حوار من القلب للتاريخ
فى مرحلة ما قال كثيرون «الجيش والشعب إيد واحدة»، وفى مرحلة أخرى قال هؤلاء الناس أنفسهم «يسقط يسقط حكم العسكر». لا هؤلاء سذج حين قالوا الأولى، ولا أصبحوا خونة ومتلونين حين قالوا الثانية. كل طرف عنده كمية مهولة من المخاوف تجاه الطرف الآخر. وهذه المخاوف هى التى جعلتنا نؤجل تسليم رئاسة الجمهورية إلى مدنى منتخب لمدة ٧ شهور كانت سلبياتها وضحاياها تفوق مكاسبها وعوائدها. وقلت مرارا: «الجيش لازم يسلم السلطة بسرعة ويطلع سليم ويساعدنا»، كلما طوّلنا المدة زادت المخاطر والتكلفة. قلت من قبل «أنا شفت الفيلم ده قبل كده ولازم نخرج الفيل من الحجرة بأقل الخسائر، لكن لازم نخرجه برضاه، علشان محتاجينه بعد كده». البعض صدقنى والبعض شتمنى والبعض خوّننى. وأنا لا خنت ولا تلونت، ولكن حاولت ترشيد سلوك بعض الفاعلين فى ساحة عمل سياسى مجنون.
فكرونى كده هو إحنا كنا طوّلنا المرحلة الانتقالية ليه؟ (ما الإخوان كانوا هيفوزوا هيفوزوا فى كل الانتخابات، وكان الأولى أن نُعجل الانتخابات لنستفيد مما ألزموا به أنفسهم، إلى أن تنجح القوى الليبرالية فى موازنتهم).
فكرونى كده هو إحنا ليه ما التزمناش بمسار «نعم» وكان زمان دستور ٧١ هو دستور المرحلة الانتقالية بدل الوضع العجيب اللى احنا فيه؟
فكرونى كده هو ليه الثوار ما عملوش أحزاب ونزلوا انتخابات ككيانات منظمة؟
فكرونى كده هو ليه القوى السياسية رفضت اقتراحى بقائمة نسبية مفتوحة بدل الثلث والثلثين ثم حل مجلس الشعب؟
فكرونى كده هو ليه لما كنت بأقول الجيش هيسلم السلطة كانت الناس بتقول علىّ عميل للجيش؟
فكرونى كده ليه لما النهارده بأقول نحترم حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، الناس اللى بتقول علىّ إخوان، ليه النهارده شايفينى مش إخوان؟
فكرونى كده إذا كان حد عنده دليل واحد إن أنا عمرى طلبت أى منصب من أى حد فى أى جهة من مستشار لوزير أو عضو مجلس استشارى أو عضو جمعية تأسيسية رغما عن اعتذارى عنها.
أنا عمرى ما خوّنت حد ولا شتمت حد ولا بعت مواقفى لصالح حد. لكن المشهد أعقد كثيرا من أن أقف فى جانب واحد من الملعب وأصدر الأحكام. يمكن يكون سوء حظى إنى قعدت مع ناس كثيرة ومن جهات مختلفة وأطلعونى على معلومات كثيرة جعلتنى مش عارف أكون فى صف أى طرف وحده دون الآخرين. بعض الناس أحسنت الظن بى، فبأشكرهم. وبعضهم أساء الظن بى فبأعذرهم لأنى ما أقدرش أقول كل اللى أعرفه.
دعونا فقط نتعلم من الشهور الطويلة الماضية بعض الدروس:
مش كل حد مختلف معى فى وجهة النظر أو التوجه الفكرى يكون بالضرورة «عميل».
ومش كل حد يغير وجهة نظره كاستجابة لتغير فى البيئة السياسية يكون بالضرورة «متلون».
ومش كل واحد يترفع عن الدخول فى مهرجان السباب والشتيمة يكون بالضرورة «ضعيف».
ومش كل حد يمارس فضيلة الصمت يكون بالضرورة «جبان».
ومش كل حد بيقول اللى إنت بتقوله يكون دليلا على إنكم إنتم الاثنين صح وبقية الناس غلط.
كلنا سعداء اليوم بما أنعم الله به علينا، ولكن الثورة بالإضافة للشجاعة والعزيمة عايزة شوية مهارة وحكمة. أنا لا أملك أى حاجة من هذه الأربعة، بس بأملك حاجة أهم من كل ده: إنى علمت أن رزقى لن يأخذه غيرى فاطمأن قلبى، يعنى من الآخر إحنا بنقرأ فى كتاب القدر، مش بنكتبه.
أنا خلصت..
اشتمونى بقى..