بالتفاصيل والصور..نخترق جبل الحلال بسيناء ونكشف "حقيقة اختباء الإرهابيين"
جبل الحلال
كتب عبد الحليم سالم - سيناء محمد حسين
عاد «جبل الحلال» ليتصدر المشهد الملتهب فى شمال سيناء مرة أخرى عقب تكثيف الجماعات المسلحة هجماتها ضد أهداف للجيش والشرطة بمناطق مختلفة بالمحافظة.
عودة جبل الحلال للواجهة جاء بعد انتشار الأخبار عن اتخاذ العناصر المسلحة المكان مأوى لها وهو ما ينفيه أهالى المنطقة، ويؤكدون استحالته ويرون أن الزج باسم الجبل محاولة لإضفاء خيال على غير الحقيقة.
هدوء مريب يسيطر على منطقة الجبل فى وسط سيناء لا يكسرها إلا هبوب الرياح يقطع الصمت الذى يلف الجبل الأشهر فى سيناء، والذى يمتد لحوالى 60 كم من الشرق إلى الغرب، ويرتفع نحو 2000 متر فوق مستوى سطح البحر. ويقع ضمن المنطقة «ج».
تتكون أجزاء من الجبل من صخور نارية وجيرية ورخام، وهى منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ففى وديان تلك الجبال تنمو أشجار الزيتون وأعشاب أخرى مفيدة. ويمتلئ الجبل الذى يشكل امتدادا لكهوف ومدقات وتفصله عن المناطق السكنية قرابة 4 كيلومترات تتخللها بيوت بدوية وعشش وتجمعات قليلة قريبة منه والمقيمون قرب الجبل بمنطقة الغردقة مسلحين بمختلف أنواع الأسلحة لكنها للدفاع عن النفس حسب قولهم.
بدأت شهرة جبل الحلال بعد تفجيرات طابا والتى استهدفت فندق هيلتون طابا، وظل الجبل محاصرا عدّة أشهر من قِبل قوات الأمن وتكررت الأحداث عام 2005 بعد تفجيرات شرم الشيخ التى استهدفت منتجعا سياحيا بجنوب شبه جزيرة سيناء، واتُهمت نفس العناصر والجماعات فى تلك العملية، وقيل أنهم لجأوا إلى جبل الحلال للفرار من الشرطة.
بحسب المصادر لا توجد قوات للجيش قرب الجبل وما يذاع عن حصاره ومحاولاته لاقتحامه غير صحيح الواقع ويشير إلى أن الإعلام نسج حول الجبل الأساطير وإحاطته بغموض يتنافى مع حقيقته الهادئة.
وخطورة جبل الحلال الحقيقية تكمن فى أنه قريب من المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وإسرائيل، لذا له تعامل خاص من المنظور الأمنى.
عدد سكان الجبل والقرى المجاورة قرابة 12 ألف مواطن يعيشون على الحلال «وهى تربية الماعز» والنسبة القليلة منهم يملكون مشروعات صغيرة مثل سوبر ماركت أو محلات صغيرة فى العريش، أما عن الخدمات بالمنطقة، فتوجد مدرستان، ابتدائى وإعدادى، ومدرسة ثانوى تبعد حوالى 30 كم عن الجبل، ولا وجود لوحدات صحية على الإطلاق.
عدد المحكوم عليهم غيابيا داخل الجبل يبلغ نحو 500 هارب يختبئون فى الجبل، تقتسم منطقة «الحلال» قبيلتين من أعرق وأهم قبائل سيناء وهى «الترابين» و«التياها»، وكان الجبل أثناء فترة احتلال سيناء نقطة تمركز هامة للمجاهدين البدو الذين اتخذوا منه ملاذا يحميهم من مطاردات المحتلين.
يقول «مسلم عريف» أحد رموز قبيلة الترابين الذى يسكن بالقرب من المنطقة وهو مسؤول منظمة درع سيناء 26، إنهم يسمعون اللغط الإعلامى المثار حول مناطق جبل الحلال وأنها أصبحت مستقرا للإرهاب والجماعات المسلحة وهو كلام غير صحيح جملة وتفصيلا، ويضيف هنا يعيش الأهالى من أبناء «الترابين» و«التياها» ولا يسمحون بوصول أحد لمناطقهم وهم من الشخصيات الوطنية والذين ولاؤهم للدولة ولا يميلون إلى أى تيارات، وبالتالى فكرة وصول أى عنصر أجنبى أو إرهابى واختبائه بالجبل مستحيلة.
