمة الأغلبية المحكومة بدليل قبولهم للفساد وتعايشهم معه وخوفهم من الخروج من حضانته لفترة طويلة.
نظام مبارك لم يفسد الثمار (القرارات) فقط، ولا السيقان (المؤسسات) فقط، ولا الجذور (القوانين) فقط، ولكن التربة (الثقافة) وهى أخطر من كل ما سبق.
الثورة، كان ينبغى أن تندلع، لا يوجد عندى أدنى شك فى ذلك. وكل من وقف، ولم يزل يقف بجوارها، على حق. وكل من ينتقد الكثير من الأمور التى تجرى فى حياتنا السياسية الآن عنده الكثير من المنطق فى ما يقول. وأتذكر لحظة التقائى أحد السادة الوزراء، وكان خارج أسوار مجلس الوزراء، وكان هناك من يوجه انتقادات حادة للحكومة، فقال السيد الوزير: «عندهم حق، ناس مظلومة ومكبوتة لعقود ولا يعرفون حقيقة أوضاعنا».
لسنا بدعاً من البشر، حكومات أوروبا الشرقية بعد ثوراتهم فوجئت بكمِّ الفساد والفشل الذى كان متراكما لسبعين عاما. والحل لم يكن فى شهور ولكنه اقتضى عدة سنوات. ولنتواصَ بالحق ولنتواصَ بالصبر، ولنتذكر أن ثورة 1919 بدأت تحقق إنجازات ملموسة بعد 5 سنوات، حين فاز الوفد فى انتخابات عام 1924. ولكن البعض ينطبق عليه الآية الكريمة «منكم من يريد الدنيا» حين تعجلوا حقهم فى المغانم قبل قيامهم بواجبهم فى تأمين ظهر المسلمين فى غزوة أحد، وهو ما يعنى أننا لم نقم بحماية ظهر الثورة وأن ندافع عنها بأن نجتهد وأن نعمل، وأن نتحاور وأن نمد جذور الثقة بين القوى السياسية المختلفة.
هناك نور فى نهاية الجسر، ولكننا مصرون على حرق كل الجسور التى لا نصنعها بأنفسنا. ما المشكلة أن نسير جميعا على نفس الجسر المفضى إلى الصالح العام حتى لو كان من دعا إليه من يختلف معنا فى الرأى والرؤية؟
كن صاحب رأى، ولا تدعِ لنفسك أنك صاحب الرأى، ولا تكن بلا رأى، كما كتب الزكى النجيب محمود.
هذه الثورة تحتاج عقلا واتزانا، والقليل من البحث عن النجومية والرغبة فى تصدر المشهد.
لا تسيئوا لمصر بخصخصة ثورتها وتفتيت قوتها الصلبة. أقول للقوى السياسية المختلفة: ضحوا من أجل مصر بأن تتواضعوا لله؛ من تواضع لله رفعه، ومن ضحى من أجل مصر، سيكرمه الله وربما يكرمه المصريون أيضا، ولو بعد حين.
الثورة تمر بمراحل، وها هى تدخل فى قلب مرحلتها الثالثة ببناء مؤسسات جديدة تحل محل القديمة، فلندعمها ولنتفاعل معها بإيجابية، ولنسعد بما أنجزناه حتى الآن، ولنتطلع لما هو قادم بأمل وبعمل. ولنكن أوفياء لأرواح شهدائنا بألا تكون أرواحهم ذهبت بلا عائد.