سدت فى وجهي الآفاق بعدما شحت الأموال والأرزاق ، لكننى لم افقد الرجاء والأمل ، فقلت لابد من العمل ، وخرجت من الدار فى الصباح قبل أن تبدأ الديكه فى الصياح ، ورحت اتمشى فى الطريق باحثا عن صاحب او صديق ، يفرج عنى الكربه ، وأنا فى بلاد الغربه ، وتمشيت ساعة فى غير طائل ، فاذا بي التقي الرجل الفاشل ، الصديق أبو كامل ، فصاح بي حياك الله يا ابن هشام ، أين كنت فى هذه الأعوام ، قلت له لقد ذهبت أيام المال ، وأصبحت فى اسوأ حال ، فقصدت هذه المدينة بحثا عن عمل .
فقال سأساعدك أجل ، وأخبرني أنه الآن صاحب دار للصحافة ، يعمل فيها ذوو الرأي والحصافه ، وأنه ليس غبيا كما كان ، بل أصبح كاتبا مشرق ألبيان ، يشار اليه بالبنان ، وأنه خلال بضعة سنين أصبح من أصحاب الملايين
فأصبت والله بالأستغراب ، من هذا العجب العجاب ، اذ كيف يمكن لرجل فاشل ، أن يصبح من الكتاب الفطاحل ، لكنه عندما رأى فى وجهي علامات الأستنكار ، ضحك بغرور وأستكبار ، ثم راح يعطيني النصيحة ، وكأنها ألفضيحة قال :
اذا أردت أن تصبح من حملة الأقلام ، فى خمسة أيام ، فما عليك سوى اتباع الوصايا اذ توصلك الى اصحاب الجواهر والمرايا ، فقلت له لقد شوقتني والله للسماع ، فهات ما عندك قبل أن أصاب بالصداع ، فقال : اذا أردت أن تعمل فى الصحافة ، فلا ضرورة للثقافة ، وأمدح من يمدك بالمال ، فتصبح فى احسن حال ، واعلم أن من تزوج أمك فهو عمك
وأخيرا لسانك حصانك ان صنته صانك ، ثم أضاف يقول وعمر السامعين يطول ، سأجعلك نائبي فى رئاسة التحرير ، أيها الكاتب النحرير .
فقلت : ان الفقر صديقي الحميم ، عرفته منذ الزمن القديم ، والبقاء فى الجوع والأفلاس ، افضل من فقدان الحياء والأحساس ، فقال لا فض فوه : اما زلت كما عهدتك تبحث عن الصدق ، ان هذا وأيم الله عين الحمق ، لذلك لابد من ألفراق ، فأنا لست اليك بالمشتاق ، وأطلق ساقيه للريح ، فرحت ألعن هذا ألزمن القبيح .