دموع تائبة تاريخ التسجيل : 31/07/2010
| موضوع: ربانيون لا رمضانيون الأحد أغسطس 26, 2012 4:42 pm | |
|
ربانيون لا رمضانيون بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أَنفسنا وسيئات أَعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأَشهدُ أَنَّ لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، وأَشهدُ أَنَّ نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله. أَدَّى الأَمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأُمةَ، وكشف الله به الغمة، جاهد في الله حق جهاده حتى أَتاهُ اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أُمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأَصحابه وأَحبابه وأَتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أَثره إِلى يوم الدين. إِننا اليوم على موعـد مع لقاء من الأَهمية البالغة بمكان وهو بعنوان: "كن ربانياً ولا تكن رمضانياً" وكما تعودنا دائماً حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أَيدينا فسوف نركز هذا الموضوع في العناصر التالية: أَولاً: الثوابت الإيمانية. ثانياً: عرفت فالزم. ثالثاً: استعن بالله ولا تعجز. فأَعيروني القلوب والأَسماع والوجدان أَيها الأَحبة، والله أَسأَل أَنّ يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أَحسنه أَولئك الذين هـداهم الله، وأَولئك هم أَولو الأَلباب. أَولاً: الثوابت الإِيمانية. أَحبتي في الله: ها هو رمضـان قد انتهى فمن كان يعبد رمضان فإِنَّ رمضان قد فات ومن كان يعبد الله فإِنَّ الله حيٌ لا يمـوت، لقد انتهى شهر الصيام، انتهى شهر القيام والقرآن، انتهى شهر البر والجود والإِحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. فليت شعري من المقبول منا في رمضان فنهنيه ومن المطرود المحروم منا فنعزيه. فيا عين جودي بالدمع من أَسفٍ على فـراق ليالي ذات أنوارِ على ليالي لشهر الصوم ما جُعِلَت إلا لتـمحيـص آثامٍ و أوزارِ ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المُصَلِي ومِنَّا القانتُ القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي من فضل أعمارِ أَيها الفضلاء الأَعزاء: مما لا ريب فيه أَنَّ الله جل وعـلا قد فضل شهر رمضـان على سائر الشهور والأَزمان، واختصه بكثير من رحماته وبركاته، ويسر الله فيه الطاعة لعباده مما لا يحتـاج إِلى دليل أَو برهـان، فأَنتَ ترى المسلمين في رمضان ينطلقون بأَريحية ويسر إِلى طاعة الرحيم الرحمن جل وعـلا، ولم لا؟ قد غُلِّقت أَبـواب الجحيم، وفتحت أَبـواب النعيم، وغـل فيه مـردة الجن والشياطين، فأَنتَ ترى الناس تقبل على طاعة الله وعبادته بأَريحية عجيبة، ولكن ما يُحـزن القلب ويؤلم النفس أَنكَ ترى كثـيراً ممن عطروا بأَنفاسهم الذكية المساجـد في رمضان يعرضون عن طاعة الله رب البرية بعد رمضان، وكأَنهم في رمضان يعبدون رباً آخر، فالإِيمان له ثوابت لا يستغني عنها المؤمن حتى يلقى الكبير المتعال، فمثلاً الصلاة: مَن مِن المؤمنـين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟ انظر إِلى المساجد في رمضان، وانظر إِلى ذات المساجد بعد رمضان. أَيها الموحدون: هل يستغني مؤمن صادق مع الله عن هذا الأَصـل الأَصيل وعن هذه الثوابت الإِيمانية حتى يلقى رب البرية وهو الركن الثاني من أَركان هذا الدين قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. وحذر الله أشد التحذير من تضييع الصلاة ومن تركها في رمضان أَو غير رمضان فقال جل وعلا:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. وقال جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 38-43]. فيا من هيأَ الله له صيام شهر رمضان لا تضع الصـلاة، فالصلاة صلة لك بالله، ومعين لك يطهرك من المعاصي والذنـوب، وفي الصحيحين من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: "من غدا إِلى المسجد أَو راح أَعَدَّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أَو راح". الراوي: أبو هريرة – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم: 662 – خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: أبو هريرة – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو الرقم: 669 – خلاصة الدرجة: صحيح. وفى صحيح مسلم من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: "أَلا أَدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال:" إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". الراوي: أبو هريرة – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو الرقم: 251 – خلاصة الدرجة: صحيح.
