المنصورة ونابليون ومنذ ذلك النصر الذي الحق بشرف فرنسا جرحاً لا يندمل ، وسطر في صفحات تاريخها عاراً لا يمحى، هي تحلم بالثأر من الشرق لشرفها الضائع على ضفاف النيل الخالد.
فهذا نابليون يحاول تضميد جراح فرنسا التي تزفت دماءها على ارض الدقهلية في المنصورة وفارسكور، فيأتى بعد خمسة قرون ونصف . مزهوا بانتصاراته في إيطاليا ، ممنيا نفسه بنصر جديد يكسبه الفخر، ويحقق له حلمه في إمبراطورية واسعة في الشرق.
فهل يستكين الشعب لطاغية أوربا الجديد؟
وهل ينام على الضيم ويخضع للمستعمر الغاشم؟ألحق أن هذا الشعب العربي الأبي خير الاستعمار، ودفع ضريبة الحرية كفاحاً مريراً لا يعرف الخضوع والاستسلام فهذا موقفه مع نابليون وحملته سنة 1798م. طرقت جحافل نابليون مصر في صيف عام 1798 وحكام مصر من المماليك في غفلة عن أمرها، واستولت الحملة على الإسكندرية ثم على رشيد تقدمت إلى شبرا خيبت على فرع رشيد حيث تغلبت على قوت مراد بك الأمير المملوكي ثم هزمتها ثانية في إمبابة .
لم يجد نابليون الطريق ممهداً أمامه أثناء زحفه في غرب مصر ، فتخطفت المقاومة الشعبية أطراف جيشه، وقاسمته الأرض شبرا شبرا، وامتدت الثورة على المستعمر الغاضب من غرب مصر ، إلى وسطها وجنوبها، وازدادت اشتعالاً في شرقها الأمر الذي دفع نابليون بونابرت إلى محاولة إخماد هذه الثورات فعبر النهر إلى القاهرة التي تركها حكامها من المماليك حاملين معهم ما خف وزنه وغلا ثمنه، تركوا القاهرة لأهلها العزل من السلاح. فدخلها نابليون دخول الحذر الخائف ، فأصدر المنشورات التوددية إلى المصريين حتى يستميلهم إليه.
وقد عزعلى المصريين سقوط عاصمتهم في يد الفرنسيين فازدادت الثورة اشتعالاً في أقاليم مصر المختلفة خاصة إقليم الدقهلية، الأمر الذي دفع بونابرت إلى تعيين الجنرال فيال قومندانا لمديريتي المنصورة ودمياط.
خرج فيان في أوائل أغسطس سنة 1789 بفرقتين لإخضاع هاتين المديريتين.
فقصد أولا إلى مدينة المنصورة، ومكث بها قليلاً بها حامية تحتلها ، غير أن أهالي المنصورة والبلاد المجاورة لم يصبروا على ضيم هذه الحملة ، واجمعوا أمرهم على الفتك بها "ولقد تحقق ذلك في 10 أغسطس سنة 1798 حين اقبل أهالي البلاد المجاورة من مديرية الدقهلية إلى المنصورة ، اختلطوا بأهل المدينة ، واشترك الرجال والنساء في مهاجمة الفرنسيين الذين لزموا معسكرهم حين شعروا بالخطر ، غير أن الثائر حاصروهم وأشعلوا النار في معسكرهم الأمر الذي دفع الفرنسيين إلى إخلاء هذا المعسكر ، قاصدين الهرب إلى دمياط؛ ولكن الثوار الوطنيين قطعوا عليهم الطريق ثم أبادوهم عن أخرهم ، وكان عددهم كما يقول ساباتبيه أحد ضباط فرقتي فيال - 160 قتيلاً أشعلت هذه الواقعة نار الثورة والحمية في البلاد المجاورة ورغم أن نابليون عين قائداً عرف بالقسوة والوحشية هو الجنرال دوجا قومندانا لمديرية المنصورة ، ورغم أن هذا الجنرال حاول أن يقضى على الثورات الوطنية بكل وسيلة ، ومن ذلك انه قبض على اثنين من زعمائها نالها شرف اتهامهما بإشعال نار المقاومة بالمنصورة واعدمهما، وطاف الفرنسيون برأسيهما في شوارع المدينة.
كما اخذ في تعقب المشتركين في هذه الثورة من سكان البلاد المجاورة للمنصورة ، ومعاقبة القرى التي اشتركت فيها أيضا .
رغم هذا كله فقد لقي الفرنسيون عناء كبيراً في إخضاع هذا المديرية ، وعلى العكس مما أراد المعتدون اشتدت المقاومة وامتنع كثير من أهالي البلاد عن دفع الضرائب ، وقابلوا الفرنسيين بالرصاص والعصي، وشملت روح الثورة القرى كلها الآمر الذي اعجز الجنرال دوجا عن الانتقام من القرى التي اشتركت في قتل الحامية الفرنسية بالمنصورة.
وإزاء هذه الهزيمة الجديدة كان لابد للمستعمر من إرهاب جديد