فتاة عادية جدا، مثل باقى الفتيات، أنهيت مرحلة الثانوية العامة بعد أن مرت دون ارتباط، فقط مذاكرة، قررت تأجيل الموضوع للجامعة، ودخلت جامعة القاهرة كلية التجارة، حيث الانطلاق والحب والارتباط، مر الفصل الدراسى الأول فى التعرف على الأصدقاء، حيث تعرفت على الكثير والكثير، ومع بداية الفصل الثانى شهر يناير 2001 تعرفت على «رامز» عن طريق مكتبة تبيع الملازم، دخلت المكتبة فرأيته، لفت انتباهى، شاب أبيض، وسيم، عيناه واسعتان بنيتان، وشعره بنى وناعم، طويل قليلا، وجسمه متناسق تماما، نظرت إليه دون أن يلاحظنى، وهو يقول للبائع: ملزمة محاسبة لمجوعة «3 ج»، فبادرت بالسؤال، أنت فى سنة 3 فأجانبى نعم، فسألته «بيقولوا 2 أصعب سنة» فأجابنى اللى يذاكر مفيش حاجة صعبة عليه، فقلت له أنا دينا، فرد وأنا رامز، وأخذنا نتحدث عن المناهج والأساتذة، ومشينا سويا حتى وصلنا أمام مدرج المحاضرات وقال لى عندى محاضرة، واستأذن وانصرف، لم أستطع الابتعاد، ذهبت لأصدقائى وطلبت منهم أن نجلس بجوار المدرج وبالفعل مكثنا فى المكان حتى انتهت المحاضرة، خرج فوجدنى واقفة، حاولت أن أنشغل بأى شىء حتى لا يشعر أننى أنتظره، لكن حدث ما لم أتوقع، نادانى باسمى قال «دينا» وكأن الكلمة خرجت من أعماقى أنا، لا أعلم لماذا ارتعش جسدى، نظرت إليه وحاولت التماسك، فقال لى أنت لسه هنا، فقلت نعم، فرد أكلتى، إيه رأيك نأكل سوا، فوافقت على الفور وقبل أن نذهب عرفته بأصدقائى واستأذنا منهم وذهبنا، وفورا قال لى «هقولك على حاجة بمنتهى الصراحة، أنا من ساعة ما سبتك ودخلت المدرج مغبتيش عن بالى مش عارف ليه، مش هقولك أنه حب بس فى حاجة حصلت، وأتمنى أن نقترب أكثر، وبالفعل حدث، أصبحنا على اتصال دائم، نذهب للجامعة سويا ونجلس طول الوقت مع بعض، بلا أصدقاء، وبعد مرور أيام تحولت العلاقة تلقائيا لحب، قال لى إنه يريد مقابلة والدى، صارحنى بحبه قائلا «أنا بحبك ونفسى أكمل حياتى معاكى»، فقلت هفكر، وفى اليوم التالى مباشرة أخبرته بموافقتى على الأمر، لكن بعد انتهاء الفصل الدراسى مثلما قالت أمى التى أخبرتها بالأمر، فقال لى إن والدته تريد التحدث معى ومع والدتى، فوافقت وكلمتنى والدته التى لم تكن تعلم كيف تعبر لى عن مشاعرها تجاهى دون أن ترانى، وأنها أحبتنى من كلام رامز، وتحدثت مع والدتى واتفقت معها على زيارتنا بعد انتهاء العام الدراسى، ومرت ثلاثة شهور، الأوضاع مستقرة تماما، وكل يوم نقترب أكثر، وفى يوم اتفقنا على الذهاب لشراء بعض الملابس له غدا بعد المحاضرات، وذهبت للجامعة كأى يوم، لم أجده، انتظرته قليلا، لم يأت، قررت الاتصال به حتى أعرف سبب تأخره، فسألته، ورد بمنتهى التلقائية، ماما قررت تروح الكنيسة وكان لازم أوصلها وأنا معاها دلوقتى هروحها البيت وأجيلك أو نتقابل فى وسط البلد على طول.
«اتكتمت«، مش عارفة أستوعب
سألته ماما فين؟
فى الكنيسة.. والله.
سيب ماما وسيب الكنيسة وتعالى حالا.
هوصل أمى البيت بس.
طيب بسرعة، وقفلت الخط.
أنا مش مستوعبة، وبدأت أسأل نفسى، هو أنا كلمته؟ هو رد عليه وقالى أنه فى الكنيسة ولا أنا موهومة؟ كنيسة إيه؟ هو مسيحى؟ هو أنا مسلمة؟ هو إيه اللى حصل؟ هو أنا كلمت رامز ولا حد غيره؟
رامز مفيش على إيديه صليب، ممكن يكون مدقوق بس أنا مشفتهوش؟، لا مفيش صليب، أنا شفت إيديه أكثر من مرة.
هو إحنا عمرنا ما اتكلمنا فى الدين بشكل مباشر، بس عمر ما حصل كلام يوضح أى شىء إزاى، عمره ما سألنى عن علاقتى بالله ولم أهتم بكونه يصلى ويصوم أم لا، كما لم أستعجب من عدم سؤاله عن عدم ارتدائى الحجاب، أو يقول لى مثل باقى الشباب المسلم «إن شاء الله بقى أول ما نتجوز تلبسى الحجاب»، كيف لم تطرح قضية أو واحدة توضح لنا الأمر، لم نختلف على فكرة، أو مبدأ دينى أو دنيوى.
رامز لا يختلف عنى «اللون، الملامح، الرائحة، نظرة العين، لا يأكل ولا يشرب ولا يتحدث ولا يمشى بطريقة مختلفة».
بدأت استيعاب الأمر، حاولت أن أرتب كلامى، لكن ماذا سأقول له، «أنا مسلمة»، أم أساله «هو أنت مسيحى»، مش عارفة أرتب الكلام.
مر الوقت الذى لم يتجاوز ساعة حتى جاء، لمحته، لم تتغير ملامح وجهه كما هو فقط «رامز».
سألنى عن أخبارى واعتذر قائلا «أنا أسف مكلمتكيش قبل ما أروح الكنيسة، لو أعرف أصلا كنت قلتلك تيجى معانا، ماما نفسها تشوفك وكانت هتبقى فرصة حلوة قوى».
أنا ساكتة.
إنتى ساكتة ليه؟
رامز أنت عمرك ما فكرت فى اسمى؟
بدهشة قال ما له؟
أنا اسمى «دينا أحمد عبدالموجود عبدالعليم».
صمت قليلا وقال لى: فجأة كده؟
أكيد مش فجأة، من زمان، بس السؤال إزاى.
تحولت حالة الدهشة واللاوعى التى مررت بها من دقائق إليه، ظل صامتا لفترة، وكنت على يقين بأن كل الأسئلة التى وجهتها لنفسى وجهها هو أيضا لنفسه، وكل ما دار ببالى دار بباله.
نظر إلى بشوق وقال: لا مش هينفع.
فعلا مش هينفع.
لأ مش هينفع أعيش من غيرك، مش هاقدر، لازم نعمل حاجة.
فكرت وحدى فى الأمر وهو جالس بجوارى يراقب وجهى وينظر إليه وكأنها المرة الأخيرة التى سيرانى فيها.
قلت لنفسى أغير دينى، لا مش هاقدر، أمى ممكن تموت فيها، طيب أقنع أهلى ويغير هو دينه بس هعمله مشاكل، طيب محدش فينا يغير دينه ونتجوز جواز مدنى، ممكن أقنع أهلى، لو كلهم اقتنعوا برضه أمى مش هتوافق، ممكن يحصل لها حاجة، فعلا تموت، مااقدرش أعمل كده، وبعدين أنا مؤمنة بعقيدتى وأنا صح، أكيد هو كمان مقتنع أنه صح، ومؤمن بعقيدته، يعنى مش هينفع حد يغير عقيدته علشان التانى. نظرت إليه وقلت بقوة رامز أنت مسيحى وأنا مسلمة مش هغير عقيدتى علشان خاطرك، ومش عاوزاك تغير عقيدتك علشان خاطرى، ومش هينفع نفتح على نفسنا باب مش هيتقفل غير بوجع.
أنتى أزاى بتقولى كده، أنتى مش بتحبينى.
«أنا بحبك بس مش هينفع نكمل مع بعض، الموضوع لازم ينتهى». تركته جالسا وذهبت، وكأنى تركت كل حياتى ورائى، فى هذه اللحظة تزعزعت عقيدتى بكل شىء، وكأن أحد قال لى أنتى مش دينا، وأمك مش أمك، وبيتك مش بيتك، وأخواتك مش أخواتك، والشارع اللى بتمشى فيه مش موجود، وربنا مش ربنا، والكون كله مختلف. لم أستطع سوى الهروب من الموقف الذى كان أكبر من طاقتى على التحمل. ذهبت لأمى وأخبرتها ما حدث فقالت لى لقد قمت بالتصرف الصحيح. حاول رامز بعد ذلك الاتصال بى لكنى رفضت الرد، ولحسن الحظ تزامن الموضوع مع انتهاء العام الدراسى، ومرت الإجازة، وبدأ العام الدراسى الجديد، رأيته مرات قليلة دون أن اهتم محاولة إخفاء اشتياقى إليه، وبمرور الوقت استطعت تجاوز الأمر، لكن لا أستطيع أن أقول وكأنه لم يكن.
مرت الأيام وانتهى العام الثانى من الدراسة الجامعية دون ارتباط، وفى إجازة العام ذهبت مع أسرتى للتصييف بالساحل الشمالى صيف 2002، «أسبوع بحر وروقان ويمكن حب.. ربنا يسهل« وهناك تقابلنا بالصدفة فى اليوم الرابع مع أصدقاء أختى الكبيرة «أحمد وعبدالله» وكنت على سابق معرفة بهما، وكان معهما صديقهما الثالث «سمير» شاب أبيض وطويل عيناه عسلية وشعره ذهبى اللون، رأيته لأول مرة وقتها، واتفقنا جميعا «أنا وأخواتى الثلاثة وأحمد وعبدالله وسمير» على استكمال الأسبوع معا، وحدث، لكن كنت دائما أنفرد بسمير عن قصد منى ومنه، حيث اقتربنا جدا من بعض، تحدثنا فى كل شىء «الحب والصداقة والأسرة والجامعة« حكى لى كثيرا عن علاقاته السابقة، وعرفت كل شىء عنه وكذلك هو، سمير احتوانى وفهمنى واستطاع أن يكشف جوانب من شخصيتى لم أكن أعرفها، فى ثلاثة أيام اقتربنا فيهم من بعض تماما وكأننا تربينا معا، لاحظ الجميع قربى من سمير، وفى اليوم الأخير من المصيف قالت لى أختى «هو فيه إيه بينك وبين سمير» فقلت ولا حاجة، فردت طيب خدى بالك علشان سمير مسيحى.
تانى، هو أنا موعودة؟ أنا كل ما يعجبنى ولد يطلع مسيحى ومش داقق صليب، صعب، هو أنا فيا حاجة غلط، شكلى مسيحى؟، لونى لونهم؟ طيب ما إحنا لون بعض، هم مميزين بالمناخير، يمكن تكون مناخيرى شبهم؟ لا.. عادية؟ هم ريحتهم مميزة، يمكن تكون ريحتى زيهم، بس أنا ريحتى عادية وشكلى عادى وكمان سمير شكله عادى جدا مصرى عادى. لأ مفيش حاجه أصلا، دول 3 أيام، يعنى مش قصة، بس أنا حسيت بمشاعر مختلفة، وبعدين هو ليه كان بيقرب كده، مش موضوع صداقة، كان فكرنى مسيحية، أنا مش محجبة، بس أختى محجبة، وباين أنها مسلمة. طيب، خلاص، مش مهم، كأنه مفيش حاجه حصلت، إحنا أصحاب وبس، وعدنا إلى القاهرة. قررت عدم الهرب هذه المرة، سأواجه الأمر ولن أختفى من حياة سمير، قد تحدث أمور تغير الموضوع.
وبمجرد وصولى اتصل بى ولم أستطع أن أمنع نفسى عن رؤيته، كنا نتحدث يوميا، يتصل بى بمجرد أن يقوم من النوم، ويأتى إلى الجامعة، ونقضى اليوم سويا، وفى نهاية اليوم أتصل به، على اعتبار أننا أصدقاء، لكنها لم تكن الحقيقة، حاولت الهرب من مشاعرى عن طريق التقرب لشخص آخر مسلم، لكن لم أجد به ما وجدته فى سمير المسيحى، الذى أحببته وتعودت عليه وكذلك هو، لم نعترف بالحب، لكنه لا يحتاج اعتراف، كان واضحا وضوح الشمس، لم نهتم لفترة على اعتبار أنها مشاعر ستذهب مع الوقت، لكنها استمرت، لم تنته ولم تتوقف، بل كانت تزيد وتصبح أقوى وأشد، ما ميز علاقتى به هو التفاهم الكامل والاحتواء، لم أكن بحاجة مطلقا لأن أشكو أليه فقد كان يعلم ما يؤلمنى، وما أفكر به، ماذا أريد، كيف أشعر تجاه الأشخاص، متى أغضب ومتى أفرح، حتى وإن لم أتحدث معه، فقط بمجرد أن ينظر لعينى، أكثر شخص ارتحت إليه فى حياتى وشعرت بالأمان والراحة معه، وفى يوم أيقنت أن الأمور خارج نطاق السيطرة ولم أعد أحتمل أكثر من ذلك، أنا أحبه فعلا وهو كذلك، فبادرت بالحديث إليه وقلت له أنى أحبه وأعلم أنه كذلك، لم ينكر الأمر بل أكده، لكننا اتفقنا على أنه لن يصلح، وقررنا أن نظل أصدقاء، وأستمر الوضع كما هو، لكنى وصلت لمرحلة عدم الاحتمال، نحن لسنا أصدقاء ولن نكون هكذا، لذلك قررت قطع علاقتى به تماما وأخبرته بالقرار، فقال على الأقل نظل أصدقاء ونطمئن على بعض، فرفضت وقلت له إن الحب لا يتحول أبدا لصداقة، وقطعت علاقتى به بعد أن استمرت لمدة شهرين، شعرت فيهما أننى وجدت ضالتى فى الدنيا، فهو الشخص الذى احتوانى وفهمنى وعرف كل ما بداخلى دون أن أبوح به، كنت أتمنى أن أظل بقربه، لكنه للأسف مسيحى. لماذا يحدث معى هكذا؟ لماذا دائما يقع حظى مع الشباب المسيحى، هناك خطأ ما، يجب أن أميز نفسى، يجب أن يظهر إسلامى فى شىء، قررت ارتداء الحجاب حتى لا يحدث ذلك مرة أخرى، أعلنها للجميع »أنا مسلمة ولابسة الحجاب».
مرت الأعوام وأنهيت دراستى بعد أن تعرفت على شاب مسلم صديقى وارتبطت به من ديسمبر 2003 وانتهت القصة بمجرد انتهاء مرحلة الجامعة مباشرة فى ديسمبر 2005، وبحثت عن عمل بالمجال الذى أحبه، الصحافة، وفى شهر أبريل 2006، ذهبت لدورة تدريبية فى العين السحنة لشباب الأحزاب السياسية، وكانت مدة الدورة ثلاثة أيام، ومنذ أن دخلنا قاعة الاجتماعات لفت انتباهى شاب أسمر قصير عيناه سوداء وشعره بلون الليل، لديه غمازات بخدوده ساحرة تبرز عندما يبتسم أو يضحك، ظل ينظر إلى وكأنه يقول لى أنتى أيضا جميلة، دخل المحاضر الذى طلب من كل فرد أن يعرف نفسه وكان دوره قبلى، فقال اسمى »بيتر«، سمعت الاسم وكأن أحدهم أخبرنى نكته، بيتر، كنت أريد الضحك، لكنى تماسكت، الأمر واضح تماما أنا محجبة وهو بيتر، انتهت، لكنها لم تنته، فلا الحجاب، ولا الاسم، ولا الدين يستطيع أن يمنع مشاعر من التحرك تجاه فرد، تعرفنا جيدا بعد أول جلسة، وبقينا طول الفترة مع بعض نأكل ونشرب ونحضر المحاضرات ونلعب ونضحك وننزل إلى البحر، وفى اليوم الثالث قررنا عدم النوم، فهو اليوم الأخير، وبالفعل بقينا طوال الليل معا، نتحدث ونحكى ونضحك ونبكى، حكى لى كل ما مر به فى حياته، وحكيت له عن سمير ورامز، وعن أصدقائى وعائلتى، وكنا نتعامل على اعتبار أننا أصدقاء أيضا، تلك الحجة المزيفة التى أقولها لنفسى كلما تحركت مشاعرى فى الاتجاه المعاكس، لكنى أكون على يقين بأنها مجرد حجة، المهم تقابلت مع بيتر أكثر من مرة بعد أن عدنا للقاهرة، وتعودت على لقائه والحديث معه يوميا فى «الفاضى والمليان»، أشعر بالملل فأتصل به يأتى إلى ونأكل آيس كريم ونتمشى فى شوارع وسط البلد التى ملت من تجولنا بها، وفى يوم أخبرنى بأنه يريد التحدث إلى فى موضوع هام، فعرفت ماذا يريد أن يقول، وفكرت فى الأمر جيدا، أنا أيضا تحركت مشاعرى تجاهه لكن لن يفلح الأمر، فبيتر مصيره مثل مصير رامز وسمير، لكنه رفض أن ينتهى الموضوع هكذا وقال إنه على استعداد أن يدخل الإسلام من أجلى، لكنى شعرت بأنه مجرد كلام يقوله لعدم تقبله الفكرة، وقلت له لا أريد أن يدخل الإسلام من أجلى، وإن قرر فلن يكون للأمر علاقة بى، وقطعت علاقتى به. لا أعلم ماذا أقول الآن، ولا أعلم أيضا لماذا حدث لى كل ذلك، لا أستطيع استيعاب فكرة مرورى بثلاث تجارب مع ثلاثة شباب مسيحيين وأنا مسلمة، ليس لدى تفسير لما حدث سوى أن المشاعر الإنسانية مجردة تماما، ولا تنظر لدين، ولا يقف أمامها طائفة أو مذهب، هى مشاعر تنطلق مهما كانت الديانات ولن تتوقف إلا إذا قرر الإنسان أن يصمد أمامها وينهيها، أنا كنت قوية واستطعت ذلك أكثر من مرة، لكنى على يقين بأن هناك آلاف الشباب مروا بقصص حب انتهت بجحيم بسبب الهلال والصليب.