افترض الله على المؤمنين الصـلاة وتعبدهم بها في كل زمان ومكان حتى يلقى العبد ربه ليُسأل أَول ما يُسأَل عن الصلاة. فعن أبي هريرة قال صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: "إِنَّ أَول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإِنّ صلحت فقد أَفلح وأَنجح، وإِن فسدت فقد خاب وخسر". الراوي: أبو هريرة – المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 413 – خلاصة الدرجة: حسن غريب من هذا الوجه.
أَيها الموحدون: ومن الثوابت الإِيمانية: القرآن إِنَّ القـرآن حياة القلوب والأَرواح، القرآن حياة النفوس والصدور، القرآن حياة الأَبدان، القرآن شراب النفس وطعامها، فهل يستغني مؤمن عن روحه؟ هل يستغني مؤمن عن أَصل حياته، إِنَّ القرآن يهدي للتي هي أَقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها. إِنَّ طرف القـرآن بيد الله، وإِنَّ طرفه أَيديكم فإِذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا، ولن تهلكوا أَبداً، وهـل يستغني أَحدٌ عن أَن يكلمه الله في اليوم مرات، فمن أَراد أَن يُكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أَرادَ أَن يُكلمَه الله فليقرأَ القرآن، وهل تستغن عن ربك أَيها الموحد؟، لا تضيع القرآن بعد رمضان، واعلم أَنَّ الله قد مَنَّ عليك بالقرآن في رمضان فجعلت لنفسك ورداً يومياً، فلماذا بعد رمضان تركت هـذا الورد ووضعت المصحف في علبته كأَنك لن تحتاج إِليه إِلا في رمضان المقبل؟! فيا أَيها الحبيب الكريم: اقرأَ القرآن واعمل بما فيه، فإِنهُ يأَتي يوم القيامة شفيعاً لأَصحابه، ففي صحيح مسلم عن أَبي أَمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: "اقرؤوا القرآن، فإِنهُ يأَتي يوم القيامة شفيعاً لأَصحابه" "اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وآل عمران، فإِنهما تأتيان يوم القيامة كأَنهما غمامتان أَو غيايتان أَو كأَنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما" "اقرؤوا سورة البقرة، فإِن أَخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". الراوي: أبو أمامة الباهلي – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو الرقم: 804 – خلاصة الدرجة: صحيح.
ويقول صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "لا حسد إِلا في اثنتين رجل آتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل أَعطاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". الراوي: عبد الله بن عمر – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم: 5025 – خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: عبدالله بن عمر – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 815 - خلاصة الدرجة: صحيح.
"رجل أتاه القرآن فهو يقرأه آناء الليل وآناء النهار" أَي في سائر العام فلا تهجروا القرآن يا أُمة القرآن بعد رمضان، ومن الثوابت التي لا غنى عنها للمؤمن بعد رمضان: ذكر الرحيم الرحمن. أَخي الكريم: إِذا كنت تحافظ على الأَذكار والاستغفار في رمضان، فهل تستغني عن هذا الزاد بقية العام، إِنَّ الذكر شفاءٌ من الأَسـقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان، فرطِّب لسانك دوماً بذكـر الرحيم الرحمـن جل وعلا، واسمع لحبيبك المصطفى صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في الحديث الذي رواه أَحمد والترمـذي وصححه الأَلبانـي من حديث معاذ بن جبل يقول: "أَلا أُخبركم بخير أَعمالكم وأَزكاها عند مليككم وأَرفعها لدرجاتكم، وخير لكم من إِعطاء الذهب والفضة، وخير لكم من أَن تلقوا عدوكم فتضربوا أَعناقهم ويضربوا أَعناقكم" قالوا: بلى يا رسول الله قال: " ذكر الله عز وجل". الراوي: أبو الدرداء – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 2629 – خلاصة الدرجة: صحيح.
