السؤال:
ذهبتْ صديقَتِي من جدَّة إلى مكَّة، ولم تكُنْ طهرت منَ النّفاس بنِيَّة أنَّها إذا طهُرتْ قبل الرجوع إلى جدَّة ستُحْرِم وتعتمر، وبالفعل طهُرتْ فخرجت إلى الحل وأَحرمتْ بِالعُمرة دونَ اشتراطٍ، ثُمَّ حَصَلَ بينها وبين زوجها خلافٌ فلم تأت بالعمرة وعادت إلى جدَّة، وكانتْ تنوي أن تعودَ مع أحد محارمها إلى مكَّة لتُتِمَّ عمرتَها وتحلّ ... لكن زوجها قال لها: لن أذهب بك ولا أسمَحُ لك أن تذهبي. وزيادةً في إغاظتها أَرْغَمَهَا على الجِماع وهي ما زالتْ على إحرامها. والآنَ تسألُ - ماذا عليها؟ وماذا عليه؟ وما حكم تلك العمرة؟ علمًا بأنَّها أَحْرَمَتْ بِعُمرةٍ أُخرى وأتَمَّتها، ولله الحمد.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كان الأمر كما تقولين؛ فإنَّ إحرامَ تلك المرأة بالعُمْرة من التنعيم صحيحٌ ومنعقدٌ، وكان الواجبُ عليْها المُضِيّ في عُمرتها؛ فإنَّ مَن أحرم منَ الميقات قاصدًا أداءَ العُمرة فإنَّه يَجِبُ عليه القيامُ بِإِتْمامِها، اللَّهُمَّ إلا إذا حَصَلَ عُذْرٌ يمنَعُ من ذلك، فإنْ كان قدِ اشتَرَطَ عند الإحرام حلَّ ولا شيء عليهِ ومن لم يشترط تحلَّلَ ويلزَمُه ذبحُ شاة.
- معلومٌ أنَّ الجِماعَ ممنوعٌ ما دام الإنسان مُحرمًا بحج أو عمرة، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197] والمراد بالرفث الجِماع.
فالواجب على تلك المرأةِ الرجوعُ إلى مكَّة المكرمة وأن تُهِلَّ بِعُمرة قضاءً لِلعمرة التي أفْسدتْها، وما دامتْ قد رَجَعَتْ إلى مكَّة وقَضَتْ عُمرتَها فقد أدَّتْ ما عليها، وقد أوجب عليها كثيرٌ من أهل العلم المُضِيَّ في العُمرة الفاسدة ثُمَّ الإتْيَان بِعُمرة أُخرى قضاءً، ولا دليلَ صحيح على هذا القول.
كما يجِبُ عليْهَا أيضًا فِديةٌ إنْ كانتْ مُطاوعةً لِزوجِها في ذلك الجماع، أمَّا إن كانت مُكرهةً على الجِماع - كما هو الظاهر منَ السؤال- فلا شيءَ عليها إن شاء الله؛ لأنَّ المُكرَه مرفوعٌ عنهُ المؤاخذةُ؛ فقَدْ روى مُسلمٌ وغيرُه عنِ ابْنِ عبَّاسٍ وأبِي هُرَيْرَة قالا: "لمَّا نَزَلَتْ {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قال الله تعالى: قد فعلتُ" الحديثَ.
وعنِ ابْنِ عبَّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّه وضَعَ عنْ أُمَّتِي الخطأَ والنّسيانَ وما اسْتُكْرِهوا عليه" (رواه ابْنُ ماجَهْ، والحاكم وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذَّهَبِيّ، وحسَّنه النوويُّ الحافظُ، وصحَّحه الشَّيخانِ أَحْمَد شاكر والألبانِيّ).
والفِدْيَةُ شاةٌ تُذْبَح في الحرم، وتوزع على فقرائه، وهو مذهب الحنفيّة والحنابلة; واحتجوا بأنَّ العمرةَ أقلّ رُتبةً من الحجّ، فخفَّتْ جِنايتُها، وأوجَبَ المالكيّة والشّافعيّة بدنةً قِياسًا على الحجّ، والراجح الأول.
أما ما يجب على الزوج فهو الاستغفار والتوبة النصوح، والندم على أنه كان حائلًا بين زوجته وأداء العمرة، ثم جِماعه إياها وهي متلبسة بتلك الشعيرة العظيمة، ففيما فعل تعدٍ على حق الله سبحانه وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، كما أنه تعدٍ على حق زوجته وإساءة عشرتها؛ وقد قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]،، والله أعلم.