مسالك أهل السنة ـ في صحة حديث ابتلاء النبي صلى الله عليه وسلم بأن سُحِرَ ـ وذلك من جهة السند والمتن والمعنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول مستعينا بالله مصليا على سيدي رسول الله:
المسلك الأول: مسلك الطب وما يعتري المريض أو يتخيله المحموم
فنقول إن السحر الذي أصابة ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له فعل مرض من الأمراض
أـ لذا اعتنى الأئمة بإيراده في باب الطب
ب ـ وقال الإمام المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط من منصب النبوة، ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع؛ إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم، وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء.
قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين
# قلت: ولم يرد في رواية ولا قول أنه خُيل إليه رؤية جبريل ، أو خُيل إليه وحي وإلا لكان خصومه الذين لا يغمض لهم جفن عن الكيد لدعوته أحرص الناس على استقطاب مثل هذا.
لكنه لمَّا لم يحدث ما وجدوا مدخلا ولا مأربا ، لكن بعض الناس أضمروا عداوة لأهل السنة فوق عداوة المشركين لرسول الله فتلقفوا هذا ولفقوا حوله الأباطيل والله من ورائهم محيط
# قلت: وإن قيل إن الله تعالى قد حكى عن المشركين قولهم ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا )
فالسحر له معاني أوردها أصحاب المعاجم والشُّرَّاح
أولا الصرف عن الحق ، وتغيير الطبيعة ، بل ومنه ما يكون جنونا
في القرآن: ( بل نحن قوم مسحورون) أي: مصرفون عن المعرفة
الثاني: ما يقع بخداع وتخييلات قال تعالى: ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ).
الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )
الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب، واستنزال روحانياتها بزعمهم
إلى غير ذلك.
وبعد أن وصفوه بأنه ساحر يفرق بين المرء وولده وزوجه ، وصفوه بأنه مسحور، وهذا يرجح أنهم يعنون به أنه من النوع الذي يراد به أن يؤثر على العقل فيصيب صاحبه بجنون مستمر
ـ جنون حقيقي يصرفه عن الفهم ، أو جنون مجازي يصرفه عن المعرفة والعلم ـ
لا يعنون به أن يطرأ عليه شئ يصيب المريض العادي من تخيل بعض أشياء لا تُذْهِب عقلا ولا تَطال شرعا.
كما أن بعضهم قال في أنه كان يخيل له أنه يأتي أهله ولا يأتيهم
أي يرى في نفسه قوة على هذا ثم سرعان ما تزول دليلا وا ضحا على أن السحر أثر على جسده فقط لا عقله وقلبه
قال الحبيب / علوي بن عبد القادر السقاف
لقد أخطأ ( سيد قطب ) رحمه الله إذ أنكر سحر النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في ( الصحيحين ) ، وقال: إنما كان السحر في جسده لا في عقله وقلبه.
وهذا إن صح يحسم الأمر لأنه لا يخل بالرسالة بل هو بلاء أصاب الجسد فضاعف من أجره ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وهو مذهب جمهور الأشاعرة قال به المازري ، والعيني، والسندي ، وأورده ابن حجر، والقاضي عياض ، وغيرهم كثير ممن لا يحصى عددهم
قالوا: ومنطقيا أن تحدث تخيلات في هذا الموطن كما يحدث للمحموم، وغيره من أصحاب الأمراض
فضلا عن كون تلك التخيلات لا تأثير لها على العقل ، ولا نقل الشرع ، قال في حق موسى : ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى )
# بل وفيه ما يؤيد كونه من الأمراض: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حُـل السحر قال: ( إن الله شفاني )
قال القرطبي: والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض.
المسلك الثاني:
أن السحر إنما تسلط على ظاهره و جوارحه ، لا على قلبه و اعتقاده و عقله، ومعنى آية ( والله يعصمك من الناس ) ـــ وسيأتي فيها مزيد بيان ــــ معناها عصمة القلب والإيمان ، دون عصمة الجسد عما يرد عليه من الحوادث الدنيوية.
واختاره القاضي عياض، وابن حجر الهيتمي.
وقد تقدم بيان يشفي العليل للحديث عن حقيقة التخيلات التي لاتأثير لها على القلب والعقل وإنما تأثيرها على ظواهر أفعال الجسد
المسلك الثالث
أنه حدث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون سبيلا لتشريع ، تعليما لأمته كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم نسي في صلاة ثم أتمها ، وهو من طبيعته عدم النسيان وقد قال ( إني لا أنسى ولكني أنَّسى لأسُنَّ )
بل وثبت ما هو أشد لموسى كما جاء في القرآن ( لا تؤاخذني بما نسيت ) لكن النسيان الذي هو أشد من الخيالات الدنيوية ما أثر على رسالة موسى وتشريعه.
