أعراض مرض الغفلة (البعد عن الله) - قصة ربعي بن عامر.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-12-25
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة الكرام: الأمراض التي تُصيبُ الجِسم لها أعراض، أحياناً سخونة، آلام في الرأس، مغص في الأمعاء..... هذهِ اسمُها أعراض المرض، الطبيب الناجح هوَ الذي يُعالج أصلَ المرض ولا يُعالجُ أعراض المرض، فمن أعراض المرض ارتفاع الحرارة فالطبيب غير الناجح يُعطي خافِض حرارة، المرض موجود، أصلُ المرضِ موجود، لكنَّ البطولة أن تُعالِجَ أصلَ المرض.
هُناكَ مرضٌ خيرٌ جداً هوَ مرضُ البُعدِ عن الله، هذا أخطر مرض يُصيب الإنسان سمِّهِ البُعد أو سمِّهِ الغفلة:
﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)﴾
(سورة الأعراف)
هذا المرض لَهُ أعراض كثيرة، سأستعرِضُ معكم أعراضَ هذا المرض حتى الإنسان إذا كان أحد هذهِ الأعراض مُتلّبس بِها ينتبه:
1- أول عَرَضْ من أعراض البُعدِ عن الله أنكَّ تدّعي أنَّ الناسَ كُلَّهُم هلكّى، قال عليهِ الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتَ وَقَالَ مُوسَى إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))
(سنن أبي داوود، كتاب الأدب)
يعني ييأس، طريق إلى الصلاح لا يوجد.. لماذا ؟ المجتمع في الجاهلية كان في أشد انحراف وأشد بُعد عن الله من المجتمع الحالي ومع ذلك المجتمع أصبحَ أبطالاً، فكُل إنسان ييأس من الإصلاح، يقول لكَ لا أملَ هناك، انتهينا، اقرأ علينا السلام، الناس كُلّهُم منافقون، يعني يحلو للبعض إذا دخل المسجد يقول: ثلاث أرباعهم منافقون، من قالَ لكَ ذلك ؟ تُعبِّرُ عن ذاتِكَ لا تُعبِّرُ عن الآخرين، فكُل إنسان يصف الناس جميعهم بالهلاك وييأس من صلاحِهم هوَ الهالِكُ وحدهُ، فأحد أعراض هذا المرض أن تيأَسَ من صلاح الناس، أن تقعُد، والشيطان دائماً يُيأس، الشيطان يُثبّط، الشيطان يُضعِف، الضعف والتثبيط والتيئيس من فِعل الشيطان، فالإنسان إذا كان مع الشيطان ييأس.
واللهِ الذي لا إله إلا هو من خلال هذه الدعوة المتواضعة يعني أشخاص عديدين " عديدين " يقول لي الواحد منهم ليست هناك معصية إلا وارتكبتُها سابقاً والله تاب عليّ، والآن يكاد يكون داعية، يعني تاب إلى الله عزّ وجل.
سمعت برجل أمريكي.. يعني.. منحرف انحراف، هابط هبوط، إباحي إلى درجة تفوقُ حدَّ الخيال، وفي ساعة من ساعات اليقظة استيقظ فذهب إلى موريتانيا وتلّقى العلم عنِدَ بعض الشيوخ وإلى المغرب ثمَّ عاد إلى أمريكا، الآن له دعوة في أمريكا من أكبر الدعوات في لوس أنجلوس " من أكبر الدعوات " وأساسُهُ إنسان منحرف انحراف شديد، وكنتُ أتمنى أن ألتقي بِهِ لكن الوقت لم يسمح.
ممكن للإنسان أن يكون منحرف ويتوب إلى الله عزّ وجل، الإله رحيم وتوّاب وأعطى فرصة لكُل إنسان أن يتوب، فهذا الذي يقول: " هَلَكَ الناس، انتهى الناس، ولا أمل هُناك، وفالج لا تعالج، ولا تتُعب نفسك، كمن ينفُخُ في رماد، لقد أسمعتَ لو ناديتً حياً لكن لا حياة لمن تُنادي " هكذا يقولون، هذا كلام إنسان مع الشيطان، هذا كلام إنسان مُعرض، هذا كلام إنسان مُنافق، هذا كلام إنسان يائس:
﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)﴾
(سورة يوسف)
الحديث الصحيح الذي وردَ عن رسول الله رواه أبو هريرة:
" إذا قال الرجل هلكَ الناس فهو أهلكُهم "، يعني هوَ أشدُّهم هلاكاً، وفي رواية ثانية: " فهوَ أهلَكَهُم "، هوَ الذي وصفهم بالهلاك وهُم ليسوا كذلك، هوَ أهلَكُهُم أشدُّهم هلاكاً، أو هوَ أهلَكَهُم وهُم ليسوا هلكى، الله موجود والصُلحة بلمحة، ويا ربي لقد تُبت، عبدي وقد قَبِلت، وإذا قالَ العبدُ يا ربي وهوَ راكع قال الله لبيكَ يا عبدي، إذا قال يا ربي وهو ساجد قال لبيكَ يا عبدي، إذا قال لَهُ وهوَ عاصٍ قالَ لَهُ لبيكَ ثُمَّ لبيك ثُمَّ لبيك.
قالَ واحد يُناجي الله عزّ وجل يا رب هذهِ رحمتُكَ لمن قال أنا ربُكم الأعلى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾
(سورة طه)
فرعون الذي قالَ أنا ربُكم الأعلى " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا "، قالَ لهُ يا ربي إذا كانت رحمتُكَ بمن قال أنا ربُكُم الأعلى هكذا فكيفَ رحمتُكَ بمن قالَ سُبحانَ ربيَ الأعلى ؟ بين سبحان ربي الأعلى وبين أنا ربُكم الأعلى مسافة كبيرة جداً، اللهُ عزّ وجل يُريدُ هِداية الذي قال أنا ربُكم الأعلى.. يُريدُ هِدايتَهُ.. فكيفَ بالذي يقول سبحانَ ربي الأعلى، قال يا رب إذا كانت رحمتُكَ بمن قالَ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري فكيفَ بمن قالَ لا إلهَ إلا الله.. فالذي يقولُ هَلَكَ الناس فهوَ أهلَكُهُم.. هذا أول عَرَضْ: يائس، مُثبّط، ميئس يعني مُنته كُلَّ شيء عِندَهُ.
2- العَرَضْ الثاني: المُعرض عن الله دائماً ينظر في الدين إلى من هوَ دونَهُ " ينظر لِنفسُهُ ولي " وينظر في الدُنيا إلى من هوَ فوقَهُ " يرى أنَّ الله لم يُعطيه شيء "، أمّا المؤمن ينظر في الدين إلى من هوَ فوقَهُ وفي الدُنيا إلى من هوَ دونَهُ.. توازنوا..، طبعاً تُقيس نفسُكَ مع اللصوص فعلاً ولي، مع المجرمين ولي، مع الزُناة ولي، أمّا مع الصحابة لا شيء أنت، مع كبار المؤمنين لا شيء، فالعِبرة أن تقيس نفسك مع الكِبار لا مع الصِغار، مع الصِغار تبرُك تُثبّطُ عزيمَتُك لكن مع الكِبار تركض، فالمؤمن الصادق يوازن نفسَهُ في الدُنيا مع من دونَهُ، ورد أنّهُ من دخلَ علي الأغنياء " القصد غير المؤمنين " خَرَجَ من عِندِهم وهوَ على الله ساخط، لا تُصاحِب إلا مؤمناً ولا يأكُل طعامك إلا تقيّ، العَرَضْ الثاني أنَّ المُسلم الصادق ينظر إلى من هوَ دونَهُ في الدُنيا فيرى نعمة الله عليه.
مرةً شخص رأيته مهموم جداً " هذه قصة منذ 12 سنة " ومن إخواننا، فسألته خيراً، فقال أنَّ الوضع صعب جداً، سألتُهُ ما هوَ الوضع قال لي عندي 300 - 400 دونم تفاح " وقتها كان التُفاح يُباع للدولة " فأعطوني سعر قليل، قُلتُ لَهُ: عِنكَ شيء لتبيعَهُ، هناك إنسان لا يوجد شيء عَندَهُ ليبيعَهُ، أنتَ مشكِلَتُكَ أنَّ السعر قليل وعندك 300 دونم تفاح تبيعهُ، أمّا الذي لا يملك أي شيئ ليبيعَهُ ؟ أنتَ لو اضطررت أن تُجري غسيل كُلية كل أسبوع مرتين فلَهُ قيمة سعر التُفاح ؟ لو أنَّ الإنسان اضطر أن يُغيّر دسام، يُغيّر شريان، عملية في أوروبا في أمريكا تُكلّف ثمن بيتُهُ.. هذهِ المُصيبة، فالإنسان ينظر في الدُنيا إلى من هو دونَهُ يرى نِعمة الله عليه، النبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظُم عِندهُ النعمة مهما دقّت، كأس ماء تشربُهُ، لكَ مأوى تُؤوي إليه، لكَ زوجة وأولاد، لكَ مصروف، عقلُك في رأسُك، ونحنُ يوم الجمعة هؤلاء الأخوان الصغار الذي يأتون مع آبائهم أنا أحب تكريمهم بقطعة حلوى، فمرة بعد انتهاء الخطبة جاء واحد طويل مثلي بمرتين وسألني أين قطعتي فأعطيتُه " فوق لا يوجد شيء " فإذا الإنسان عقلُهُ بِرأسُهُ فهذهِ نعمة كبيرة جداً، من أعظم النِعم العقل.
انظر لمن هو أدنى مِنك فذلك أحرى أن لا تحتقِرَ نعمة الله عليك، في أمر الآخرة انظر للمتفوقين، كبار المؤمنين، للصحابة الكرام، لمن شُغلُهم الشاغل الله عزّ وجل، لمن باعوا أنفسَهُم في سبيل الله، لمن ملئوا الأرضَ عِلماً، لمن دعوا إلى الله، انظر إلى هؤلاء.
بالمناسبة إذا الإنسان نظر لمن هوَ فوقُهُ في الدين فيصغُر، لكن يصغُر ليكُبر وفعلاً صغُر، لكن عندما صغُر سوف يكبُر حيث أنّهُ أخذ حجمُهُ الحقيقي وجدَ نفسُهُ لا شيء فبدأ بالعمل، أما إذا لم يوازن نفسُهُ مع الكِبار ومتوهّم نفسُهُ كبير جداً وهوَ صغير جداً، عِندَ الناس وعِندَ الله، فإذا الإنسان وازن نفسُهُ مع كِبار المؤمنين يصغُر، الآن يصغُر ليكبُر، لن تكبُر إلا إذا صغُرت، من دون أن تقرأ عن العلماء السابقين، عن الأبطال الكِبار الذين ضحّوا بالغالي والرخيص والنفسِ والنفيس أنتَ كبير وهماً، أمّا أنتَ عِندَ الله لستَ بكبير ولا عِندَ الناس كبير، أمّا إذا عرفت وقُمت بتحجيم نفسك الآن تكبُر.
3- العَرَضْ الثالث في البُعد عن الله عزّ وجل أنّهُ دائماً يُقلّد في الدُنيا ويبتدع في الدين وهذهِ مشكلة كبيرة، الدين منته، الدين توقيفي، الدين ليسَ فيه زيادة، الدين من عِند الله، العقيدة ثابتة، العبادات ثابتة، بعض الاجتهادات الفقهية مقبول أن تتطوّر فقط، فيبتدع في الدين ويُقلّد في الدُنيا، جالس وعندهُ آلاف المشكلات لا يحُلُها لكن يجب أن يبتدع في الدين، فيُعالج موضوعات لم يُعالِجُها النبي، ويبحث في موضوعات لا فائدة فيها، فالمُعرِض عن الله دائماً يبتدع في الدين ويُقلّد في الدُنيا، أمّا المؤمن الصادق يبتدع في الدُنيا يقوم بتحسين ظروف معيشتِهِ ويُقلّد في الدين.
4- العَرَضْ الرابع من أعراض البُعدِ عن الله أنَّ الإنسان يُبهر بالعالم الغربي، ينبهر انبهار غير معقول، يعني صدقوني الآن إذا واحد استطاع أن يأخذ فيزا إلى دولة غربيّة كأنّهُ دخلَ الجنة تجدهُ يقول: " الله يطعمها لكل مشتهي "، الانبهار بالغرب دليل ضعف الإيمان، دليل اهتزاز القيم، دليل ضيق الأُفق، يجب أن تُؤمن بالآخرة وأن تعلم عِلمَ اليقين أنَّ هؤلاء يمشون في طريق مسدود، يعني أوضح تعبير للإنسان الغربي: " إنسان بِلا هدف وبِلا قيم فقط " إنسان يعيش لحظتِهِ، يبني نفسَهُ على أنقاض الآخرين، يبني حياتُهُ على موتِهم، يبني غِناه على فقرِهم، يعني هُناك أرقام فلكية لِما يأكُلُهُ الكِلاب من اللحم، ما يأكُلُهُ الكِلاب من اللحم لا يأكُلُهُ الشعب الهِندي بأكمَلِهِ 900 مليون، هؤلاء الذين يبنون ثروتهُم على أنقاض الآخرين لا يستحقون الاحترام، فلذلك من هَويَ الكفرةَ حُشِرَ معهُم ولا ينفعُهُ عملُهُ شيئاً، ومن أقامَ مع المُشركين بَرِأت مِنهُ ذِمّةُ الله، يعني الذي يُقيم إقامةً دائمة بَرِأت مِنهُ ذِمةُ الله، هذا عَرَضْ رابع من أعراض البُعدِ عن الله عزّ وجل.
قبلَ أن نُكمل كان سيدنا ربعي ابن عامر كان في جيش يُحارب الفُرس وكانَ القائد رُستم، وقائد المسلمين سعد ابن أبي وقّاص، فطلبَ رُستم مُفاوضين ليُفاوِضونَهُ فأرسلَ سيدنا سعد بعضَ أصحابِهِ وطلب أن يُفاوِضوا رُستُم، كانَ مِنهم ربعيّ ابن عامر فلّما ذهب إلى رُستم قالَ لَهُ رُستُم ما الذي جاء بِكم ؟ قال رِبعي: ابتعثنا اللهُ جلَّ جلالُه لِنُخرِجَ من شاءَ من عِبادة العِباد إلى عبادةِ ربِّ العِباد.
رسالة الإسلام دعوة إلى التحرُر، بالمناسبة " دققوا في هذه الكلمة ": إمّا أن تكونَ عبداً لله وإمّا أن تكونَ عبداً لعبدٍ لئيم.. أبداً.. إن لم تكُن عبداً لله فأنتَ عبدٌ لعبدٍ لئيم، يسحَقُكَ ويُؤذيك ويستخدِمُكَ ويستغِلُّكَ، فكُن عبداً لله، إن كُنت عبداً لله فأنتَ حُر، قالَ لَهُ: ابتعثنا الله جلَّ جلالُه لِنُخرِجَ من شاءَ من عبادة العباد إلى عبادة الله، فقالَ رُستم لِجُلسائه: ما أتعسني ليسَ في جيشي إلا ألفُ غانيةٍ وطبّاخ " كلمة دقيقة جداً "، تجد في الدول المتأخرة مظاهر الترف ومظاهر الاستمتاع، مطاعم فنادق، مقاصف كُلُهُ درجة أولى لكن ضِعاف لا نملك أن نُصنّع شيء مثلاً، فماذا قال رُستُم ؟ قال: ما أتعسني ليسَ في جيشي إلا ألفُ غانيةٍ وطبّاخ وهذا الذي جاءَ من البدو يقول من ضيقِ الدُنيا إلى سعة الآخرة، " فالقضية تحتاج إلى مراجعة حسابات "، والقصة طويلة، فقالَ لَهُ ما موعودِ الله عِندكُم ؟ فقال الجنةُ لمن ماتَ على ذلك والظفر لمن بقيَ على قيد الحياة، قال له: قد سمعتُ مقالَتُكم فهل لكم أن تُؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظُرَ فيه.. يعني دولة عُظمى، دولة فارسية، وهذا قائد كبير يطلُب من بدوي قالَ لَهُ هل تُمهِلُنا، فأجابَهُ نعم كم تُحِب يوماً أو يومان، قالَ لا حتى نُكاتِبَ أهلَ رأيِنا، قالَ واللهِ ما سنَّ لنا النبيُ الكريم أن نُؤخرَ أعدائناً اكثر من ثلاث " لا مجال هناك فلا تُغلّب نفسك ثلاث أيام فقط بدوي يُخاطب قائد جيش فارسي "، يعني:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)﴾
(سورة المائدة)
فقال له رُستم: أسيّدٌ أنتَ فيهِم ؟ قالَ لا أنا جُندي عادي ولكنني واحدٌ من المسلمين والمسلمون كالجسد الواحد يُجيرُ أدناهُم أعلاهُم.
يقولون أنَّ سيدنا الصديّق رضي الله عنه جاءه كتاب من سيدنا خالد أن مُدني بمدد، يعني أقل عدد خمسون ألف فإن لم يكُن ثلاثون، سيدنا الصدّيق أمدّهُ برجل واحد اسمهُ القعقاع، فسيدنا خالد ينتظر جيش ضخم يأتي من المدينة وإذ بشخص واحد يأتي فسألَهُ من أنت فأجابَهُ أنا المدد، تعجّبَ سيدنا خالد: واحد !! ومع المدد كتاب ففتحُهُ: يقول لهُ سيدنا الصدّيق من عبد الله أبي بكر إلى خالد ابن الوليد أحمدُ الله إليك ولا تعجب يا خالد من إرسال القعقاع فو الذي بعثَ النبي بالحق إنَّ جيشاً فيهِ القعقاع لا يُهزم، وتمَّ النصر على يد القعقاع، واحد، وهكذا كانَ الأجداد واحد كألف، على كُلٍّ المؤمن إذا ابتعد عن الله يضعُف، تخورُ قِواه، ييأس.
5- من أعراضِ هذا المرض أنَّ المُسلم يستحيي بإسلامِهِ، يعني إذا كانَ هُناك مجلس يستحي أن يُصلي، إذا كان هناك طاولة على مشروب يقول لكَ أنا معي قرحة يستحي أن يقول أنا مُسلم، قُلْ أنا مُسلم ولا تستحي بإسلامك، الذي يستحي بِدينِهِ ليسَ مُسلم هذا دينُ الله.
6- أيضاً هُناكَ عرضْ آخر من أعراض البُعدِ عن الله عزّ وجل: تركُ الأهداف العالية وإتّباعُ الأهداف الخسيسة، ليسَ هُناك هموم إلا تأمين بيت وسيارة وزوجة فقط، ولا يوجد عِنده مشكلة ثانية أبداً أن يحمل همّ المسلمين، يُساهم في نشر الحق مثلاً، أن يُساهم بحل مشكلات المسلمين.. أبداً لا يوجد عِندَهُ.. همومه كُلُها خسيسة، فلذلك الإنسان كُلما إرتقى عِندَ الله يحمِل همومَ المسلمين، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
(سورة الحِجر)
فالله عزّ وجل أقسم بِعُمر النبي عليه الصلاة والسلام، فكُلمّا ارتقى الإنسان ترتقي همومُهُ، وكُلّما صَغُرَ عِندَ الله تصغُر همومُهُ، لذلك مرة سيدنا عمر أدخل شاعر اسمهُ الحطيئة السجن لبيتين قالَهُما والمشكلة أنَّ هذين البيتين شعار كُل إنسان الآن، قال:
دع المكارِمَ لا ترحل لِبُغيَتِها وأقعُد فإنكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي
الآن أكثر الناس تقول " شو بدك بوجع الرأس " إذا كان قد تحمّس لقضية وأحب أن يدعو لله يقولون لهُ: " اجلس وارتاح مالُكَ وما للناس " يُثبِطون عزيمتهُ، مادام دخلُكَ جيّد وتسكُن في بيت ومرتاح ولا يوجد عِندك مُشكلة.. دعكَ من هذا.. فمن أعراض البُعد عن الله عزّ وجل أن تُصبح الأهداف خسيسة، سخيفة، ماديّة محضة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
(سورة التوبة)
يُروى أنَّ سيدنا علي رضي الله عنه سال ابنهُ مرةً قال يا بُنيّ " دقق في هذا السؤال " مِثلَ من تُريد أن تكون حينما تكبُر؟، قال أُريد أن أكونَ مثلَكَ يا أبي، فقالَ سيدنا علي.. لا.. قُل إنكَ تُريد أن تكونَ مِثلَ رسول الله لأنكَ إذا كانَ هدفُكَ أن تكونَ مِثلَ علي فأغلبُ الظن أنكَ لا تكونَ مِثلَ علي، ولكنكَ إذا أردتَ أن تكونَ مِثلَ رسول الله " يعني في الطاعة والأعمال وليسَ في المقامات " طبعاً فقد تكونَ أفضلَ من علي.. انظر للطموح..
هناك موجّه تربية دخل على قرية من قُرى الحدود فيها تهريب كثير، فالموجّه التربوي من عادتِهِ أن يسأل سؤال تقليدي مثلاً يا بني قف ماذا تُحب أن تكون حينما تكبُر ؟ سيقول له مثلاً طيار، ضابط، طبيب. فقالَ لَهُ مُهرّب أستاذ.
فهُنا أرادَ أن يكونَ مِثلَ سيدنا علي، مثلكَ يا أبي فقالَ لَهُ لا، أرد أن تكون مِثلَ رسول الله " أن تكونَ أعلى من أبوك علي "، هكذا كان الطموح، فكُلمّا صغُرَ الإنسان تُصبح أهدافُهُ ماديّة فقط فتُحل مُشكلتُهُ بسيارة فقط.. هذهِ هيَ المُشكلة.. لا يوجد عِندهُ أهدافُهُ كبيرة، هذا القلب إخواننا الكِرام، يكبُر ويكبُر و يكبُر ولا نرى كِبَرَه فيتضاءل أمامَهُ كُلُّ كبير، ويصغُر و يصغُر ولا نرى صِغرَهُ فيتعاظم عليهِ كُلُ حقير، أحياناً يكبُر يتضاءل أمامَهُ كلُّ كبير، وأحياناً يصغُر فيتعاظم عليهِ كُلُ حقير.
7- هناك عَرَضْ أخير عن أعراض البُعد عن الله أنَّ الإنسان يكتفي بالتشريع الوضعي عن تشريع الإله، أي لا يهُمُهُ أن يُطبّق الشرع يهُمُهُ فقط أنَّ القوانين نافذة يُطبِقُها وفقط، يا ترى إسلامية غير إسلامية، مُحِقة، كثيراً هناك قوانين نشأت بفعل ظروف معيّنة، فرضاً واحد عِندهُ بيت فارغ ويسكن في بيت أجرة، إذا كان مؤمن لا يغتصب بيت، أمّا إذا كان معهُ مرض بُعد عن الله عزّ وجل يعتبر نفسهُ مجنون إذا قام تسليم البيت من دون فروغ.
فعندما تكونَ أنتَ مُسلم حقيقةً تتقيّد بالشرع، لأنّهُ في القبر لا يوجد قانون هناك شرع، فإذا الإنسان بقوة القانون قام باغتصاب شيء فالقبر لا يحميه من العِقاب الشديد، فكُلّما كان إيمانك أكبر تتقيّد بالشرع لا بقانون وضعي.
والحمد لله رب العالمين