السؤال:
ما حُكْمُ لبس ما يسمَّى (الدّبلة) إذا لم يُصاحِبْ ذلك أيُّ اعتقادٍ فاسد، وإنَّما كان لبسُه لِمجرَّد أنَّه خاتم هديَّة بِمُناسبة الزَّواج؟
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فإن لبس ما يسمَّى بدبلة الخطوبة أو الزواج؛ سواءٌ كانتْ منَ الذهب أو الفضة- فيه مَحظوران:
الأوَّل: أنَّه ليس من عوائِدِ المسلمين، بل هو من عادات النصارى التي أخذَها عنْهُم كثيرٌ منَ المسلمين، ومخالفة سبيل المجرمين مَقْصِدٌ شَرْعِيّ، وقد أَمَرَنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِمخالفة سبيلهم في أحاديث كثيرة جِدًّا يصعب حصرها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِب" (متفق عليه).
وكقوله: "خَالِفُوا الْيَهُودَ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ في نِعَالِهِمْ وَلا خِفَافِهِمْ". وهي نص في وجوب مخالفةَ سبيلِ المغضوبِ عليهم منَ اليهود والضالينَ منَ النصارى.
كما نَهانا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عنِ التَّشبّه بغير المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: "ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم" (رواه أحمد وأبو داود، قال الألبانِي في صحيح أبي داود: حسن صحيح).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": "وهذا الحديثُ أقلُّ أحوالِه أن يقتضي تحريمَ التشبُّه بِهم، وإن كان ظاهرُه يقتضي كُفْرَ المتشبّه بهم".
وفِي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، قال صلى الله عليه وسلم محذرًا من اتّباع طريقَتِهم: "لتتَّبِعُنَّ سنن مَن كان قبلَكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة حتَّى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ لَدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!".
قال العلاَّمة مُحمد بن ناصر الدّين الألبانِيّ في كتابه "آداب الزفاف" ص212 -فِي ثنايا حديثه عَن خاتم الخطبة-: "فهذا مع ما فيه من تقليدِ الكُفَّار أيضًا؛ لأنَّ هذه العادة سرت إلى المسلمين من النصارى، ويَرجع ذلك إلى عادةٍ قديمةٍ لهم عِندما كان العريس يضع الخاتم على رَأْسِ إبْهام العروس اليُسرى، ويقول: باسم الرب، ثم ينقله واضعًا له على رأسِ السَّبَّابة ويقولُ: باسم الابن، ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: باسم روح القدس، وعندما يقولُ: آمين، يَضَعُه أخيرًا فِي البنصر حتى يستقر". اهـ.
الثاني: اعتقادُ البعض أنَّها تُسبّبُ المحبّة ودوام الزوجيَّة بين الزوجين، ولذلِكَ تجدُ الزَّوجَ يكتُب اسمَ زوْجَتِه على الدّبلة الَّتي يَلْبَسُها، وكذلك الزوجة تكتُب اسمَ زوجِها على دبلتها، فضلا عن تشاؤمهما من نزع تلك الدبلة خوفا من أن تحدث الفرقة بينهما؛ ولا شكَّ أنَّ هذا يُعتبر نوعًا من الشرك الأصغر.
وقد سُئِلَ الشيخ العثيمين رحمه الله عنْ حُكْمِ لبس الدبلة فأجاب: "الدّبلة لباسُها على قسمين، القسم الأوَّل: أن يكون مصحوبًا بعقيدةٍ؛ مثل أن يعتقدَ كُلّ منَ الزَّوجَيْنِ أنَّ بقاءَ الدّبلة في أصبعه سببًا لِدوام الزوجيَّة بينهما، ومِن هُنا تَجِدُ الرَّجل يكتُب اسمَ زوجَتِه في الدّبلة التي يلبسها، والمرأة تَكْتُب اسمَ زوجِها في الدّبلة التي تلبسها، وهذا القسمُ لا شكَّ أنَّه حرامٌ، ولا يجوز؛ لأنَّه نوعٌ من التولة، وهي نوع من الشرك الأصغر، وذلك أنَّ هذا الزوج أوِ الزوجة اعتقَدَا في أمرٍ منَ الأُمُور أنَّه سببٌ بِدون دليل شرعيّ، ولا واقع حسّيّ، وكلّ مَن أثبت سببًا من الأسباب بِدُونِ دليلٍ شرعي ولا واقع حسّيّ فقد فعل شِرْكًا أصغر؛ لأنَّه جَعَلَ ما لم يَجعله الله سببًا سببًا، أمَّا القسم الثاني: كأنْ يَلْبَس الدبلة للإشعار بأنَّه خاطبٌ أو بأنَّها مخطوبة أو بأنَّه قد دخل بِزَوْجَتِه وقد دخل بها زوجُها، وهذا عندي محلّ توقّف؛ لأنَّ بعضَ أهل العلم قال: إنَّ هذه العادة مأخوذةٌ عنِ النصارى، وأنَّ أصلها من شِعارهم، ولا شكَّ إنَّ الاحتياطَ لِلمرء المسلم البعدُ عنها، والتجنّب لها، لئلا يقع في قلبه أنَّه تابع لهؤلاء النصارى الذين سنُّوها أوَّلاً فيهلك، وأمَّا ما يُرسل إلى المخطوبة عندَ الخِطبة من أنواع الحليّ، فإنَّ هذا لا بأسَ به؛ لأنه عبارة عن هديَّة يقصِدُ بِها تحقيقَ رغبةِ الزَّوج لمخطوبَتِه" انتهى.
فإن كانتْ تلك الدبلةُ مِنْ ذَهَبٍ، فيكون هذا محظورًا ثالثًا للرجال؛ لأنَّ لبسَ الذَّهَبِ مُحرَّم عليهم بأيّ شكْلٍ مِنْ أشكالِه؛ فقدْ صحَّ عنِ النبي صلَّى الله عليه وسلم أنَّه رأى رجلاً في يده خاتمٌ منْ ذهبٍ فَنَزَعَهُ عليه الصلاة والسلام من يَدِه وقال: "يعمِدُ أحدُكم إلى جمرة من نارٍ فيَضَعُها في يده" (رواه مسلمٌ من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما).
وأخذ صلى الله عليه وسلم حريرًا فجعله في يَمينِه وذهبًا فَجَعَلَهُ في شِمالِه ثُمَّ قال: "إنَّ هَذَيْنِ حرامٌ على ذُكور أُمَّتِي"، كما رواه أبو داود والنَّسائيُّ عن عليّ رضي الله عنه وعن أبِي مُوسى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حُرِّمَ لباسُ الحرير والذَّهَبِ على ذُكور أمتي وأُحِل لإناثهم" (رواه الترمذيُّ وصحَّحه).
ومِمَّا سبقَ يعلم أنَّه لا يجوزُ لبسُ دِبلة الزَّواجِ، حتَّى وإن لم يعتقدْ فيها أيَّ اعتقادٍ باطلٍ؛ لِما فيها من التشبُّه بغير المسلمين،، والله أعلم.