موقف المسلم من الفتنةالحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، الحمد لله عالم الغيب والشهادة، الحمد لله الحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقلب عباده بين محن وفتن، وفرح وحزن، وخوف وأمن، القائل سبحانه:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ( 35)}الأنبياء..وأصلي وأسلم على من قال :" إن السعيد لمن جنب الفتن ,إن السعيد لمن جُنب الفتن , إن السعيد لمن جُنب الفتن , ولمن ابتلي فصبر فواها ":أي هنيئاً له..صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم.
أيها المسلمون: الحمد لله الذي هدانا للإسلام ؛ الدين الذي جاء بخير الدنيا والآخرة، قال تعالى ممتنا على عباده
{
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ؛ لذلك لم يجعل الله الناس بحاجة إلى كتاب غير القرآن الكريم ، ولا لرسول بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف يظن مسلم أن شريعته الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسة خارجة عنها، أو إلى حقيقة خارجة عنها ؛ قال تعالى : {
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }، فالقرآن يا أمة القرآن.. أنزله الله توضيحا لكل أمر يحتاج إلى بيان، كأحكام الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وغير ذلك، وليكون هداية من الضلال، ورحمة لمن صدق وعمل به، وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن مصيرهم.
أيها الناس : ومما جاء الإسلام ببيانه وتوضيحه، حاجة الناس للإمارة ؛ فولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع بمن يرأسهم ؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم : "
إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " رواه أبو داود وصححه الألباني . فما أوجبه الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد لا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر الواجبات من العدل بين الناس وإقامة الجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود كل ذلك وغيره من مصالح الدين والدنيا لا يتم إلا بقوة الإمارة؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم : "
إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " رواه أحمد ، وصححه الألباني .
أيها المؤمنون: ولم تقف الشريعة الإسلامية عند هذا الحد من وجوب اتخاذ الإمارة، واعتبار ذلك ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ، بل أنزل الله ما سماه العلماء آية الأمراء في كتابه الكريم ، وهي قوله تعالى :{
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} سورة النساء . قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون : لعلكم تلاحظون مع قوة وانتشار وسائل الإعلام تلك الدعوات التي تتزايد وتطالب بالانخلاع من طاعة ولي الأمر. أيها الناس: إن الله حكيم ؛ ولذا أمر المسلمين أن يطيعوا بعضهم بعضا ؛ فالولد يطيع أباه، والمرأة تطيع زوجها، والرعية تطيع ولي أمرها ، كل هذه الطاعة لبعضنا حتى تستقيم لنا الحياة ولا تصبح فوضى ؛ فهل يسوغ أن نسمي تلك الطاعات مداهنة ومجاملة ونفاقا وانبطاحا وخذلانا .. إنها الفتن إذا تلاطم موجها، وغشيت كقطع من الليل مظلماً، عندها تضطرب الأفهام، وتزل الأقدام، وتختل الموازين؛ فإذا بدهماء الناس يسيرون خلف كل ناعق، ويهتفون لكل صائح، يرددون بلا وعي، ويتعجلون بلا روية، حتى قال حذيفة رضي الله عنه :
] تكون فتنة تموج فيها عقول الرجال حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً ].
فاسمعوا يا مسلمون هذه الأحاديث التي اخترتها لكم من صحيح البخاري ومسلم وعوها وتدبروها واعملوا بها؛ يقول صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا (عهد الصحابة والقرون الثلاثة الأولى المفضلة ) وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ( كل فتنة أشد من التي قبلها وتجعل ما قبلها فتنة رقيقة خفيفة ) وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ (يموت ) وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ (أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ) وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ؛ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ.......".
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ (
جنة يعني كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض)وَيُتَّقَى بِهِ؛ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ ".
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"
كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ؛ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:" فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ؛ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ".
أيها الناس: دخل بعض الناس على الصحابي الجليل عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ؛ فقالوا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ؛ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ( يعني لا تنازعوهم الحكم ) إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ( بواحا واضحا، وليس مجرد ظنون واستنباطات اجتهادية، بل كفرا واضحا منتشرا يعرفه العامي قبل المثقف والعالم؛ فعندها فقط يكون خروج على ولي الأمر )".
الأمر عظيم؛ ولذا أكده وكرره الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا؛ حتى قال: " اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
وهذا الصحابي أبو ذر رضي الله عنه يقول: " إِنَّ خَلِيلِي (يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ ( أردأ العبيد )".
وهذا صحابي آخر، اسمه سَلَمَةُ الْجُعْفِيُّ يسأل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلا:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا (وهذه الحالة هي أشد أنواع الظلم ) فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ؟ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ يعرض الرسول؛ لأنه يعلم ما في الطاعة من وحدة واجتماع، وما في التمرد من شر عظيم؛ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ..
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ".
وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ".