انظر إِلى فضل الذكر، فالذاكر في معية الله، كما في الصحيحين أَنه قال: "قال الله جل وعلا: أَنا عند ظن عبدي بي، وأَنا معه حين يذكرني فإِذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإِن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وإِن تقرب إِلي شبراً تقربت إِليه ذراعاً، وإِن تقرب إِليَّ ذراعاً تقربت إِليه باعاً، وإِذا أَتاني يمشي، أَتيته هرولةً". الراوي: أبو هريرة – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم: 7405 – خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: أبو هريرة – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح – الصفحة أو الرقم: 2675 – خلاصة الدرجة: صحيح.
فَاذكُر الله جلا وعـلا لتكون دوماً في معيتـه سبحانه وتعالى، والمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، أَما المعية العامة فهي معية العلم والمراقبة والإِحاطة والمعية الخاصة فهي معية الحفظ والنصر والعـون والمدد والتأَييد، فهل تستغني أَيها المؤمن عن معية الله جل وعلا؟! فإِذا أَردت ذلك فداوم على الذكر ولا تضع هذا النور أَبداً، ويكفي أَن تعلم أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمـذي من حديث الحارث الأَشعري الطويل "… وآمركم أَن تذكروا الله فإِنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أَثره سراعاً حتى إِذا أَتى على حصن حصين أَحرز نفسه منهم، وكذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إِلا بذكر الله". الراوي: الحارث الأشعري - المحدث: ابن العربي – المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/8 - خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: الحارث الأشعري – المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 552 - خلاصة الدرجة: صحيح.
إِذاً لابد لك من هذا الزاد لأَنَّ فيه الخير العظيم، فالذكر من الثوابت التي لا غنى عنها بحال لا في رمضان ولا في غير رمضان. ومن الثوابت الإِيمانية أَيضاً: الإِحسان إِلى الناس. إِننا نرى كثيراً من الناس لا تظهر عليهم علامات الجـود والكرم إِلا في رمضان فقط، فإِذا ما انتهى رمضان لا تجد إِلا العبوس في وجه الفقراء ولا نجد إِلا البخل والشح ولا حول ولا قوة إِلا بالله. أَنتَ قد منَّ الله عليك بالإِنفاق على الفقراء والمساكين وكثير من أَوجه الخير في رمضان فهلا عودت نفسك على الإِنفاق حتى ولو بالقليل. ففي الصحيحين من حديث عدي أَنَّ الحبيب النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: "ما منكم من أَحدٍ إِلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظر أَيمن منه فلا يرى إِلا ما قدم، وينظر أَشأَم منه فلا يرى إِلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إِلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". الراوي: عدي بن حاتم الطائي – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6539 - خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: عدي بن حاتم الطائي – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1016 - خلاصة الدرجة: صحيح.
فالإِحسان من الثوابت الإِيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن في رمضان ولا في غير رمضان حتى يلقى ربه جل وعلا. ومن هذه الثوابت الإِيمانية أَيضاً: قيام الليل. في رمضـان وُفقت بفضل الله ورحمته ومنته إِلى صـلاة التراويح والقيام فلماذا لا تستمر على هذا الدرب المنير؟ لماذا تضيع القيام بالليل. اسمع للنبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم وهو يقول في الحديث الذي رواه الحاكم وابن خزيمة والترمذي وحسنه الأَلباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أَبي أَمامة يقول: "عليكم بقيام الليل فإِنه دأَب الصالحـين قبلكم وقربةٌ إِلى الله تعالى ومنهاة عن الإِثم وتكفير للسيئات". الراوي: بلال – المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3549 - خلاصة الدرجة: غريب [فيه] محمد القرشي قال البخاري ترك حديثه.
