بقلم: محمد هجرس**
إذا صح ما نسب للمشير طنطاوي، رداً على وصول الإخوان للسلطة عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وقوله :"اشربوا.. مش انتو اللي اخترتوهم" لأدركنا فعلاً أننا نستحق الضرب بـ"قبقاب شجرة الدّر" على المصيبة التي اختارها البعض منا بأيديهم، وليصدق علينا المثل العسكري الذي كان يجبر المخطئ فينا، ونحن بالخدمة، على اللف حول سارية العلم سبع مرّات، وهو يردد :"كووك كووك.. أنا بعكوك.. أنا اللي جبته لنفسي يا أفندم".!
ولأننا فعلاً "اللي جبناه لنفسنا ومش ح نلاقي حتى نشرب"، فقد صدقنا تخاريف "النهضة" التي وعد بها الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته خلال الانتخابات، ثم نكتشف الآن أن هذا المشروع، لم يكن "خازوقاً" استشهد عليه سليمان الحلبي قبل قرابة قرنين من الزمان، ولكنه قد تمخض "سدّاً" هناك على بعد آلاف الكيلومترات في أثيوبيا.. سيجلس عليه 90 مليون مصري، سيموتون عطشاً وهم يحلمون يآخر صورة تذكارية مع ما كان يُسمى النيل، وتسقط بعد 7 آلاف سنة مقولة المؤرخ العظيم هيرودوت، الذي قال يوماً إن "مصر هبة النيل".. دون أن يدري أنه سيأتي يوم، وفي غفلة من الزمن، تحت حكم "الإخوان" ستكون "نيلة" أي ضحيّته وقتيلته.
ما علينا..
إذا كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت قال يوماً: إن العظماء هم الذين يكتبون التاريخ" إلا أنه وبعيداً عن نظرية المؤامرة، واسطوانة تركة الثلاثين عاماً، تبقى الحقيقة المرّة: وهي أننا أمام نظامٍ ليس لا يقرأ التاريخ فقط، أو لا يفهمه، ولكنه لا يكتبه أيضاً.. ذلك أن الأمية السياسية والاجتماعية، اختصرت كل "النهضة" الموعودة في مشروع التمكين، والتمدد في غزو مفاصل الدولة، ولتذهب البلد إلى الجحيم.
وها نحن بعد أن شرعت أثيوبيا رسمياً في بناء "سد النهضة"، نكتفي بـ"سدّ الحنك"، والجعجعة والكلام عمّال على بطال، هم هناك في أديس أبابا يقرنون الأقوال طيلة عامين بالأفعال، ولا يقيمون وزناً لأي شيء، فيما نحن بقيادة حكومتنا الرشيدة، نثرثر ونطنطن، ونلطم ونشق الجيوب، حتى السودان الشقيقة أيدت على لسان وزير خارجيتها حق أثيوبيا في بناء السد، لتكتمل "الوكسة" السودا، من عمقنا الاستراتيجي في الجنوب.
ولهذا ليس غريباً، أن نرى ما نرى، ونسمع ما نسمع، من حكومة فاشلة، يكتفي رئيس وزراؤها بابتسامة "بلهاء" دون أن "تهتز له قصبة"، كما يقول الشاعر القديم، فيما وزراؤها كلهم "في حيص بيص".. تصريحات متناقضة، وأقوال مرتجفة، بينما الرئيس الذي يبدو أنه "أخد زومبة في أديس أبابا" لا يشعر بأي غضب أو إهانة، بدءاً من طريقة استقباله في المطار، وحتى قطع الصوت أثناء كلمته، ومغادرته دون أن يحضر أعمال القمة الأساسية، ليؤكد غياب مصر الكامل وتراجعها التام في عهده الميمون، محلياً ودولياً، وحتى عندما يقرر التحرك، فإنه يبشّر ـ وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط والتليفزيون الرسمي ـ بالتوجه صوب قارة آسيا، وزيارة كوريا الجنوبية بحجة الاستفادة من تجربتها..؟
كوريا إيه يا عم الحاج.. في هذا التوقيت الأغبر؟ هكذا صرخ بفزع عم عبد الله يونس، أحد الفلاحين البسطاء في قريتي الصغيرة على أطراف فرع رشيد، وهو يندب "اليوم الأسود" الذي حلّ بالبلاد.. متندّراً على الرّاحل محمد رضا في الإعلان الشهير :"ادّي ضهرك للترعة" ويقول بسخرية :"آدي آخرة الألاطة.. دلوقتي مش ح نلاقي ترعة تبص في وشنا".!
الرئيس الذي دعا الشعب للدعاء لزيادة المياه، كان هو نفسه، بشحمه ولحمه، وبركاته في أديس أبابا، ولم يستفد من تجربتها النهضوية في تحويل النيل الأزرق والتي أعلنتها عقب مغادرته بساعات، وبالتأكيد كان مع حكومته يسمعون عن الإجراءات الأثيوبية منذ أبريل 2011، ولكنهم لم يتحركوا، مكتفين فقط بتحويل كل ما في البلد إلى "عفريت أزرق" يلاعبنا بهمومه وسوء إدارته، فيما سيخرج علينا أحد الدراويش، باعتبار ما حدث بأنه من إنجازات الرئيس، والتأكيد على أن سد النهضة، ما هو إلا امتداد للفكرة العبقرية التي أوهمونا بها في مصر.. واسمها طائر النهضة.. فيصرخ مجذوبٌ من إياهم مبسملاً ومحوقلاً: "بركاتك يا أم هاشم.. مدد يا أم العواجز"!
.....
....
لحظة.. أروح آخد لي صورة تذكارية عند شط النيل (مذكّر النيلة التي ابتلينا بها) قبل ما "يفطس"، ويصبح على كل مصري أن يلجأ ل"جركن ميه" يحتفظ به، "باروكية" ذكرى للأجيال المنحوسة.
آدي النهضة واللي جالنا منها.. حتى في أثيوبيا؟ مش كفاية اللي بنشوفه في مصر "المهبوشة"!
غطّيني.. وصوّتي؟!
ــــــــــــــ
** كاتب وصحافي مصري