ويطالب مسلم عريف الإعلام بتحرى الدقة كما يطالب القيادات الأمنية التى تعرف حقيقة وضع جبل الحلال وتدرك وتعلم كل صغيرة وكبيرة به أن تظهر للرأى العام الحقيقة.
أما الناشط السياسى «حسين القيم» والذى سبق له أن أعد دراسات ميدانية عن احتياجات أهالى منطقة جبل الحلال فيشير إلى أن اسم الجبل جاء مشتقا من الحلال بلغة البدو وهى الأغنام التى تعتبر وسيلة المعيشة الوحيدة فى هذه الصحراء القاحلة.
ويضيف: حدود الجبل ومداخله تسيطر عليه أكبر قبيلتين فى وسط سيناء وهما «التياها والترابين» وهما القبيلتان اللتان بينهما معاهدات ومواثيق مع القبائل الأخرى،
ويشير إلى أن جبل الحلال فى التسعينيات وفى أوائل الألفية سكنه الهاربون من الأحكام والمطاردون والمسلحون أو كما يقال باللهجة السيناوية المجنيون.
مؤكدا أنه علم من قبائل المنطقة أن قبيلة الترابين وبالاتفاق مع قبائل أخرى أعطت وعدا ألا يسكن الجبل أحد من خارج القبيلتين ويكون معروفا لديهما، خوفا على الجبل وسمعته وحتى لا تتكرر أحداث التجريدة الامنية التى أعقبت تفجيرات «طابا - شرم الشيخ» بدءا من 2004 حتى 2010م وقال كمال الشنوب أحد سكان المنطقة إن الجبل جغرافيا يتبعهم ويسيطرون على مناطقه والأهالى غالبيتهم يسكنون قرية «الغرقدة» التى تبعد عن الجبل نحو 12كم.. وأن مهمة الجبل كمأوى للمختبئين من ملاحقة الأمن التى كان يقوم بها أصبحت قديمة نوعا ما، ولا يستطيع أحد من قبيلة أخرى أن يتعدى حدود القبيلة الثانية إلا بالاتفاق بينهما، وهذا الموضوع قد اندثر تماما كما يقول محمد ترابين، حيث قال: الآن بإمكانك أن تسكن فى المدينة ويكون سلاحك معك ولا يعرف بك أحد، لأن الناس تزايدت أعدادهم وهمومهم، ويضيف حسن النخلاوى أحد النشطاء السياسيين بوسط سيناء: لو كان المسلحون يسكنون الجبل لفشلت مهمتهم لأن المسافة بين الجبل والأهداف التى يستهدفونها سواء فى العريش أو الشيخ زويد ورفح تبعد عن الجبل مسافة ساعتين ذهابا وساعتين إيابا، وهذا يشكل خطرا عليهم، لأن الطائرة تحلق فى الأجواء بعد ربع ساعة من عملية استهداف الأكمنة والمقرات، يختفى خلالها المهاجمون بسرعة مما يدل على أن المهاجمين يسكنون المدن لا الجبال.
وقال سالم سليمان، صاحب محل بقالة صغيرة بقرية الغرقدة إحدى قرى الجبل وأنه لا يوجد أحد بالجبل لأن مهمته انتهت واللعب أصبح على المكشوف، ويضيف الجماعات التى تقوم بالقتل والعنف والاستهداف، أصبح الجبل لا يؤدى مهامه بالنسبة لها لأنه بعيد وبه معوقات كالدخول والخروج ونقص المياه.
من جانبه أكد مصدر أمنى أن كل ما يقال عن جبل الحلال من أخبار يشير إلى تحرك قوات ناحية هذه المنطقة لا أصل لصحته وأن أجهزة الأمن لم يرد على لسان احد من قادتها ان هناك عملية عسكرية بالجبل.
وأوضح المصدر أن مناطق تمركز الجماعات المسلحة تعلمه أجهزة الأمن جيدا وكذلك تحركات ومسارات هذه الجماعات وترصدها بالطائرات وبعيون أهالى سيناء الشرفاء وليس من بينها جبل منطقة الحلال الذى يحظر القاطنون بجواره من أبناء القبائل البدوية بتلك المناطق الاقتراب منه.
وأشار المصدر إلى ان الجماعات المسلحة تغيرت تكتيكاتها ولم تعد كالسابق تختبئ بأماكن معزولة عن الأهالى بل تتمركز فى أوساط تجمعات ومزارع وأطراف المدن وهو ما يعيق ملاحقتها فى حين أنها لو تمركزت فى مناطق جبلية معزولة لتم القضاء عليها فى الحال.
لذلك وبحسب المصدر فإن هذه الجماعات لم يعد جبل الحلال بالنسبة لها خيار استراتيجى، كما ان الجبل مرصود تماما للأمن بطرق خاصة وتدابير تم اتخاذها بالتعاون مع الأهالى وليس هناك صعوبة فى اقتحامه إذا لزم الأمر.
المعارك السابقة فى الجبل
نسبت داخلية نظام مبارك جريمة تفجيرات طابا وشرم الشيخ إلى بدو سيناء ولاحقتهم أمنيا واستخدمت ضدهم كل سبل الإهانة والانحطاط.
وألقت القبض على النساء والأطفال والشيوخ وعذبتهم ما أدى إلى خلق مجموعات معادية لها حملت السلاح ونذرت نفسها لتصفية جلادى الداخلية الذين لم يفرقوا بين البرىء والظالم وحاصرت الشرطة منطقة جبل الحلال لمدة 3 أشهر لإجبار من فيه على الاستسلام.. وحركت قوات كبيرة قوبلت برد فعل عنيف من الهاربين حتى أن سالم الشنوب الذى نسب له التخطيط والضلوع فى التفجيرات فشلت فى قتله أو الوصول إليه، وتم تصفيته فيما بعد عبر استدراجه إلى منطقة بئر العبد وتسميمه هناك.
والشنوب الذى اختبأ فى بطن الجبل هربا بعد أن قتلت الشرطة ابنه وأحد أقاربه حتى يقوم بتسليم نفسه حيث لم يكن مشتركا فى أحداث تفجيرات طابا، ولكن استضاف خالد مساعد ونصر الملاحى المنفذان للتفجيرات فى بيته بعد أن لجأوا إليه للاختباء من اعين الشرطة، وقام سالم بتطبيق واجب العرف واستضافتهما لمدة ليلة واحدة وبعد ذلك غادرا منزله، وبناء على ذلك اتهمته الأجهزة الأمنية بالاشتراك فى التفجيرات، وقامت بمطاردته حتى تم العثور عليه مقتولا، فيما تم استهداف طائرة هليكوبتر وتفجير عدة مدرعات وقتل فى العملية العديد من رجال الشرطة.
كانت قوة أمنية بلغ عددها أربعة آلاف من القوات الخاصة المجهزة بتسليح متميز شاركت خلال عام 2005 فى الحملة الواسعة التى سعت من خلالها الأجهزة الأمنية إلى إنهاء أسطورة هذا الجبل الذى يقول البعض إنه يشبه فى منعته جبال تورا بورا الشهيرة فى أفغانستان، لكن بعد أسابيع من هذه العملية غير المسبوقة أوقفت قوات الأمن تقدمها لمطاردة الإرهابيين المتحصنين فوق قمة الجبل والكهوف والمغارات، عندما وجدت نفسها بشكل مفاجئ وسط مجموعة من الألغام على مشارف المنطقة، مما أودى بحياة عدد من الضباط والجنود.
منهم اللواء محمود عادل محمد عبدالمجيد سلامة والمقدم عمرو عبدالمنعم السيد غريب اللذان لقيا مصرعهما أثناء عمليات الاقتحام والتمشيط التى تقوم بها وزارة الداخلية لجبل الحلال فى سيناء لضبط عناصر الإرهاب المتورطين فى تفجيرات شرم الشيخ.
والألغام الموجودة بالمنطقة تصنيع يدوى وليست من مخلفات الحروب السابقة وأنها معدة خصيصا للتفجير ولإعاقة قوات الأمن من دخول المنطقة. المطاردون قاموا بزرعها لتعويق قوات الشرطة من تعقبهم. وأصيب خلال تفجير المدرعات الملازم أول أحمد فاروق وأمينا الشرطة السيد حسن محمد ومحمد عبدالسميع شاهين وأحد الأشخاص المدنيين ويدعى محمد عيد التيهى.. وتابعت أن المطاردين ما زالوا يتحصنون بقمم الجبل العالية بعد أن زرعوا جميع المناطق المحيطة بها بالألغام.
مصادر مطلعة ترى أن الجبل يصعب السيطرة عليه وهناك بالفعل عناصر خطيرة تختبئ فيه بدليل وجود عيون لهم بدرجات نارية تراقب المداخل والمخارج ومسلحين أيضا، حيث توجد مخابئ فى الجبل لا يعلمها إلا هؤلاء الخارجون عن القانون وبعض سكان الجبل.