الاحكام النظرية لعلم التجويد - اللغة
الفصل الأول
الدرس الأول
التمهيد:
ما اللغة؟
اللغة: هي حروف وكلمات وجمل وعبارات، تُعبِّر بها كل جماعة من الناس عن مقاصدها وغاياتها، واللغات كثيرة تتحد في معانيها، وتختلف في حروفها وكلماتها وألفاظها. ولكــل قــوم لـغـة خـاصـة بهم يعبرون بها عما في أنفسهم من مـعـان ومـقـاصد ولـكـن تختـلـف الألـفـاظ التي يُعَبَّر بهـا فلـكـل جـماعـة ألـفـاظ خـاصـة بهم.
ما المراد باللغة العربية؟
هي الألفاظ والعبارات التي يعبر بها العرب عن مقاصدهم وأغراضهم, ولقد وصلت إلينا عن طريق النقل, وحفظها لنا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وما رواه الثقاةُ من منثور العرب ومنظومهم, فنزل القرآن الكريم باللغة العربية حيث كانت لغة قريش التي أنزل الله القرآن بها على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام خلال ثلاثة وعشرين عامًا تقريبًا وفي مناسبات مختلفة.
العرض:
س: كيف جُمع القرآن ودُون؟
ج: كان النبي ﷺ أميًّا لا يعرف القراءة والكتابة، ولذلك كان ﷺ عندما ينزل عليه الوحي يعرض ما ينزل عليه من القرآن الكريم على الصحابة، فيكتبه كُتَّاب الوحي، ولعدم توفر الورق كانوا يكتبونه على عظام أكتاف الجمال وأضلاعها وعلى الجلود والجريد ونحوها وكان المسلمون ينقلون السورة من هذه الأشياء الكبيرة الحجم فكانت سورة البقرة مثلًا تأخذ حيزًا كبيرًا لحفظها, ولكن كان الاعتماد الأكبر على حفظ الصحابة القرآن الكريم في صدورهم, فلما جاءت حرب الردة([1]) قتل عدد كبير من حفاظ القرآن وهم يجاهدون في سبيل الله. ففي عهد أبي بكر الصديق أشار عليه عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام بتلك المهمة زيد بن ثابت، ومعه جماعة فجمعوا القرآن الكريم في الصحف وأجمع الصحابة عليه بمطابقة ما في السطور بما في الصدور بدقة وأمانة، وفي عهد عثمان بن عفان أشار عليه حذيفة بن اليمان([2]) بتوحيد قراءة القرآن حيث كانت قبائل العرب تقرأ القرآن بلهجاتها الخاصة في عهد الرسول ﷺ تسهيلًا لهم, فطلب عثمان بن عفان المصاحف ووحد قراءتها في مصحف واحد على لغة قريش، وهي التي أنزل بها القرآن, ثم أمر بإحراق ما عداها من مصاحف, ونسخ من مصحفه مصاحف ووزعها على البلاد حتى لا يختلف عليها المسلمون كما اختلفت اليهود والنصارى. وفي عهد عبد الملك بن مروان([3]) شُكِّلتَ حروف المصحف ووضعت عليها النقط حيث لم تكن منقوطة أو مشكلة ثم اجتهد العلماء ووضعوا علامات الأجزاء والأحزاب والأرباع ومواضع السجدات.
س: ما الحكمة من نزول القرآن بالأحرف السبعة وما علاقتها بالقراء السبعة؟
ج: الحكمة من نزول القرآن بالأحرف السبعة التسهيل والتيسير على العرب من مختلف القبائل باختلاف لهجاتهم فكان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن لأصحابه في مختلف المناسبات على سبعة أحرف ففي الحديث الصحيح: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف»([4]) وليس معناه أن يكون في الحرف سبعة أوجه، قال الأشموني في «منار الهدى»: «القبائل التي كانت ترد على النبي ﷺ وكان يترجم لكل واحد بحسب لغته فكان يمد قدر الألف والألفين والثلاثة لمن كانت لغته كذلك وكان يفخم لمن كانت لغته كذلك ويرقق لمن لغته كذلك, ويميل لمن لغته كذلك»[5] وليس المراد بالأحرف السبعة كما يظنه الناس القراء السبعة المشهورين فهؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد وُجدوا عند اكتمال نزول القرآن. أما قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ بها الناس اليوم فهي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم وورد بها الحديث, وهذه القراءات العشر جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها الخليفة عثمان إلى الأمصار بعد أن أجمع الصحابة عليها وعلى طرح كل ما يخالفها([6]).
س: القراء العشرة من هم؟
ج: القراء العشرة هم:
1ـ نافع المدني: هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي, أصله من أصفهان, وكان إمام دار الهجرة في القراءة, وتوفي بها سنة 169 هـ (تسع وستين ومائة).
2ـ ابن كثير: هو عبد الله بن كثير المكي, إمام أهل مكة في القراءة, ولد بها سنة 45هـ وتوفي بمكة سنة 120هـ (عشرين ومائة).
3ـ أبو عمرو البصري: هو زبان بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني البصري ـ ولد بمكة سنة (68هـ) وقيل (70هـ), واختلف في اسمه وقيل اسمه كنيته وتوفي بالكوفة سنة (154هـ) (أربع وخمسين ومائة).
4ـ ابن عامر الشامي: هو عبد الله بن عامر الشامي اليحصبي, قاضي دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك ويكنى أبا عروة([7]), وهو من التابعين. قال ابن عامر: ولدتُ سنة ثمان من الهجرة بضيعة يقال لها (رحاب) وقبض رسول الله ﷺ ولي سنتان([8]) وتوفي ابن عامر بدمشق سنة 118هـ (ثماني عشرة ومائة).
5ـ عاصم الكوفي: هو عاصم بن بهدلة أبى النجود الكوفي الأسدي ويكنى أبا بكر وهو من التابعين وكان شيخ الإقراء ومن أحسن الناس صوتًا بالقرآن وتوفي بالكوفة سنة 127هـ (سبع وعشرين ومائة).
6ـ حمزة الكوفي: هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي الزيات ويكنى أبا عمارة, ولد سنة ثمانين للهجرة وكان تاجرًا متورعًا وتوفي سنة 156هـ (ست وخمسين ومائة).
7ـ الكسائي: هو علي بن حمزة النحوي الكوفي يكنى أبا الحسن وقيل له الكسائي من أجل أنه أحرم في كساء انتهت إليه رياسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة وتوفي ببلدة يقال لها (رنبوية) سنة 189هـ.
8ـ أبو جعفر: هو الإمام أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني إمام القراءة في المدينة المنورة وتوفي بها سنة 128هـ (ثمان وعشرين ومائة).
9ـ يعقوب: هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي مولاهم البصري وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالبصرة بعد أبي عمرو توفي سنة 205هـ (خمس ومائتين).
10ـ خلف العاشر: هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البزار البغدادي المتوفي سنة 229هـ (تسع وعشرين ومائتين).
كل إمام من هؤلاء الأئمة العشرة له راويان وبذلك يكون لهم عشرون راويًا وهم:
1ـ راويا نافع: قالون ـ ورش. 2ـ راويا ابن كثير: البزي ـ قنبل. 3ـ راويا أبي عمرو: الدوري ـ السوسي. 4ـ راويا ابن عامر: هشام ـ بن ذكوان. 5ـ راويا عاصم: شعبة ـ حفص. 6ـ راويا حمزة: خلف ـ خلاد. 7ـ راويا الكسائي: أبو الحارث ـ الدوري. 8ـ راويا أبي جعفر: ابن وردان ـ ابن جماز. 9ـ راويا يعقوب: رويس ـ روح.10ـ راويا خلف: إسحاق ـ إدريس.
س: ما سند حفص؟
ج: قرأ حفص على عاصم وقرأ عاصم على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي وزر بن حبيش الأسدي وأبي عمرو بن إلياس الشيباني وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبد الله بن مسعود, وقرأ السلمي وزِرُّ أيضًا على عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب وقرأ السلمي أيضًا على أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وقرأ ابن مسعود وعثمان وعليّ وأبيّ وزيد رضي الله عنهم على رسول الله ﷺ اهـ([9]).
س: ما أركان القراءة الصحيحة؟
ج: أركان القراءة الصحيحة أن تكون: 1ـ متواترة، والتواتر: هو نقل جماعة كبيرة عن جماعة كبيرة يؤمن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى الرسول ﷺ دون انقطاع في السند وقد ثبت القرآن بلفظه وصفته وتلاوته مرتلًا وهذه ميزة للقرآن لم تتحقق لأي كتاب آخر. 2ـ موافقتها أحد وجوه اللغة العربية مثل إسكان الهمزة من لفظ ﴿ بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: 54]. 3ـ موافقتها الرسم العثماني: ويشترط أن يوافق اللفظ القرآني أحد المصاحف العثمانية كقراءة ابن عامر بحذف الواو من ﴿وقَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا﴾ [البقرة: 116] فإنها كذلك بحذف الواوِ في المصحف الشامي, وزيادة ﴿مِن﴾ في قراءة ابن كثير ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [التوبة: 100] فهي كذلك بزيادة ﴿مِن﴾ في رسم المصحف المكي.س: ما الفرق بين القراءة والرواية والطريق؟
ج: القراءة كل ما ينسب إلى أحد أئمة القراء السبعة أو العشرة مثل قراءة عاصم أو ابن كثير أو يعقوب. الرواية: هي ما نسب لمن أخذ عن أحد القراء, مثل رواية حفص عن عاصم ورواية شعبة عن عاصم ورواية ورش عن نافع. الطريق: ما ينسب لمن أخذ عن الرواة وإن سفل (وإن نزل يعني بواسطة) مثل طريق عبيد بن الصباح عن حفص وطريق طاهر بن غلبون عن الهاشمي عن عبيد عن حفص وهي طريق التيسير للداني والشاطبية([10])للإمام الشاطبي([11]) وأحد طرق طيبة النشر([12]) للإمام ابن الجزري([13]).س: ما المراد بالقرآن الكريم؟
ج: القرآن الكريم هو كتاب الله المقدس المنزل على قلب نبينا محمد ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام، المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة فيه, المكتوب بين دفتي المصحف المنقول إلينا بالتواتر من جيل إلى جيل. وهو كلام الله تعالى المبين المنزَّه عن أي باطل وهو الذي يهدينا إلى الطريق المستقيم فيه أخبار من سبقونا, ويحكم بيننا, ويبقى إلى من يأتي بعدنا إلى أن تقوم الساعة, فمن سار على هديه فقد هداه إلى الطريق السوي وفاز بالدنيا والآخرة, ومن تركه فقد ضل سواء السبيل.