فاعمل أَخي المسلم على أَن تُكتب من القائمين الليل ولو بركعة واعمل جاهداً أَن تكونَ من أَصحاب هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]. ومن الثوابت الإيمانية: التوبة. ما منا أَحدٍ إِلا وتابَ وأَنابَ إِلى الله في رمضان، فهل معنى ذلك أَنه إِذا انتهى رمضان انتهى زمن التوبة ولا نحتاج إِلى توبة وأَوبة إِلى الله جل وعلا؟! وانظر إِلى حال الكثير من المسلمين تجد أَنَّ الكثير منهم ينفلتون يوم العيد إِلى المعاصي والشهوات وكأَنهم كانـوا في سجن وبمجرد أَن تم الإِفـراج عنهم مغرب اليوم الأَخـير من رمضان انطلقوا وكأَنهم خرجـوا من هذا السجن وسرعان ما انكبوا على أَنواع المعاصي والشهوات كجائع انكب على الطعام من شدة الجـوع الذي أَلَمَّ به، ولا حول ولا قوة إِلا بالله، ذلك ليس بحال المؤمن الموحـد، فإِنَّ المؤمن الموحـد عمره كله عنده عبادة لرب الأَرض والسماوات فتجـده ينتقل من عبودية إِلى عبودية، ومن طاعـة إِلى طاعة ومن فضل إلى فضل، لذا يجب عليك أَن تكونَ دائماً في عبودية حـتى تلقى رب البرية، يقول النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في صحيح البخاري من حديث أَبي هريرة: "والله إِني لأَستغفر الله وأَتوب إِليه في اليوم أَكثر من سبعين مرة". الراوي: أبو هريرة – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6307 - خلاصة الدرجة: صحيح.
النبي صلوات الله عليه وسلامه يقسم بالله، أَنه يتـوب ويستغفر الله في اليوم أَكثر من سبعين مرة وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأَخر، بل وفي رواية مسلم قال "يا أَيها الناس توبوا إِلى الله واستغفروه فإِني أَتوب إِليه واستغفره في اليوم مائة مرة". الراوي: الأغر المزني – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2702 - خلاصة الدرجة: صحيح.
هذا حال سيد الخلق أَجمعـين وإِمام المرسلين فما حالنا؟! فالتوبة من الثوابت الإِيمانية التي لا غنى عنها لمؤمن بعد رمضان، وهذه بعض الثوابت التي نحافظ عليها في رمضـان، ويتخلى عنها أَكثرنا بعد رمضـان، فأَحببت أَن أُذكر نفسي وأَحـبابي وأَخواتي بهذه الثوابت الإِيمانيـة التي لا يستغني عنها مؤمن بحال حتى يلقى رب البرية جل وعلا. ثانياً: عرفت فالزم. ذقت حلاوة الإِيمان وعرفت طعم الإِيمان، عرفت هذا في رمضان، ما منا من أَحدٍ صام وقام رمضـان وقام ليلة القـدر إِلا وذاق هذه الحلاوة، حلاوة شرح الصدر وسرور القلب، عرفت فالزم، الزم هذا الضرب المنير، واستقم على هذا الصراط المستقيم، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: "يا أَيها الناس عليكم من الأَعمال ما تطيقون فإِنَّ الله لا يمل حتى تملوا، وإِنَّ أَحب الأَعمال إِلى الله ما دووم عليه وإِن قل". الراوي: عائشة –المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 782 - خلاصة الدرجة: صحيح. وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: "كان رسول الله إِذا عمل عملاً أَثبته" الراوي: عائشة –المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 782 - خلاصة الدرجة: صحيح. . أَي داوم عليه وحافظ عليه. وفي صحيح مسلم من حديث أَبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفـي أَنه قال للنبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم "قل لي في الإِسلام قولاً لا أَسأَل عنه أَحداً بعدك". قال الحبيب: "قل آمنت بالله ثم استقم".الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 38 - خلاصة الدرجة: صحيح.
قل آمنت بالله ثم استقم، أَي استقم على ضرب الإِيمـان، استقم على طريق التوبة، استقم على طريق الاستغفار، استقم على طريق قيام الليل، استقم على طريق الإِحسان، استقم على طريق هذه الثوابت الإِيمانية التي أَعانك الله عليها في رمضان، قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30-32]. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا قرأَها يوماً على المنبر عمر بن الخطاب فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ثم استقاموا على منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب، والاستقامة هي المداومة والثبات على الطاعة. أَيها الحبيب الكريم: عرفت فالزم.. الزم هذا الدرب ولا تنحرف عنه. أَقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية إِنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعـوذ بالله من شرور أَنفسنا، وسيئات أَعمالنا من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له. وأَشهد أَنَّ لا إِله إِلا الله وحـده لا شريك له وأَشهد أَنَّ محمـداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأَصحـابه وأَحبابه وأَتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أَثره إِلى يوم الدين. أَما بعد أَيها الأَحبة الكرام، ثالثاً: استعن بالله ولا تعجز. من أَعانه الله على الطاعـة فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول لا حول ولا قوة إِلا بالله، لا حول لك على طاعته، ولا قوة لك على الثبات على دينه إِلا بمدده سبحانه فاستعن بالله ولا تعجز واتقه ما استطعت واطلب المدد والعـون منه أَن يثبتك على طريق طاعته وعلى درب نبيـه وتدبر وصيته لمعاذ بن جبل. كما في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمذي وغيرهما أَنَّ النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال لمعاذ بن جبل يوماً: "يا معاذ والله إِني لأُحبك، فقال: أُوصيك يا معاذ، لا تدعن في كل صلاة - وفي رواية- دبر كل صلاة أَن تقول: اللهم أَعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". الراوي: معاذ بن جبل – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 1302 - خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: معاذ بن جبل – المحدث: أبو داود – المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1522 - خلاصة الدرجة: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
نعم اطلب العون والمـدد من الله على عبادته سبحانه وأَنتَ إِن سلكت هذا الدرب المنير لن يخزك الله أَبداً، أَليس هو القائل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. هذا وعد منْ؟! وعد رب العالمين، ورب الكعبة سيصرف الله بصرك عن الحرام، وسيصرف الله قلبك عن الشـهوات والشبهات، وسيحفظ الله فرجك من الحرام، وسيصرف الله يدك عن البطش في الحـرام، وسيصرف الله قدمك من الخطأَ الحرام، فأَحسن أَيها المسلم الموحـد ليكون الله معك، فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجَّاه، ومن فوض إليه أُموره كفاه، قال جل في علاه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ …} [الزمر:36]. علق قلبك بالله سبحانه فهو الغـني الذي لا تنفعه الطاعـة ولا تضره المعصية، ومع ذلك لو تاب إِليه عبده الفقـير الحقير مثلي لفرح بتوبته وهو الغني عن العالمين يقول النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: "لله أَفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أَرض دوِّيَّة مهلكةٍ، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأَسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إِذا اشتد عليه الحر والعطش أَو ما شاء الله – قال: أَرجع إِلى مكاني الذي كنت فيه فأَنام حتى أَموت فوضع رأَسه على ساعده ليموت فاستيقظ، فإِذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه فالله أَشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده". الراوي: عبدالله بن مسعود – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2744 - خلاصة الدرجة: صحيح.
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رَضِي الله عنْهُ: "قدم على النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم سَبْيٌ، فإِذا امرأَة من السَّبْي تحلُب ثديها تسقي، إِذا وجدت صبياً في السبي أَخذته، فألصقته ببطنها وأَرضعته" فقال لنا النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: "أَترون هذه طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا، وهي تقدر على أَن لا تطرحه، فقال" لله أرحم بعباده من هذه بولدها". الراوي: عمر بن الخطاب – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5999 - خلاصة الدرجة: صحيح.
والله لو تدبرت هذا الحديث لوقفت على العجب العجـاب، لذا قال أَحد السلف: اللهم إِنك تعلم أَنَّ أُمي هي أَرحـم الناس بي وأَنا أَعلم أَنكَ أَرحـم بي من أُمي، وأُمي لا ترضى لي الهـلاك أَفترضاه لي وأَنت أَرحم الراحمين؟!! نعم إِنها رحمة الله جل وعلا، ينادي بها على عباده بهـذا النداء الندى العذب: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]. إِنها رحمة الله التي وسعت كل شيء فاستعن بالله ولا تعجز، و إِن زلت قدمك عُد وإِن زلت أُخرى عُد، وإِن زلت للمرة الأَلف عُـد، واعلم بأَنَّ الله لا يمل حتى تملّوا، نحن عبيـده هو الذي خلقنـا ويعرف ضعفنا وفقرنا وعجزنا لذا لا يريد منا الطاعة وإنما يريد منا العبودية له سبحانه وتعالى. فالطاعة لك أَنت، فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ففي صحيح مسلم من حديث أَبي إِدريس الخولاني عن أَبي ذر أَنَّ رسول الله قال: قال الله تعالى: "... يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا على أَتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا على أَفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً...". الراوي: أبو ذر الغفاري – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2577 - خلاصة الدرجة: صحيح.
أَيها الموحد: استعن بالله على الطاعة، واستعن بالله على أَن تثبت على هذا الدرب المنير، واعلم يقيناً أَنَّ من أَعظم الأَسباب التي تعين العبد على أَن يثبت على طاعة الله جل وعـلا أَن يكونَ وسطاً معتدلاً في طاعته لربه، لا غلواً في الإِسلام ولا تنطع، فخـير الأُمور الوسط، لا غلو، لا إِفراط، لا تفريط، لذا يقول المصطفى: "إِنَّ الدينَ يسرٌ ولن يشاد الدينَ أَحد إِلا غلبه فَسَدَّدوا وقاربوا و أَبشروا واستعينوا بالغَدْوَةِ والرَّوحة وشيء من الدُّلْجة". الراوي: أبو هريرة – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 39 - خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: أبو هريرة – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1611 - خلاصة الدرجة: صحيح.
وعن أَنس بن مالك قال: دخـل رسول الله فإِذا حبل ممـدود بين الساريتين فقال: "ما هذا الحبل؟" قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: "لا، حلّوه، ليصل أَحدكم نشاطه، فإِذا فَتَرَ فليقعد". الراوي: أنس بن مالك – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1150 - خلاصة الدرجة: صحيح.
وكلكم يعلم قصـة الرهط الذين جاءوا لبيوت النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم والحديث في الصحيحين من حديث أَنس: "جاء ثلاثة رهط إِلى بيوت أَزواج النبي يسأَلون عن عبادة النبي فلما أَخبروا كأَنهم تقالوها، فقالوا: وأَين نحن من النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم؟ فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأَخر، فقال أَحدهم: أَما أَنا أُصلي الليل أَبداً، وقال آخر: أَنا أَصومُ الدهر ولا أُفطر، وقال آخر: أَنا أَعتزلُ النساء فلا أَتزوجُ أَبداً، فجاء إِليهم النبي فقال:" أَنتم الذين قلتم كذا وكذا، أَما والله إِني لأَخشاكم لله وأَتقاكم له لكني أَصوم وأُفطر، وأُصلي وأَرقُد وأَتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". الراوي: أنس بن مالك – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5063 - خلاصة الدرجة: صحيح، الراوي: أنس بن مالك – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1401 - خلاصة الدرجة: صحيح.
نعم لقد جمع النبي هذا المنهج الوسط وحوله إِلى منهج عملي على أَرض الواقع في هذا الدعاء الرقيق الرقراق الذي رواه مسلم فقد كان النبي يدعو الله ويقول: "اللهم أَصـلح لي ديني الذي هو عصمة أَمري، وأَصـلح لي دُنياي التي فيها معاشي، وأَصلح لي آخرتي التي إِليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر" .الراوي: أبو هريرة – المحدث: مسلم – المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2720 - خلاصة الدرجة: صحيح. إِنه منهج الوسط.. منهج الاعتدال، لقد جمـع النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم بكلماته هذه بين خيري الدنيا والآخـرة لأَنَّ من كسب الدنيا بالعمل الصالح كسب الآخرة بإِذن الله، ومن خسر الدنيا بالعمل السيئ خسر الآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تسهيلاً على زوارنا الكرام يمكنك الرد من خلال تعليقات الفيسبوك
|
|