كثيرون لا يعرفون صبرى أبوعلم إلا من خلال
شارع يحمل اسمه فى وسط القاهرة، متفرعا من ميدان طلعت حرب (سليمان باشا
سابقا)، لكنهم لا يعلمون سيرته، التى نفتتحها بمشهد وداعه، الذى وافق عيد
الربيع أو «شم النسيم».
فى الرابع عشر من أبريل ١٩٤٧، وفى عهد وزارة
محمود فهمى النقراشى، كانت الجماهير مكتظة فى ميدان إسماعيل (ميدان التحرير
حاليا) إلى جامع الكخيا على مشارف العتبة، وقد احتشدت لوداع محمد صبرى
أبوعلم، سكرتير عام حزب الوفد، والأسى يعتصر قلوبهم، وهم يطلبون من صبرى
أبوعلم أن يشكو لله ما يقع عليهم من ظلم.
وخرج مصطفى النحاس، زعيم
الوفد، مع زعماء الأحزاب ورؤسائها للمشاركة فى جنازة «أبوعلم»، الذى تميز
بعلاقات طيبة مع غالبية الساسة وقادة الرأى، وأقبل مكرم عبيد، سكرتير عام
الوفد السابق، على النحاس يحتضنه ويقبله وهو يقول: «إذا مات صبرى فإن حب
مكرم للناس لا يموت»، ثم يشيعه النحاس خاطبا فى الجماهير: «كان صديقا وفيا،
ورجلا أبيا، وعلى المساومين فى حقوق الوطن جبارا عصيا».
هذا هو محمد
صبرى أبوعلم، الذى شغل موقع سكرتارية الوفد من ١٩٤٣ حتى وفاته فى ١٩٤٧،
وتعد هذه الفترة من أخصب فترات العمل الشبابى فى الوفد، الذى شهد زخما
شبابيا للحزب وتفاعلا اجتماعيا.
وبعد أن عصفت حكومة إسماعيل صدقى
بالصحف الوفدية عام ١٩٤٦، واعتقل الكثير من كتابها، أصدر صبرى أبوعلم صحيفة
«صوت الأمة»، وكان صاحب الامتياز، فيما كان حامد طلبة صقر مديرا لها،
وحافظ شيحة رئيسا لتحريرها، واستمرت الصحيفة فى الحفاظ على التراث
الليبرالى للوفد والنضال من أجل الدفاع عن الاستقلال والديمقراطية والعدل
الاجتماعى.
وفى صيف ١٩٤٥ كان «أبوعلم» و«النحاس» قد أسسا اللجنة
الوطنية للطلاب والعمال، والتى ضمت ممثلين لطلاب الجامعة والأزهر والعمال
والمدارس الثانوية، وكانت اللجنة نواة لجبهة عريضة للكفاح ضد الاحتلال،
ونشط شباب الوفد فى اللجنة، التى حظيت بكل الدعم من حزب الوفد.
وعندما
شكل النحاس وزارته السادسة، اختار صبرى أبوعلم وزيرا للعدل، وكانت هذه
الوزارة هى أطول وزارات النحاس وأشدها خصومة مع القصر الملكى.
وأعد
أبوعلم مشروع استقلال القضاء، الذى أصدرته حكومة الوفد فى ١٠ يوليو ١٩٤٣،
ومنحت حكومة الوفد رجال القضاء قطعة أرض مساحتها نحو ألفى متر، وعشرة آلاف
جنيه، لبناء وتأسيس نادى القضاة.
ومما يذكر لصبرى أبوعلم من سجله
الوطنى أنه فصل من مدرسة الحقوق لمدة عام حينما كان طالبا لمشاركته فى
مظاهرة ضد السلطان حسين كامل، حينما زار مدرسة الحقوق، وكان أبوعلم فى
الثالثة والعشرين من عمره، وتأخر تخرجه عام ١٩١٧.
ونقف على قبس آخر
من سيرة صبرى أبوعلم من ابنه المستشار يحيى محمد صبرى أبوعلم، الذى يقول إن
صبرى أبوعلم ولد فى ٢١ مارس ١٨٩٣ فى مدينة منوف، بمحافظة المنوفية، ومن
مدرسة المساعى المشكورة هناك حصل على الابتدائية، ثم هبط إلى القاهرة ليتم
تعليمه الثانوى والعالى. وبعد أن تخرج فى مدرسة الحقوق عمل محاميا فى منوف
وأشمون.
وكان سعد زغلول باشا فى زيارة لمنوف لحضور احتفال لجمعية
المساعى المشكورة بعيد الجلاء عام ١٩٢٣، وأشار إلى علوى الجزار ليتكلم، إلا
أن الجزار أشار إلى المحامى الشاب آنذاك صبرى أبوعلم ليتكلم، فوقف وخطب
خطبة وطنية رفيعة بين يدى سعد باشا، الذى أعجب بمنطقه وبلاغته ووطنيته،
وطلب منه أن ينقل عمله إلى القاهرة.
وفى مكتب مرقص باشا حنا عمل صبرى
أبوعلم، وفى الانتخابات البرلمانية فى ديسمبر رشحه الوفد عن دائرة منوف
أمام أحد كبار الملاك، وفاز أبوعلم، وكان أصغر النواب سنا.
كما شغل فى يوم ما موقع نقيب المحامين، وهناك قرية فى محافظة الدقهلية تحمل اسمه (منشأة صبرى أبوعلم).
ولدى
واحد من أقرباء صبرى أبوعلم، وهو توفيق أبوعلم، وكذلك لدى ابنه المستشار
يحيى صبرى أبوعلم، الذى أحيل إلى المعاش وهو نائب رئيس هيئة قضايا الدولة،
نجد المزيد من التفاصيل والمحطات المهمة فى حياة صبرى أبو علم، فقد اختير
أميرا للحج، وسلمه الملك عبدالعزيز آل سعود حزام الكعبة، فيما يمثل استثناء
شرفيا، لأن هذا الحزام لا يسلم إلا للملوك والرؤساء.
كما عين فى
الكثير من اللجان التشريعية وسن القوانين، ومنها اللجنة التى أعدت مشروع
إلغاء الامتيازات الأجنبية، كما كان له الفضل فى إصدار قوانين مهمة، مثل
قانون المرافعات والعقوبات والمحاماة والطوائف والوقف والوصية.
غير
أنه فى سياق مذبحة القضاء عام ١٩٦٩ تم فصل أى رجل قضاء ينتهى اسمه بلقب
أبوعلم، كثأر قديم من صاحب قانون استقلال القضاء، وبالطبع شمل التنكيل ولده
يحيى صبرى أبوعلم.
تم اختياره زعيما للمعارضة بمجلس الشيوخ
بالإجماع، ومثل مصر فى العديد من المؤتمرات البرلمانية، وأطلق عليه
المحامون لقب «فخر المحاماة»، وكان الساعد اليمنى لمصطفى النحاس والوزير
الأول فى وزارته، حتى إنه كان يصفه بالوزير (صفر)، وشارك فى تنفيذ معاهدة
مونترو.
مات على مبادئى الوفد وانتمائه له، بخلاف غيره ممن تحولوا عن
الحزب، وكان مشهودا له بالتدين، حتى إنه كان يحرص على الاعتكاف، وكان
بعيدا عن المهاترات السياسية.
كان أبوعلم مشرعا رفيعا وباحثا ومحاورا
ومساجلا وخطيبا وأديبا ومحبوبا من معاصريه، وانتخب نقيبا للمحامين قبل
وفاته بثلاثة أشهر، ولذلك كرمته نقابة المحامين كنقيب سابق، بعد وفاته،
وتحديدا فى ٣٠ سبتمبر ٢٠٠١ ضمن تقليد أرسته النقابة فى تكريم النقباء
السابقين.