فسبحان الله
على هذا المسلك الأمر تشريع ليس نقصا ولا نقضا للتشريع
أما قولهم إن الشياطين لا تسلط لها إلا على من ضعف إيمانه وقلت همّته
فهو مردود عليه بالقرآن وأن تسلط الشيطان بنوع بلاء يخالف تسلطه بغواية
فقد حكى القرآن عن أيوب ( اني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) وحكى عن موسى ( هذا من عمل الشيطان ) وقال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته )، فما كان هذا من الشيطان مع النبيين إلا لإعلاء مكانتهم بكثرة ما يتعرضون له من بلايا وهذا داخل في باب البلاء لا في باب التسلط والإغواء
وأما ظنهم أوزعمهم أن هذا الحديث يتعارض مع قوله تعالى
( والله يعصمك من الناس )
تقريبا اتفق أهل التفسير واللغة على أن عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس هي حفظ نفسه من القتل والإهلاك، ويعصمك مما يؤثر على التشريع، ومن الغواية والهوى والضلال بغير سبب أو بسبب أحد
وإلا فقد ثبت أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد شج في وجهه يوم أحد، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وأوذي في الله في مكة والطائف، وأوذي في الله بما تعرض له أهله وأصحابه.
****
وإن سلمنا لهم بظاهر التعارض فلن نسقط الحديث
لأن إسقاط الحديث لمخالفة القرآن له شروط أهمها :ـ
الأول : أن تكون الآية قطعية الدلالة
والثاني : أن يكون الحديث ظني الثبوت
والثالث : ألا يوجد وجه للجمع ولو من طرف خفي
أما وقد تبين أن دلالة الآية فيها كلام الغالب والراجح فيه حتى غير ما ذهبوا إليه
أما عن وجوه الجمع ذكرناها بل وهناك المزيد
والحديث منهجيا في أعلى درجات الصحة متفق عليه ، ورواه جمع من الصحابة
بل والظاهر أن سورة المائدة التي فيها الآية من آخر ما نزل في القرآن وهذا يدل على أنها نزلت بعد واقعة السحر التي كانت سنة 7هـ يؤيد هذا ما روي عن جبير بن نفير أنه قال: ( حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير، تقرأ المائدة؟ فقلت نعم، قلت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه )
أما من جهة سنده فقال بعض السذج في هشام بن عروة وطعنوه به.
وهشام قال عنه ابن سعد: ثقة ثبت كثير الحديث، حجة، وقال أبو حاتم: ثقة، إمام في الحديث.
وعن وهيب بن خالد: قدم علينا هشام بن عروة، فكان فينا مثل الحسن وابن سيرين.
وقال فيه ابن حجر العسقلاني: "ثقة فقيه.
كما أنه قد توبع عليه في تلك الرواية، ولم ينفرد به.
وزعمهم الاضطراب في الحديث لأجل الاختلاف في اسم البئر ، أمر مضطحك فهذا لا يسقط بحال على أصل الحديث
هذا .........
وقد اتفق أهل السنة على أن من أعلى درجات الصحة المتواتر ، وما اتفق على روايته البخاري ومسلم.
والمتفق عليه أسلوبه في التحري شديد القرب من أسلوب رواية القرآن ونقله..... وأقول ثانية المتفق عليه هو أقرب أقرب ..... الروايات إلى طريقة تحري إثبات القرآن الكريم
فإن جاءك أحدهم يرده لسند أو متن قل الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
وقل له هذه هي القواعد ولا قواعد لك إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس
وإن جاءك بدليل يرده به من عقل فقل له هذه عقولنا وتلك مسالكنا
وحججك رددناها فاحفظ لسانك على وارث رسول الله
هذا اعتقاد أهل السنة والجماعة سندا ومتنا وعقلا ...
ورحم الله الأشعري الذي حبس المعتزلة في أقماع السماسم واليوم يخرج علينا الشيعة بثوب المعتزلة أو العلمانية تعمية لنا
والله نسأل أن يقيمنا على حياض الدين نذب عنه البدع ، وندفع عن مصنفاته شر الهوى المتبع ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه.