سلسلة مقالات الإخوان والجيش والثوره رقم 5
نعود وإياكم لنستأنف حديثنا معكم والحلقه الخامسه بعد أن توقفنا عند التجهيز للكفاح المسلح ضد الأنجليز واليوم نستمل معكم ماتوقفنا معه
قامت الكتائب الفدائيه المشكله من طلبة الجامعات والإخوان ومصر الفتاه باغتيال كثير من العسكريين البريطانيين وقابل الإنجليز ذلك بمنتهى العنف إلى أن أعلنوا فى أحد الأيام أنهم سيدمرون قرية كفر عبده القريبه من السويس بحجة أنها تأوى الفدائيين الذين يحاولون نسف محطة المياه الموجوده بهذه القريه التى تغذى المعسكرات البريطانيه بالمياه ولما وصل التهديد إلى الحكومه أمر وزير الداخليه قوات بوليس السويس بالمقاومه والدفاع عن القريه وأنضمت قوات البوليس للفدائيين ودارت معركه غير متكافئه بين المصريين والإنجليز ونسف الإنجليز قرية كفر عبده وأزالوها بمن فيها ممن تبقى من الأهالى ورجال المقاومه
فى 3 ديسمبر عام 1951 نشبت معركه بين المقاومه المصريه والقوات البريطانيه عند المنطقه المعروفه (( بزيتية شل )) وتحصن الفدائيون بالمنازل وأنضم إليهم رجال البوليس وحاصرتهم القوات البريطانيه بالدبابات التى أنتشرت حول معمل تكرير البترول الأميرى وتقدم الجنود البريطانيين يطلقون النار فى جنون ولكن المقاومه أستطاعت أن تقضى على معظم الجنود وعلى رأسهم قائدهم الضابط الإنجليزى وعندما وصلت أخبار هذه الخسائر إلى القياده البريطانيه قررت الأنتقام بعنف
تحرش الإنجليز برجال البوليس فى مدينة الإسماعيليه وأمرت القياده البريطانيه قوات بلوكات النظام المصريه الموجوده فى دار المحافظه بالإسماعيلية بالجلاء عن الدار وأمر وزير الداخلية فؤاد سراج الدين هذه القوات بالمقاومه وعدم الأستسلام وفى يوم 25 يناير 1952 أطلق الإنجليز المحاصرون لدار المحافظه مدافعهم على الدار وقاوم جنود البوليس عن مواقعهم فى بسالة المصريين وأستخدم الإنجليز جميع أنواع الأسلحه الحديثه وأستشهد عدد كبير من البوليس لا يقل عددهم عن ثمانين جندياً فكانت مذبحه بكل أبعادها وسرعان ما أنتشرت أخبار هذه المذبحه غير المتكافئه عن طريق الإذاعه والصحافه فى المجتمع المصرى
أبلغت وزارة الخارجيه المصريه ممثلى دول العالم المجتمعين وقتها فى الجمعيه العموميه للأمم المتحده بمذكره عن هذه الفظائع وأستدعت مصر سفيرها فى بريطانيا إحتجاجاً على تصرفات السلطات البريطانيه فى القناه
ركز بقى الله يرضى عليك
فى صباح يوم 26 يناير 1952 ساد البلاد موجه من الغضب وأحتشدت قوات بلوك النظام الموجوده فى منطقة القاهره لإظهار سخطهم على مذبحة الإسماعيليه التى حدثت لإخوانهم الجنود وتحركت هذه القوات في شبه مظاهره وأتجهت إلى جامعة فؤاد وأجتمعوا بالطلبه هناك ثم أتجه جميع الطلبه ورجال البوليس فى شكل مظاهره إلى مبنى مجلس الوزراء ثم إلى قصر عابدين وكانت هذه المظاهرات تنذر بالخطر من أعدادها وخاصةً أن بها جانباً كبيراً من رجال البوليس المفروض فيهم حفظ الأمن والنظام ولكن الإستياء كان قد بلغ مداه وتجمع الأهالى حول هذا التجمهر وزاد عددهم وفلت النظام عندما بدأوا يتحركون صوب ميدان الأوبرا وفجأة فى ميدان الأوبرا وبعد إنضمام كثير من عناصر المخربين إلى المتظاهرين بدأ الإعتداء على الممتلكات ومحطات الوقود والمحلات التجاريه وأشتعلت النيران فى كل شئ فى وسط البلد حتى عم النهب والسلب والتخريب وأنتشرت الحرائق حتى وصلت إلى شارع الهرم وإلى ساعه متأخره من الليل وأشارت أصابع الأتهام وقتها لرجال القصر والأنجليز
إحترقت القاهره وأقيلت حكومة الوفد وبقيت الأحكام العرفيه التي أعلنتها وكان لحريق القاهرة أثر شديد على الضباط الأحرار ففى مساء اليوم يوم الحريق 26 يناير 1952 أجتمعت اللجنه التأسيسيه للضباط الأحرار لدراسة الموقف وخليك مصحصح معايا لأنى كنت نبهتك فى أول حلقه أن حريق القاهره كان سبب رئيسى من أسباب قيام الثوره وأتضح بجلاء فى هذا الأجتماع أن الأحداث وتطورها فى البلاد تسير بخطى سريعه نحو حاله من التدهور لم يسبق لها مثيل وأن الزمام ربما يفلت في أى لحظه ويحدث إنفجار من الشعب المتذمر وتصبح البلاد في حاله من الفوضى لا يمكن التكهن بنتائجها وكان لابد من التحرك بسرعه خاصةً وأن الملك نفسه قد عرف بأمر الضباط الأحرار وتنظيماتهم داخل الجيش بعد تحديهم له فى إنتخابات مجلس إدارة نادى ضباط الجيش التى جرت يوم 31 ديسمبر 1951 وفوزهم فيها وكان عليهم أن يسبقوه فى التحرك وأن يضربوا ضربتهم ويقوموا بالثوره عليه التى كانوا يعدون أنفسهم لها قبل أن يعمل هو على تصفيتهم نهائياً من الجيش وتضيع عليهم الفرصه
يقول عبداللطيف البغدادى وعندما أثيرت تلك النقاط فى هذه الظروف التي تحيط بنا فى مناقشاتنا وضرورة تحركنا السريع والعاجل كان جمال عبدالناصر يرى عدم الإندفاع ويدعو إلى التأنى وكانت هذه عادته وكان الرأى فى اللجنه التأسيسيه فى هذه الجلسه يتجه إلى عدم التحرك ويحرص على التريث والحذر ورضخوا لوجهة نظر عبد الناصر ولما وجد عبداللطيف البغدادى أنه لا يزال هناك إصرار على عدم التحرك السريع على الرغم من تلك الأحداث أعلن لزملائه أعضاء اللجنه عن إنسحابه من حضور إجتماع اللجنه التأسيسيه فى المستقبل حتى يقرروا أن الوقت المناسب قد حان لتنفيذ خطتنا وأن يعتبرونى في تلك الفترة جندياً لهم فى سلاح الطيران وأنهم سيجدوننى وزملائى ضباط القوات الجويه خير عون لهم حينما تحين الساعه والكلام موجود لمن يريد أن يراجعه فى مزكرات عبداللطيف البغدادى
كان عدم تكامل تنظيم الضباط الأحرار هو السبب في عجزهم عن الحركه فور وقوع حريق القاهره وحتى ساعتها لم يكن تنظيم الضباط الأحرار قد أخذ شكلاً هرمياً متعدد المسؤوليات منضبط السريه ولم يكن له لائحة أو برنامج كما أن بعض المجموعات لم تكن تواظب على دفع الإشتراكات ولم يكن نظام الخلايا قد أستقر على أسس ثابته وخاصةً فى سلاح الطيران
منذ إجتماع اللجنه التأسيسيه للضباط الأحرار مساء يوم الحريق توالت المنشورات وتأكد لجميع ضباط الجيش الوجود الفعلى والنشاط الظاهر للضباط الأحرار وأنضمت أعداد كبيره من الضباط إلى تنظيم الضباط الأحرار بحيث أصبح التنظيم قوياً وقادراً على أن يثير إهتمام القوى الداخليه والخارجيه المهتمه بإستمرار نفوذها فى مصر وفى هذا الوقت وصلت معلومات إلى تنظيم الضباط الأحرار من الإخوان المسلمين أن الإنجليز أبلغوهم أنهم يريدون التخلص من الملك الذى أصبح مكشوفاً ومكروها من الشعب ولا يضمن مصالحهم وأن الإنجليز طلبوا من الإخوان إغتيال الملك اللى حاليا عاملين حمله عن طريق آيات عرابى لأسترجاع أيامه