س: ما فضل تلاوة القرآن الكريم؟
ج: لقد أنزل القرآن الكريم على النبي المصطفى ﷺ ليهدي به الناس إلى الطريق المستقيم لما فيه من خير وصلاح لهم لتحقيق سعادتهم وإنقاذهم من الضياع والضلال لذلك كانت تلاوة القرآن الكريم من أعظم العبادات وأجلّ القربات إلى الله تعالى. فتلاوته حق التلاوة تتطلب أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل, وحظ العقل فهم المعاني, وحظ القلب الاتعاظ والائتمار, فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ, فقد أمرالله رسوله ﷺ أن يرتل القرآن حسنًا ﴿وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]. وأمره أن يقوم به ساعات من الليل مُتَهجدًا: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]. وأن نتدبر معانيه: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]. وأمرنا النبي ﷺ بالتلاوة فيما رواه أبو أمامة حيث قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»([14]). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»([15]).س: ما فضل تعليم القرآن وتعلمه؟
س: ما فضل تعليم القرآن وتعلمه؟ ج: إن لتعليم القرآن فضلًا كبيرًا, روى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»([16]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا أنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»([17]).س: ماذا تعرف عن علم التجويد؟
ج: هو أحد العلوم التي نشأت حول النص القرآني بسبب عناية الأمة بهذا النص.
س: كيف نشأ علم التجويد؟
ج: كان الصحابة والتابعون يقرؤون القرآن بالفطرة والسليقة والتلقي دون المعرفة النظرية لعلم التجويد وعندما كثرت الفتوحات, وأسلم كثير من الأعاجم, خاف الصحابة والتابعون من تأثير لغاتهم على القرآن بتفشي اللحون فيه مما يؤدي إلى التحريف في كتاب الله, عندئذٍ اجتهد العلماء بشتى الوسائل في المحافظة على النص القرآني وبسبب ذلك الحرص نشأ علم النحو وعلم الصرف ومعرفة مخارج الحروف وصفاتها, وكذلك أحدثوا في القرآن النقط والشكل بعد أن كان خاليًا منهما, ودونوا قواعد التجويد المعروفة في العصر الذي بدأ فيه تدوين العلوم وقواعد اللغة العربية والبلاغة وسائر المعارف والفنون ولا يعني تأخر ظهور التأليف في علم التجويد أن القراء كانوا يقرؤون على أصل غير واضح فالواقع أنهم كانوا يقرؤون القرآن بالتجويد ويعتنون بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها صفاتها منذ عصر الصحابة وإن لم تكن مدونة, شأنها في ذلك شأن قواعد النحو والصرف التي استنبطوها في وقت لاحق, بمعنى أن التجويد والنحو والصرف علوم نشأت ووضعت للموجود وليست اختراعًا من العدم, فكما استنبط العلماء النحو والصرف من كلام العرب ألهمهم الله أن يضعوا قواعد مستنبطة من التلاوة المنقولة عن النبي ﷺ.س: ما الفرق والتشابه بين علم التجويد وعلم القراءات؟
ج: علما التجويد والقراءات يهتمان بنطق ألفاظ القرآن الكريم ولكن كل منهما يعتني بجانب معين من جوانب النطق. كتب القراءات تعتمد على الرواية وكتب التجويد تعتمد على الدراية المبنية على المشافهة ورياضة اللسان. أما الموضوع فكتب القراءات تعني برواية وجوه القراءات في نطق كلمات القرآن, بينما كتب التجويد تعني بكيفية أداء الألفاظ وإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها من صفاتها دون النظر إلى الخلاف فيها, مثلًا علم التجويد يُعرف الطالب حقيقة التفخيم كذا وحقيقة الترقيق, إلخ أمَّا علم القراءات فيُعرف الطالب فخمها فلان ورققها فلان([18]).