السؤال:
مجال عملي يوجد شيعة، فكيف أتعامل معهم في جميع الأحوال؟ هل إذا سَلَّموا عليَّ أَرُدُّ عليهم؟ هل أُصَاحِبُهم؟ هل أدعوهم للعشاء أو شرب الشاي أو غير ذلك؟ وطريقة تعاملي معهم بصفة عامة.
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن التعامل مع الشيعة يختلف باختلاف حال بِدْعَتِهِم العَقَدِيَّة، فإن كانت بدعةً مُكَفِّرَة، كالغُلُوِّ في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ودعائهم، والاستغاثةِ بهم، وطلبِهم المددَ، أو أن القرآن قد انتقص منه شيءٌ، أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب، أو تكفيرهم لجمهور الصحابة؛ الذي يلزم منه ردّ الشرع، وغيرِه مما يُوجِبُ خروجَهم من الإسلام - فإنهم حينئذ كفارٌ مُرْتَدُّون، فيعاملون معاملة الكفار، فلا يُبْتَدَأُ بالسلام عليهم، ولكن يجوز ردُّ السلام إذا سلَّموا إن كان من عامتهم وليسوا من دعاتهم وعلمائهم، ولا يجوز مَوَدَّتهم، ولا أكلُ ذبائحهم ، ولا تزويجهم ولا الزواج منهم، ولا اتخاذهم خلانًا؛ بل يجب بُغْضُهم، والبراءة منهم، حتى يؤمنوا بالله وحده، ويتركوا بدعهم.
وأما إن كانت بدعتُهم مُفَسِّقَةً، فهؤلاء يُنْظَرُ في أمرهم:
- فإن كانوا ممن يَدْعُونَ إلى بدعتهم، فالأَوْلَى هَجْرُهُمْ لمن يَخْشَى على نفسه التَّأَثُّرَ بهم؛ حفاظًا على دينه وعقيدته، وكذلك لمن يعجز عن الرد عليهم وعلى شُبَهِهِم؛ قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية": "وقال أحمدُ: ويجب هَجْرُ مَنْ كَفَرَ، أو فَسَقَ ببدعة، أو دعا إلى بدعة مُضِلَّةٍ، أو مُفَسِّقَة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره، وقيل: يجب هَجْرُهُ مطلقاً، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق، وقَطَعَ ابن عقيل به في مُعْتَقَدِه، قال: ليكون ذلك كسراً له واستصلاحاً". ا.هـ
وأما من يستطيع الردَّ عليهم، فهذا يتعين عليه الإنكار حسب الاستطاعة؛ استجابةً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم)، ثم القيام بالتناصح والتواصي معهم بالحق والصبر، وتوجيههم إلى السُّنَّة، وتحذيرهم من البدع والمعاصي، وعليه أن يتوخى في ذلك الحكمة والجدل بالحسنى عند الحاجة؛ عملاً بقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، فإن استقاموا وقبلوا النصيحة، فالحمد لله، وأما إن تَعَصَّبوا، وكابروا، وأَصَرُّوا على البدع، فهؤلاء يُشْرَعُ هَجْرُهم، ومقاطعتهم، وترك السلام عليهم، وترك عيادتهم إذا مرضوا، وألا تُشْهَدَ جَنائزُهم إن ماتوا، وألا يُرافَقُوا في سفر.
قال المرداوي في "تصحيح الفروع": "قال ابن تميم: تَرْكُ السلام على أهل البدع فرضُ كفاية، ومكروهٌ لسائر الناس، وقيل: لا يُسَلِّم أحدٌ على فاسق مُعْلِنٍ، ولا مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ". اهـ
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": "يُسْتَحَبُّ تركُ السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة؛ تحقيراً لهم وزجراً". ا.هـ.
قال المرداوي في "الإنصاف": "نَصَّ الإمام أحمد: أن المبتدع لا يُعَادُ، وقال في النوادر: تَحْرُمُ عيادتُه، وعنه: لا يعاد الداعية فقط، يَقْصِدُ: الداعيةَ إلى بدعته".
قال ابن قدامه في "المغني": "وقال أحمد: أهل البِدَعِ لا يُعَادُون إن مرضوا، ولا تُشْهَدُ جنائزهم إن ماتوا، وهذا قول مالك". ا.هـ.
قال ابن مفلح في "الفروع": "قال الإمام أحمد في رسالته إلى مُسَدَّدٍ: ولا تُشَاوِرْ أهل البدع في دينك، ولا تُرَافِقْه في سفرك". ا.هـ
ولْيَعلمْ السائلُ الكريم: أن كل ما ذكرناه من وسائل وضوابط لهجر المبتدع - يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، فإذا كانت المصلحة في هجره، وظُنَّ أن ذلك سيرجعهم عن بدعتهم وضلالتهم، فالهجر هو الأفضل، أما إذا كان الهجر يزيدهم تمسّكاً بباطلهم، ويزيدهم نفرة من أهل الحق، كان تركُه أصلحَ؛ كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرَ عبد الله بن أُبَيِّ بن سلول، رأسِ المنافقين؛ لما كان ترك هجره أصلحَ للمسلمين، وأما إذا كان المبتدع من العوام، لا يستطيع أن يدعو إلى بدعته، فالأولى التلطُّف به، وعدم هجره؛ لأنه يجهل البدعة التي اعتنقها في الغالب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ مُسِرًّا لِبِدْعَةٍ غَيْرِ مُكَفِّرَةٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُهْجَرُ، وَإِنَّمَا يُهْجَرُ الدَّاعِي إلَى الْبِدْعَةِ؛ إذْ الْهَجْرُ نَوْعٌ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ مَنْ أَظْهَرَ الْمَعْصِيَةَ قَوْلًا أَوْ عَمَلًا، وَأَمَّا مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا، فَإِنَّا نَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُ، وَنَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
قال الغزالي في "الإحياء": "المبتدع العامي -الذي لا يقدر على الدعوة، ولا يُخَافُ الاقتداء به- فأمره أهون، فالأولى ألا يُقَابَحَ بالتغليظ والإهانة، بل يُتَلَطَّفُ به في النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب". ا.هـ.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "عاملْهم بما يعاملونك به، وادْعُهم إلى الحق، كل صاحب بدعة عاملْه بما يعاملُك به، وادْعُه إلى الحق، فكثيرٌ من أتباع أئمة أهل البدع لا يعلمون أنهم على بدعة، يُحْسِنون الظن بمتبوعيهم ولا يَدْرُون، لو ناقشتهم بهدوءٍ، وبَيَّنْتَ لهم الحق رجعوا، فيجب أن نفرق بين الداعية إلى البدعة، وبين المُقَلِّد العامي، الذي لا يَعْرِفُ، وعلى كلٍ؛ فإننا نعاملُهم على ما يعاملوننا به، لكننا ندعوهم إلى الحق، ونُبَيِّن لهم الضلال الذي هم عليه من البدع، ولعل الله أن يهديهم".