وهذا الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه يقول:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ؛ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ؛ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:" نَعَمْ " قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ:" نَعَمْ " قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:" نَعَمْ" قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ:" يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ" قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ:" تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ".
بيان وتوضيح كالشمس، يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته حتى لا تضل وتشقى .. بل وصل البيان إلى دلالة العباد إلى ما عليهم فعله لو كان ولي الأمر يفعل الخير ويفعل الشر ، اسمع لهذا التوجيه العظيم من الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم:
" سَتَكُونُ أُمَرَاءُ؛ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ؛ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ ( يقول النووي رحمه الله :
من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه؛ فليكرهه بقلبه وليبرأ ) - الله أكبر والحمدلله على يسر هذا الدين - وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ:" لَا ؛ مَا صَلَّوْا ".
إذن: فالموضوع فيه حزم وجدية ولا يحتمل العبث ، ولو أصر بعض الناس على التفريق بين الأمة وبث الشبهات؛ واسمعوا كلام سيد العلماء صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ"...اللهم نسألك العافية يا رب.. ويقول صلى الله عليه وسلم :
"
خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قَالُوا: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ:" لَا ؛ مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، لَا ؛مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ".
إخواني في الله .. لقد قرر الإسلام مقاماً عاليا للنصيحة في الدين؛ فأداء النصيحة يجعل كل مسلم ومسلمة عنصراً فاعلا في الحياة، ويجعل من الواحد منا ذا عقل واع بمن هو، وبما له من حقوق ، وبما يجب عليه من حقوق الآخرين ؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
الدين النصيحة " قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم . ومع أنه من آكد من يناصح ولي الأمر؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " رواه الإمام أحمد . إلا أنه يجب أن نعلم أن للإصلاح والنصيحة أسلوبها الشرعي الذي يجلب المصلحة بتحقيق العدل والكرامة للناس ويدرأ المفسدة بدفع الظلم عن المظلومين ، والنهي عن الفساد في الأرض بكل أنواعه..لذلك صدر بيان من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قرروا فيه أن الإصلاح والنصيحة لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير الفتن وتفرق الجماعة ، وأن هذا ما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من تحريمها ، والتحذير منها .
أيها المسلمون :
لنكن من دعاة الإصلاح ، وجمع الكلمة ،وباذلي المعروف ، وناشري الخير.. ولنتذكر .. أن نعمة الأمن لا يوازيها نعمة ، ولا يمكن أن تتحقق الحياة البشرية إلا بها ؛ فكل الضرورات والكليات الخمس مرهونة بنعمة الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان .
الحمد لله القائل:{
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ، والصلاة والسلام على القائل : " ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن يشرف لها تستشرفه! ( أي تهلكه ) ومن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به " [رواه البخاري].
أيها الناس: إن المحافظة على الجماعة من أعظم أصول الإسلام ، وهو مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه العزيز ، وعظم ذم من تركه ، إذ يقول جل وعلا { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون(103)} آل عمران . وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظمت وصية النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : " يد الله مع الجماعة " رواه الترمذي . وما عظمت الوصية باجتماع الكلمة ووحدة الصف إلا لما يترتب على ذلك من مصالح كبرى، وفي مقابل ذلك لما يترتب على فقدها من مفاسد عظمى يعرفها العقلاء، ولها شواهدها في القديم والحديث ، يقول صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" رواه البخاري .
أيها العقلاء ..إن مما يجدر التذكير به زمن الفتن بعد تقوى الله تعالى ، واللجوء إليه ، ودعائه، ولزوم عبادته ، هو التذكير بالتحلي بالحكمة والتعقل والأناة، قال تعالى:{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً(269)}البقرة . وقال صلى الله عليه وسلم :" لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة يقضي بها ويعلمها " رواه البخاري . ومن الحكمة يا عقلاء .. الوعي بمن يتربص بنا الدوائر ، من الأعداء المنتهزين، ومن الحساد الحاقدين؛ فلنحذر من أن نكون بأقوالنا وأفعالنا جسراً يعبرون عليه ليحققوا أهدافهم السيئة ، وآمالهم المظلمة ، لنحذر أعداء الداخل والخارج ؛ ولنتذكر أن من أعظم ما تواجه به الفتن الائتلاف والاجتماع على كلمة الحق، ووحدة الصف، وعدم التفرق والشتات، ووزن الرايات المرفوعة حال الفتنة بميزان الشرع .. والرجوع إلى العلماء الربانيين والاقتداء بهم .
اللهم جنبنا شر الفتن ، ونجنا من مضلات الفتن .
الله أعذنا من شرور اليهود والنصارى
اللهم أعذنا من الملاحدة والمجوس والشيعة الرافضة
اللهم أعذنا من شرور المنافقين والعلمانيين
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة ،
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ،
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين .