بجد موضوع مستفز جدا: الأنبا إرميا يكتب عن خلافة سيدنا معاوية بن أبى سفيان ... وكمان اسم المقال السقطة الكبرى ... وإنت مالك بمعاوية يا جناب الأنبا؟!!!
«السقطة الكبرى» الأنبا إرميا
تحدثنا فى المقالة السابقة عن خلافة «معاوية بن أبى سفيان» واهتمامه بالفتوحات، وولاية «عمرو بن العاص» على مِصر المرة الثانية، ثم «عبدالله بن عمرو» الذى تولى بعده «عُتبة بن أبى سفيان» أخو «معاوية»، ثم «عقبة بن عامر الجهنى» وعزله، ثم ولاية «معاوية بن حديج»، ثم «مسلمة بن مخلد». وعرضنا محاولة «المغيرة بن شعبة» حاكم «الكوفة» لإقناع «معاوية» بمبايعة «يزيد» ابنه خلفًا لأبيه.
فعند وصول «المغيرة»، دخل على «يزيد» وحدّثه بأن يعقد أبوه الخلافة له ليتولى شؤونها من بعده. فأخبر «يزيد» أباه بما قاله «المغيرة». فالتقاه «معاوية» مستفسرًا منه عن قوله، فأجابه «المغيرة» بأنه يرغب فى الابتعاد عن التقاتل الشديد الذى يسبب سفك الدماء للخلافة والحكم- كما حدث بعد مقتل «عثمان بن عفان»- وأضاف: «وفى (يزيد) منك خلف، فاعقد له. فإن حدث بك حادث، كان كهفـًا للناس، وخلفـًا منك، ولا تُسفك دماء، ولا تكون فتنة»، واقترح عليه أن يُجرى هذا عن طريق مبايعة أهل «الكوفة» وأهل «البصرة»، فطلب منه الخليفة أن يعود إلى وِلايته، ويعمَل على إقناع كل من يثق به لتنفيذ هذا الأمر. وقد عاد «المغيرة» إلى «الكوفة» حيث بدأ فى التحدث إلى كل من يتبع بنى أمية ليبايعوا «يزيد» على الخلافة من بعد أبيه «معاوية». وقد استطاع «المغيرة» إقناع بعض الرجال وأرسلهم إلى الخليفة يحدثونه فى أمر «يزيد»، فأمرهم بعدم إعلان الأمر، والثبات على رأيهم، حتى يتسنى له تحقيقه. وقد تم للخليفة الأمر، فبعد أن بايعه أهل «العراق» و«الشام»، سار إلى «الحجاز» بعدد من جنود جيشه، وألقى خُطبته فى المدينة، ذاكرًا «يزيد» وأنه أحق منه بالخلافة، وشدد فى أمر مبايعة ابنه خليفة من بعده، حتى تحقق له ما أراد وعاد إلى «الشام».
وفى عام 675م، أدى «معاوية بن أبى سفيان» العمرة، واستطلع الرأى فى أمر تولية ابنه «يزيد» الخلافة من بعده. وفى عام 679م- ويذكر بعضٌ أنه 680م- تُوفى «معاوية بن أبى سفيان» مؤسس الدولة الأموية الذى يُعد أول من أدخل الوراثة فى الخلافة، وهو ما اعتُبر من أشد أخطائه. فيذكر الأستاذ المؤرخ «عبدالعزيز جمال الدين»: «على أن سقطة (معاوية) الكبرى، التى لا تحتمل دفاعـًا من أى نوع، كانت هى فرض ولاية العهد من بعده لابنه (يزيد) الذى كان يعرِف عدم صلاحيته لهذا المنصب من النواحى كافة، فقد كان كل همه الصيد والشراب والمُجُون (قلة الحياء)... فدل ذلك على أنه قد حكمه هواه، وكان معنى ذلك، أنه حوّل منصب الخليفة إلى منصب وراثى قد يتولاه البُلْه (الضعفاء العقل الغالبة عليهم الغفلة)، أو المجانين، أو المفسدون، فى أكثر الأحوال كما حدث بعد ذلك».
مرِض «معاوية بن أبى سفيان». وقبل موته، دعا إليه ابنه «يزيد» وأوصاه بما يفعله فى أمور الخلافة من بعده، وفى أمر كل من يمكن أن ينازعه فيها، وهم: «الحسن بن على»، و«عبدالله بن عمر»، و«عبدالله بن الزبير»، و«عبدالرحمن بن أبى بكر»، محذرًا إياه من «عبدالله بن الزبير». إلا أن المؤرخين اختلفوا فى هذا الأمر، إذ قال بعضهم أن «يزيد» كان غائبًا فى وقت موت أبيه، وأن «عبدالرحمن بن أبى بكر» كان قد مات. ونعرض ما ذكره المؤرخون وإن اختلفوا.
«يزيد بن معاوية» (680- 683م)
تولى «يزيد» الخلافة من بعد أبيه «معاوية» إذ بويع له يوم موته. ويذكر بعضٌ أنه كان فى «حمص» آنذاك. وحين عاد، مر بقبر أبيه، ثم اتجه إلى «دمشق» وألقى خُطبته فى الناس الذين بايعوه بالخلافة. إلا أن «الحسين بن على» و«عبدالله بن الزبير» لم يبايعاه. وعندما علِم «يزيد» بذلك، أرسل جيشًا وتقاتل هو و«الحسين» وشيعته عند «كربلاء» حيث قتل «الحسين» وقُطعت رأسه. وذكر بعض المؤرخين أن «يزيد» حزِن عندما علِم بقتل «الحسين»، وأمر بأن يجلس «على» و«عمر» ابناه على مائدته صباحًا ومساءً.
إلا أن «الزبير بن العوام» دعا بالخلافة لنفسه فى «مكة»، وعاب على «يزيد» شرب الخمر وسلوكه المتهاون، وقد بايعه أهل «تهامة» و«الحجاز». فلما نمَى الأمر إلى علِم «يزيد»، أرسل جيوشه إلى هناك، وعندما وصلوا «مكة»، دخل «عبدالله بن الزبير» ليحتمى هو وقواته فى المسجد الحرام. وبينما يتقاتل الجيشان، وصل إليهم خبر موت «يزيد بن معاوية»، فأرسلوا إلى «ابن الزُّبير» يطلبون وقف القتال والمُصالَحة والمُسالَمة، ثم انصرفت الجيوش إلى «الشام».
وتُوفى «يزيد بن معاوية» عام 683م بعد أن حكم ثلاث سنين ونصف السنة تقريبًا، وتولى الخلافة من بعده ابنه «معاوية».
أمّا عن أحوال مِصر فى أيام «يزيد بن معاوية»، فقد تُوفى «مسلمة بن مخلد الأنصارى» والى مِصر فى إبريل 682م وهو العام نفسه الذى أعلن فيه «عبدالله بن الزبير» فى «مكة» خلع «يزيد بن معاوية» من الخلافة، وإعلان نفسه خليفة للمسلمين. ثم انتقلت الثورة على «يزيد» إلى المدينة حتى تعددت وشمَِلت «الحجاز» و«الشام» و«مِصر» وشمال أفريقيا، إلى أن شهِد ذلك العام موت «يزيد». ثم تولى مِصر من بعده «سعيد بن يزيد بن علقمة الأزدى». كما تُوفى البابا البطريرك «أغاثو» واعتلى البطريركية البابا «يوحنا الثالث»، الأربعون فى بطاركة الإسكندرية فى عصر «يزيد».
«معاوية بن يزيد بن أبى سفيان» (683- 683م)
تولى «معاوية» الخلافة بعد موت أبيه «يزيد»، وكان ذا صفات حسنة، وأقام فى الحكم أربعين يومًا ثم خلع نفسه برغبته، ومات بعد ذلك بمدة قصيرة- قيل إنها أربعون أو تسعون يومًا. وقد نتج عن هذا اضطراب أحوال البيت الأُموى فى «الشام»، وبخاصة بعد استقلال «عبدالله بن الزبير» بـ«الحجاز» وتعيينه لوُلاة على البلاد منهم «عبدالرحمن بن جحدوم» فى «مِصر». إلا أنه مع نهاية العام 683م، تولى «مروان بن الحكم» الخلافة بعد قتاله «الضحاك الفهرى» الذى بايعه أهل «الشام»، وانتهى الأمر بمقتل «الضحاك».
البابا «يوحنا الثالث»
بعد نياحة البابا «أغاثو»، اختير الأب «يوحنا» بالإجماع لكرسى البطريركية فى 677م، فى أثناء خلافة «معاوية بن أبى سفيان»، وقد كانت معظم الكنائس الأرثوذكسية فى «الإسكندرية» حينئذ فى سيطرة الملكانيّين منذ أن وضع «ثيئودوسيوس» البطريرك الملكانى الدخيل اليد على الكنائس. وقد استطاع الملكانيون- على قلة عددهم- أن يغلقوا الكنائس ويختموها بالشمع الأحمر لئلا يصلى فيها القِبط. وكان للحاكم كاتبان من القبط هما «أثناسيوس» و«إسحاق»، فكتب الأب البطريرك إليهما يعْلمهما بأحوال الكنيسة، وأنها مغلقة أمام القبط لا تمكنهم الصلاة فيها، فتدخل الكاتبان وساعدا على استعادة الكنائس وفتحها للقبط.
وقد كان هذا الأب يتصف بالفضائل الحسنة والمحبة ومسالمة جميع الناس حتى ذاع صيته عند الجميع، فأحبه العظماء وأكرموه، كما كان جزيل العطاء وكثير الصدقات، حتى إنه فى زمان الغلاء الذى تعرضت له البلاد ثلاث سنوات اهتم بالفقراء، فكان الله يساعده على تسديد حاجاتهم من الطعام والشراب، ولولاه لهلك الفقراء من شدة الجوع!
و... وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى...!