وصلت معلومات أخرى عن طريق الملحق العسكرى الأمريكى المتصل بعلى صبرى مدير مخابرات الطيران أن فى حالة تحرك الجيش المصرى لأى حركة تغيير فإن الأمريكان سيطلبون من الإنجليز عدم التدخل إذا كانت هذه الحركه غير شيوعيه ولا تهدد مصالحهم وأستقر رأى الضباط الأحرار على التحرك فى شهر نوفمبر 1952 وفى هذا التاريخ كذلك حاول الوفد أن يستعين بشباب ضباط الجيش وقام الضابط حسن علام لحساب الوفد بطبع منشورات وأتقبض عليه وحددت الحكومه إقامة فؤاد سراج الدين وعبدالفتاح حسن وعلى أثر ذلك أتصل الضباط الأحرار بأحد أقارب النحاس باشا لمحاولة الأتفاق مع الوفد والتعاون معه ورد النحاس باشا بأنه لا يستطيع أن يدخل لعبة الضباط لأنه لا يريد أن يخسر أوراقه مع الأمريكان وخلى دى معاك ياعم سمير
كان الضباط الأحرار يعتمدون على منشوراتهم التى لم تتوقف والتى تبادل مسؤولية طبعها وتوزيعها عدد من الضباط الأحرار منهم عبدالرحمن عنان وحمدى عبيد وزير الإداره المحليه فيما بعد وخالد محيى الدين وفى هذا تفسير للأفكار والآراء التى حفلت بها المنشورات والتى كانت تعكس الأتجاه الحقيقى لمجموعة الضباط الأحرار
ظهر بعد حريق القاهرة منشور يقول وحنقلك نصه كما هو
أيها الضباط
(( إن الخونه المصريين يعتمدون عليكم وعلى جيشكم لتنفيذ أهدافهم وهم يظنونكم أداة طيعه فى أيديهم للبطش بالشعب وإرغامه على قبول ما يكره فليفهم هؤلاء الخونه أن مهمة الجيش هى الحصول على أستقلال البلاد وصيانته وأن وجود الجيش فى شوارع القاهرة إنما هو لإحباط قرارات الخونه التى تهدف إلى التدمير والتخريب ولكننا لا نقبل ضرب الشعب ولن نطلق رصاصه واحده على مظاهرة شعبيه ولن نقبض على الوطنيين المخلصين يجب أن يفهم الجميع أننا مع الشعب الآن ومع الشعب دائماً ولن نستجيب إلا لنداء الوطن
فيه منشور آخر صدر فى فترة وزارة أحمد نجيب الهلالى الأولى من أول مارس 1952 وحتى 28 يونيه 1952 ما يأتى وبرضوا حنقله كما هو
((توالت مؤامرات الأستعمار الأنجلو أمريكى فى الفتره الأخيره فى مصر لمحاولة القضاء على الحركة الوطنيه ولصرف أنظار الشعب عن الكفاح المسلح ضد الأستعمار فى القناه إلى مشاكل داخليه فى القاهره فيما بعد أن أعلنت حكومة الوفد قطع المفاوضات وإلغاء المعاهده ورفض حلف الشرق الأوسط الرباعى الأستعمارى وتكوين الكتائب الوطنيه أشتدت قوة الوطنيه فى البلاد حتى كادت أن تصل مصر إلى حقوقها الكامله دبر الأستعمار وأذنابه إنقلاب 26 يناير الماضى وجاءت حكومة على ماهر وبدأت المفاوضات من جديد وكان الأستعمار والخونه المصريون يأملون كثيراً من على ماهر التسليم تسليماً كاملاً بمطالبهم بقبول وأستعمال الأحكام العرفيه للتنكيل تنكيلاً واسعاً بالشعب ولكن خاب رجاؤهم ولم يجبهم على ماهر إلى مطالبهم فكان لابد من إنقلاب جديد لتحقيق الأهداف الإستعماريه السابقه وتحويل الحركه إلى الداخل والقيام بحركة تطهير واسعه بالبلاد بحجة تقوية الصفوف قبل مجابهة الإستعمار وهكذا وصل الهلالى إلى الحكم بعد تدبير سابق وقد جاء الهلالى وأعلن برنامج الوزاره بصراحه وأن مهمتها الرئيسية هى التطهير وقد تناسى أن الفساد الأكبر مصدره الإستعمار وأنه لا يمكن القضاء على الفساد الداخلى إلاّ إذا قضى على أسبابه ومصدره إن من أهداف الضباط الأحرار الكفاح ضد الفساد وضد الرشوه والمحسوبيه وإستغلال النفوذ ولكن يجب ألا نتجه إلى ذلك إلا بعد القضاء على الأستعمار
أبرزت المنشورات السابقه أتجاهات وطنيه تتعارض تماماً مع التخطيط الأمريكى للسياسه المصريه بل وربطت بين الأستعمارين البريطانى والأمريكى فى محاولتهما القضاء على الحركه الوطنيه وصرف أنظار الشعب عن الكفاح المسلح
بس خلاص صوابعى وقفت بقالى ساعتين ونص بكتب ولاتزال السلسله لاتلقى الأهتمام الكافى لكن برضوا حنحاول نكمل معاكم
#جنرال_بهاء_الشامىفي أغسطس 28, 2017